تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية واقعاً مأساوياً يؤثر بشكل كبير على حياة الكثير من الأطفال، الذين يعملون يومياً في استخراج الكوبالت السام من التربة، بدون أي إجراءات احترازية تقيهم من السموم والأضرار الناجمة عن هذا العمل الشاق. بعض هؤلاء الأطفال لم يبلغوا السادسة من العمر، وبعضهم يفقدون حياتهم خلال عملية استخراج هذا المعدن الأساسي في صناعة هواتفنا وحواسيبنا وأجهزتنا اللوحية وسياراتنا الكهربائية.
ويُعتبر هذا الواقع المؤسف عنصراً أساسياً وجوهرياً في البنية الاقتصادية للتكنولوجيا العالمية المعاصرة. تنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية ما يزيد عن 72٪ من إجمالي الناتج العالمي للكوبالت، ويتم استخراج الكثير منه في ظروف غير إنسانية وغير قانونية. ومع ذلك، يواصل المستهلكون والشركات الاستفادة من هذا المعدن، دون الأخذ بعين الاعتبار النتائج السلبية الحقيقية الناجمة عن استخراجه.
حياة الأطفال أثمن من أن تُهدر لتحسين جودة البطاريات.
هذا التناقض أمر لا يمكننا التغاضي عنه، ففي الوقت الذي نسعى فيه للتعلّم والاستمتاع بحياتنا الاجتماعية والبحث عن الفرص، يتحمل الشباب في عمرنا والأطفال الاصغر سناً، أعباء كبيرة تفرضها سلاسل الإمداد التي تُفضّل السرعة على حساب السلامة، والراحة على حساب الضمير.
تحتل جمهورية الكونغو الديمقراطية المرتبة 164 من أصل 174 على مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي، ويتم استغلال هذا الواقع من قبل بعض القوى العالمية الكبرى مثل الصين، التي تسيطر على المراحل التي تلي استخراج الكوبالت في سلسلة الإمدادات، باعتبارها القوة الرائدة في مجال معالجة هذا المعدن، ما يفاقم التحديات الأخلاقية المرتبطة بظروف العمل في مناجم الكونغو والتي يمتد تأثيرها إلى المستهلكين على مستوى العالم.
لكن المسألة لا تتعلق بشعور الذنب، بل بضرورة العمل لاتخاذ الخطوات العملية المناسبة.
التشجيع على استخدام الكوبالت النظيف
ندعو الحكومات، لاسيما في الاتحاد الأوروبي والصين، إلى تحديث الاتفاقيات التجارية لخفض الرسوم الجمركية على الكوبالت المستخرج من مصادر موثوقة وآمنة. ومن شأن هذه الاتفاقيات تعزيز القدرة التنافسية للكوبالت النظيف وتفضيله لأسباب أخلاقية. ومن المعلوم أن المزايا المالية تحقق النتائج المرجوة، إذ أن الشركات التي تُفضل الأرباح على حساب حقوق الإنسان قد تعيد تقييم ممارساتها إذا تحققت لها الأرباح المالية المرجوة.
وعلى الولايات المتحدة أن تواكب هذا التوجه، مع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الجيوسياسية. ويُتوقع أن يسهم التعاون مع شركاء تجاريين عمليين في تسريع وتيرة التقدم في هذا المجال. ومن المؤكد أن يرتفع الطلب على الكوبالت النظيف مقارنة بالكوبالت المستخرج من مصادر غير موثوقة، عندما يصبح خياراً أكثر جاذبية في السوق العالمية.
إطلاق نظام مخصص لاستخراج الكوبالت يحاكي نظام “عملية كيمبرلي”
كما نقترح إطلاق معاهدة عالمية على غرار عملية كيمبرلي، التي تهدف إلى منع تدفق “الماس الممول للصراعات” إلى الأسواق العالمية. وبناء على ذلك يتم منح الكوبالت شهادة تضمن استخراجه بطريقة آمنة دون انتهاك لحقوق الإنسان، على غرار الشهادات المخصصة للألماس. وتتيح مثل هذه الآلية للمستوردين والمصنعين والمستهلكين القدرة على اتخاذ قرارات واعية وأخلاقية، مع ضمان محاسبة المخالفين.
