في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لم تعد الاستدامة مجرد رؤية مستقبلية، بل أصبحت ضرورة حتمية. مع التزامات الدول بتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، وازدياد أهمية معايير الاستدامة والحوكمة والمسؤولية البيئية (ESG) في استراتيجيات الاستثمار، أصبح التركيز منصبًا على أحد أكبر التحديات في المنطقة: المخزون الحالي من المباني القائمة.
تشير الدراسات إلى أن حوالي 80% من المباني التي ستظل قيد الاستخدام حتى عام 2050 قد تم بناؤها بالفعل. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، فإن ما لا يقل عن نصف هذه المباني تحتاج إلى عمليات تحديث شامل بحلول عام 2040 لتحقيق الأهداف المناخية.
في الإمارات، تقود هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) هذه الجهود من خلال مبادرة “الاتحاد لخدمات الطاقة – Etihad ESCO” التي تهدف إلى تحديث 30,000 مبنى بحلول عام 2030، ما يوفر نحو 1.68 تيرا واط/ساعة من الطاقة، ويقلل استهلاك المياه بأكثر من 5.6 مليار غالون. أما في السعودية، فتقود الشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة (ترشيد) تنفيذ برامج تحديث للمباني الحكومية، وقد سجلت بعض المشاريع التجريبية بالفعل انخفاضًا في تكاليف الطاقة بنسبة تصل إلى 40%.
أدوات رقمية تدفع التحديث الذكي إلى الأمام
تمكن المنصات الرقمية مثل PlanRadar مديري الأصول والمرافق من مراقبة أداء المباني بشكل لحظي، وتوثيق المشاكل مثل ضعف العزل أو الأعطال في أنظمة التكييف باستخدام الصور والملاحظات والقوائم الذكية. يساعد ذلك في تحديد أولويات التحديث بناءً على بيانات واضحة وقابلة للقياس.
تعزيز الامتثال لمعايير ESG والشفافية
أصبح تتبع مؤشرات ESG أمرًا أساسيًا لدى المستثمرين والجهات التنظيمية. تدعم المنصات الرقمية التوثيق اليومي لانبعاثات الكربون، وإعادة استخدام المواد، وتحسين كفاءة الطاقة – بما يعزز فرص المطورين في الحصول على التمويل المستدام. ووفقًا لشركة McKinsey، يمكن أن تخفض عمليات التحديث العميقة استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40%، بينما تحقق التحديثات البسيطة خفضًا بنسبة تتراوح بين 10–15%.
الصيانة الاستباقية لتعزيز القيمة طويلة الأمد
لا تقتصر التحديثات الذكية على التحسينات الفورية، بل تتيح التحليلات التنبؤية استباق الأعطال، من خلال مراقبة أنظمة المبنى على مدار الوقت وتحديد المشكلات المحتملة قبل تفاقمها، ما يقلل من التوقفات التشغيلية ويطيل عمر المبنى.
تحقيق عائد اقتصادي من خلال الاستدامة
تشير دراسات معهد روكي ماونتن (RMI) إلى أن التحديثات الذكية يمكن أن تحقق عائد استثمار خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 7 سنوات، وذلك بفضل تقليل استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الخدمات، والامتثال لمعايير الأبنية الخضراء. كما أن تحسين رضا المستخدمين وخفض معدلات الإشغال الفارغ يعزز العائد الإجمالي.
تحديث الأصول لمواكبة مستقبل مستدام في الخليج
تكتسب حركة تحديث المباني القائمة في دول الخليج زخمًا متزايدًا، بدعم من المبادرات الحكومية مثل “رؤية السعودية 2030″ و”استراتيجية الإمارات لتحقيق الحياد المناخي 2050”. يمثل التحديث الذكي مسارًا واقعيًا لتحويل المباني القديمة إلى أصول متوافقة مع التوجهات المستدامة.
توفر الأدوات الرقمية حلاً عمليًا لتنفيذ عمليات التحديث بكفاءة أعلى، مع ضمان تحقيق نتائج قابلة للقياس على مستوى مؤشرات الاستدامة والأداء التشغيلي. وباعتماد التقنيات الذكية، يمكن للمطورين ومالكي الأصول تحويل مبانيهم الحالية إلى منشآت حديثة ومتفوقة في الأداء – مما يمنحهم ميزة تنافسية على المدى الطويل.
بقلم: إبراهيم إمام، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة PlanRadar