Home قصص تحليلية في قلب الأمازون: التمويل المناخي والصحة وحقوق الشعوب الأصلية تتصدر أسبوعًا محوريًا في COP30

في قلب الأمازون: التمويل المناخي والصحة وحقوق الشعوب الأصلية تتصدر أسبوعًا محوريًا في COP30

by Hadeer Elhadary

مع انطلاق فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP30) في مدينة بيلم البرازيلية خلال الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم إلى الأمازون، حيث يلتقي القادة والخبراء وممثلو الحكومات والمجتمع المدني لمناقشة أكثر القضايا إلحاحًا في عصرنا.

وفي أسبوع حافل بتحذيرات علمية عاجلة، وارتفاع قياسي في درجات الحرارة، وتصاعد مطالب المجتمعات المتضررة، أصدرت الأمم المتحدة سلسلة من البيانات بين 12 و15 نوفمبر، سلّطت الضوء على محاور المؤتمر الأساسية: التمويل المناخي، والصحة العامة، وحقوق الشعوب الأصلية، والتنقل المناخي، والتكاليف الإنسانية المتصاعدة لتغير المناخ. الرسالة العامة التي برزت عبر جميع هذه التطورات واضحة: أزمة المناخ لم تعد شأنًا مستقبليًا — إنها أزمة حاضرة تعيد تشكيل حياة الناس وأنظمة الصحة والاقتصاد والبشرية جمعاء.

التمويل المناخي في الواجهة

في 15 نوفمبر، أكدت الأمم المتحدة أن التمويل المناخي أصبح محور المفاوضات الأبرز في COP30. فوفق ما ورد في بيانات المؤتمر، لم يعد هناك من خلاف على حقيقة واحدة يتشاركها الجميع: من دون تمويل كافٍ وعادل وسريع، لا مسار آمن أو عادل للدول الأكثر هشاشة. وخلال جلسة الحوار الوزاري رفيع المستوى حول التمويل المناخي، دعت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، الدول إلى البدء الفعلي بتنفيذ ما يصل إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا من تمويل المناخ، بحيث يصل “إلى الأكثر احتياجًا بسرعة وشفافية وعدالة.” وأشارت إلى أن العدالة الاجتماعية والعمل المناخي مترابطان، إذ يقود انعدام الأمن المناخي إلى الجوع والفقر، ويدفع إلى الهجرة والنزاعات، ما يهدد الاستثمار والتنمية. الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، سايمون ستييل، شدّد هو الآخر على أن التمويل هو “شريان الحياة للعمل المناخي”، وأن تدفق التمويل بشكل سريع وعادل هو الدليل الحقيقي على نجاح التعاون المناخي العالمي. وقال: “عندما يتدفق التمويل، تتسع الطموحات.”

الصحة: أزمة مناخية تتكشّف أمام العالم

شهد 14 نوفمبر تحوّلًا مهمًا في مسار المؤتمر عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية والحكومة البرازيلية تقريرًا مشتركًا يؤكد أن أزمة المناخ أصبحت أزمة صحية بمعنى الكلمة. التقرير كشف أن أكثر من نصف مليون شخص يموتون سنويًا بسبب موجات الحر الشديدة، وأن واحدًا من كل 12 مرفقًا صحيًا مهدّد بالتعطل بسبب الظواهر المناخية. كما يعاني 3.3 إلى 3.6 مليار شخص من العيش في مناطق شديدة التأثر بالمناخ. هذا الواقع دفع قادة الصحة إلى إطلاق خطة بيلم للعمل الصحي، وهي مبادرة رئيسية في COP30 تهدف إلى إدماج الصحة في صميم السياسات المناخية. المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، قال إن آثار تغير المناخ على الصحة “حاضرة الآن وليست تهديدًا مستقبليًا”، داعيًا الدول إلى بناء أنظمة صحية قادرة على الصمود، ودمج بيانات المناخ والصحة، وتعزيز الإنذار المبكر. كما أعلنت أكثر من 35 مؤسسة مانحة التزامًا بتقديم 300 مليون دولار لدعم حلول المناخ والصحة، في خطوة توضح حجم التحدي. مبعوثة COP30 للصحة، إيثيل ماسييل، حذّرت من أن التكيف الصحي بات أمرًا عاجلًا، مستشهدة بالفيضانات التاريخية التي ضربت جنوب البرازيل العام الماضي وأدت إلى أسوأ تفشٍّ لحمى الضنك في تاريخ البلاد.