الاستثمار في البدائل
نحن بحاجة إلى الحد من الاعتماد على الكوبالت. إذ توفر التكنولوجيا جملة من الخيارات البديلة والآمنة مثل بطاريات أيون الصوديوم وفوسفات الحديد الليثيوم، وغيرها من البدائل الأخرى قيد التطوير. إلا أن أعمال البحث والتطوير تعاني من نقص حاد في التمويل. ويدعونا هذا الأمر إلى تشجيع الدول المتقدمة والشركات التكنولوجية الكبرى على استثمار الموارد اللازمة لابتكار حلول جديدة لتخزين الطاقة تكون قابلة للتطوير وخالية من الكوبالت. وإذا كنا قادرين على تطوير الذكاء الاصطناعي لكتابة المقالات، سيكون بمقدورنا تطوير بطاريات لا يحتاج إنتاجها لاستغلال الأطفال.
توفير الدعم القانوني للضحايا
غالباً ما تفتقر الأسر الكونغولية التي تعاني من الاستغلال إلى الحماية القانونية، إذ تقع المحاكم في أماكن بعيدة عن الأرياف ومواقع استخراج الكوبالت، بالإضافة إلى تكاليفها الباهظة، ما يجعل الوصول إليها أمر فائق التعقيد. لهذا السبب، نقترح إنشاء مركز للمساعدة القانونية بتمويل دولي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يشرف عليه محامون من الكونغو والعالم، لرفع دعاوى مدنية ضد الشركات المخالفة. التقاضي ليس فقط وسيلة للعقاب، بل هو أيضاً وسيلة للردع. كما يعيد الحق للأشخاص المتضررين.
معاقبة المذنبين
نحن نعرف من هم المخالفون: المديرون التنفيذيون في قطاع التعدين، ووسطاء سلسلة الإمدادات، وأصحاب النفوذ السياسي، وهم في غالبيتهم أغنياء مجهولي الهوية ويستفيدون من أعلى درجات الحماية. حان الوقت لفرض عقوبات فعّالة ومن بينها: تجميد ممتلكاتهم، ومنعهم من السفر، وتقديم المجرمين منهم للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لا تعتبر عمالة الأطفال في استخراج الكوبالت مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، ففي بعض الحالات، يمكن أن ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية. إذ يمتلك المجتمع الدولي الأدوات اللازمة، إلا أنه يحتاج الإرادة لاتخاذ الخطوات الحاسمة في هذا الإطار.
أفسحوا المجال للمراقبين
أخيراً، على الحكومة الكونغولية السماح لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين بدخول مناطق استخراج الكوبالت. ويتعرض الناشطون المحليون حالياً للمضايقات، بينما يُمنع المراقبون الدوليون من الوصول إلى المناجم. إن غياب الرقابة يعني غياب المساءلة، وبدون وضوح، يبقى الاستغلال قيد الكتمان. دعوهم يصلون إلى مواقع استخراج الكوبالت لكشف الحقيقة وتسليط الضوء على الواقع.
الحقيقة بسيطة لكنها قاسية: نحن جميعاً معنيون بهذا الواقع، ورغم أننا غير مذنبين، إلا أننا نتحمل جزءاً من المسؤولية.
يمكننا تأسيس نظام أفضل، نظام يعطي الأولوية لحياة البشر على الليثيوم. يجب أن نبدأ بالضغط من أجل التغيير، وبتشجيع الابتكار، والعمل على تحقيق العدالة، مع الحرص على استخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة تحمي حياة الأطفال.
يجب أن نبادر فوراً ودون تأخير، بدلاً من انتظار التغييرات التي قد تحصل مستقبلاً.
بقلم: لانا قصاص وآية أسماء سالم عطية وسامي بوجمعة وماتيو بارليت، طلاب الصفين 10 و 11 في
ICE – مدرسة دبي الفرنسية الدولية ثنائية اللغة