الشعوب الأصلية: احتجاجات ورسائل حاسمة

في 14 نوفمبر، لفتت احتجاجات الشعوب الأصلية الأنظار عندما قام نحو 90 فردًا من شعب الموندوروكو بقطع المدخل الرئيسي للمنطقة الزرقاء في لمدة ساعة تقريبًا، مطالبين الحكومة بوقف الأنشطة الاستخراجية التي تهدد أراضيهم، خاصة في أحواض نهر تاباتجوس ونهر شينغو. مديرة مؤتمر COP30، آنا توني، وصفت الاحتجاج بأنه “مشروع ومسموع”، مؤكدة أن اختيار الأمازون لاستضافة المؤتمر جاء لضمان حضور أصوات الشعوب الأصلية. وسُجلت مشاركة أكثر من 900 ممثل للشعوب الأصلية في المؤتمر، مقارنة بـ300 فقط العام الماضي. ممثلو الشباب من الشعوب الأصلية أكدوا أن وجودهم يعكس الضرورة الملحّة للدفاع عن الأرض والهوية والثقافة. وقالت الشابة أماندا بانكارا: “نطالب بحق الأرض وبحق الحياة… ونمثّل من لم يحصل على فرصة الحضور.”

التنقل المناخي: حين يصبح المناخ سببًا للنزوح

وفي 13 نوفمبر، دفعت المنظمة الدولية للهجرة ملف الهجرة والنزوح المرتبطين بالمناخ إلى مقدمة النقاشات، محذرة من أن موجات النزوح الناجمة عن الفيضانات والعواصف والجفاف باتت جزءًا من الواقع اليومي لملايين البشر. في جلسات COP30، سرد ممثلو مجتمعات متضررة من هايتي وإثيوبيا وفنزويلا شهادات مؤثرة حول تأثيرات المناخ على الهجرة. اللاجئ الهايتي روبرت مونتينار تحدّث عن “الظلم المناخي” الذي يدفع بأعداد متزايدة إلى الرحيل، بينما وصف الناشط الإثيوبي ماكيبيب تاديسي دورة من “العنف والنزوح المستمرين” مع اشتداد تنافس المجتمعات على الماء والغذاء. ممثل مفوضية اللاجئين وسفير النوايا الحسنة، ألفونسو هيريرا، أكد ضرورة سماع أصوات اللاجئين، مشيدًا بانفتاح البرازيل على استقبالهم.

قصة من البرازيل: مجتمع صغير يواجه المدّ البحري

وفي 12 نوفمبر، نشرت الأمم المتحدة تقريرًا ميدانيًا من جزيرة مارجو البرازيلية، حيث اضطر سكان مجتمع “فيلا دو بسكيرو” إلى النزوح بعد أن اجتاحت الأمواج أرضهم عام 2024. فقدت إيفانيل، التي عاشت 40 عامًا قرب الشاطئ، منزلها عندما التهم المدّ الأرض التي احتضنت أجيالًا متعاقبة. انتقلت العائلات أقل من كيلومتر واحد إلى منطقة منغروف حارة وصاخبة وغير مناسبة للزراعة أو تربية الحيوانات. وقال ابنها جوني، وهو صياد وطالب علوم: “المكان الذي كانت فيه منازلنا أصبح الآن تحت الماء.” وأصبحت قصتهم مثالًا واقعيًا على الكلفة الإنسانية المتزايدة لتغير المناخ، في وقت يناقش فيه المجتمع الدولي هذا النوع من النزوح داخل قاعات COP30 على بعد بضع كيلومترات فقط.

أزمات عالمية وصناديق جديدة للتكيف

كشف الملخص الإخباري للأمم المتحدة في 13 نوفمبر عن حجم الكوارث المناخية المتسارعة حول العالم. ففي الفلبين، تضرر أكثر من خمسة ملايين شخص من إعصار “فونغ-وونغ”، بينهم 1.7 مليون طفل. كما أعلنت مفوضية اللاجئين عن إطلاق صندوق حماية البيئة للاجئين، وهو أول صندوق يقوده لاجئون يعالج إزالة الغابات، ويعزز الطاقة النظيفة، ويخلق وظائف خضراء. وعلى صعيد آخر، حذّر خبير أممي من أن الأشخاص ذوي الإعاقة في ميانمار يتعرضون لأسوأ انتهاكات حقوقية منذ سنوات، في سياق تتفاقم فيه الأزمات البيئية والإنسانية.

شهد يوم الصحة في المؤتمر اعتماد خطة بيلم للعمل الصحي، وهي وثيقة تشمل خطوات عملية لبناء أنظمة صحية قادرة على التكيف مع تغير المناخ، وتعبئة التمويل والتكنولوجيا، وضمان مشاركة المجتمعات. كما شهد اليوم إطلاق مبادرة عالمية لخفض هدر الغذاء إلى النصف بحلول 2030، وهو ما قد يخفض انبعاثات الميثان بنسبة تصل إلى 7%. في جناح الصحة، نوقشت قضايا متعددة من الذكاء الاصطناعي إلى إدارة النفايات والصحة وحقوق الإنسان، ما أكد موقع الصحة في صميم العمل المناخي.

مع تبقي أيام قليلة على انتهاء المفاوضات، يقف COP30 عند لحظة فارقة. فالقضايا التي برزت — التمويل، الصحة، حقوق الشعوب الأصلية، التنقل المناخي — تكشف حجم الترابط بين الأزمات العالمية. ويبقى الحكم النهائي على نجاح المؤتمر مرهونًا بقدرته على تحويل الوعود إلى أفعال، والطموحات إلى تنفيذ، قبل أن يرتفع المدّ مرة أخرى.

You may also like