Home رأي تبنّي الاستدامة: ثقافة جديدة للجودة في قطاع الضيافة

تبنّي الاستدامة: ثقافة جديدة للجودة في قطاع الضيافة

by Hadeer Elhadary

نحن نعيش في زمنٍ بات فيه المستهلك أكثر وعيًا من أي وقت مضى، وقطاع الضيافة يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. ومع تزايد اهتمام المسافرين بالاستدامة، بات من الضروري أن تعيد الفنادق النظر، لا في طريقة تشغيلها فحسب، بل في ثقافتها المؤسسية برمّتها. فغرس مفهومي الاستدامة والجودة في صميم الكيان المؤسسي لم يعد ترفًا، بل غدا التزامًا أصيلًا، يتجاوز مجرد الاستجابة لتوقعات السوق، ليجسّد عهدًا حقيقيًا نحو بناء عالمٍ أفضل للأجيال القادمة.

فهمٌ أعمق لمفهوم الاستدامة

كثيرًا ما يُنظر إلى الاستدامة على أنها مجرّد بندٍ يُؤشَّر عليه، لكنها في الحقيقة ينبغي أن تكون مبدأً موجِّهًا يشكّل جميع جوانب عملياتنا. في موڤنبيك، ندرك أن الاستدامة تتجاوز المصابيح الموفّرة للطاقة وبرامج إعادة التدوير؛ فهي فلسفة شاملة تؤثّر في كيفية تفاعلنا مع بيئتنا ومجتمعاتنا، ومع ضيوفنا بشكلٍ خاص.

ولغرس الاستدامة فعليًّا في ثقافتنا، نُولي التعليم والتوعية بين موظفينا أولوية قصوى. فمنذ اللحظة الأولى لانضمامهم إلى فريقنا، نحرص على أن يدرك كل موظف جديد أهمية الممارسات المستدامة، لا بوصفها جزءًا من مهامه الوظيفية فحسب، بل كركيزة أساسية لهويتنا المؤسسية. ومن خلال الجلسات التدريبية المنتظمة وورش العمل التفاعلية والنقاشات المفتوحة حول مبادرات الاستدامة، نُشجّع موظفينا على التفكير النقدي في أنشطتهم اليومية وفي الأثر الأوسع لأفعالهم.

فعلى سبيل المثال، تدعو حملة ” كيلو اوف كايندنس” (Kilo of Kindness) موظفينا إلى مشاركة تجاربهم الشخصية في مواقف تجلّت فيها روح الإحسان والتكافل المجتمعي. وعندما يُدرك الموظفون كيف تسهم أفعالهم في رسالة أوسع، سواء أكان ذلك من خلال تقليل النفايات أو ترشيد استهلاك المياه أو التفاعل مع المؤسسات الخيرية المحلية، يصبح ارتباطهم بالقضية أشد عمقًا. إن هذا الفهم الأعمق يُحوّل المبادرات البيئية من مجرد مهام إلى رحلةٍ مشتركة تُنمي شعورًا بالفخر والغاية.

الجودة: جوهر الضيافة

تُعدّ جودة الخدمة حجر الأساس في قطاع الضيافة، غير أنها لا تقتصر على موظفي الاستقبال أو طاقم المطاعم، بل تمتد لتشمل جميع مستويات المؤسسة. وفي فنادق موڤنبيك، نؤمن بأن الجميع، من الطهاة إلى عاملات النظافة، يؤدّون دورًا جوهريًا في تقديم تجربة استثنائية للضيف.

ويُعدّ ترسيخ ثقافة التواصل المفتوح هو العنصر الجوهري في هذا النهج؛ فالمتابعات المنتظمة واجتماعات الفريق وجلسات تبادل الآراء تعزز روح التعاون والاحترام المتبادل. فعندما تقترح إحدى عاملات النظافة طريقة أكثر كفاءة لتنظيم عملية التنظيف، أو يوصي أحد الطهاة بالاعتماد على مزارعين محليين في توريد المكونات، لا يُكتفى بتقدير هذه الأفكار، بل يُحتفى بها. ومن خلال تشجيع الابتكار في جميع أرجاء بيئة العمل، نرتقي بمستوى جودة الخدمة، ونرسخ ثقافة يشعر فيها كل موظف بقيمته وقدرته على الإسهام الفعّال.

القيادة وتجسيد القيم سلوكيًا

تُعد القيادة الفعّالة حجر الزاوية في صياغة ثقافة مؤسسية تتمحور حول قيم الاستدامة والجودة، إذ يتحتم على القادة تجسيد السلوكيات والقيم التي يتطلعون لرؤيتها متجذرة في فرق عملهم، وهي فلسفة نعتنقها بقوة في موڤنبيك. ففريقنا القيادي يشارك بفعالية في مبادرات الاستدامة، بدءًا من المشاركة في حملات النظافة المجتمعية، ووصولًا إلى قيادة أنشطة جمع التبرعات.

من خلال هذا الحضور الفعّال والمشاركة الملموسة، يرسّخ قادتنا التزامًا صادقًا وأصيلًا بمهمتنا. أضِف إلى هذا أن تكريم ومكافأة أعضاء الفريق الذين يتفوقون في تعزيز الاستدامة أو تقديم خدمة استثنائية يعزز من أهمية هذه القيم. إنَّ الاحتفاء بالإنجازات، سواء تمثّلت في فعالية بيئية تكللت بالنجاح أو في مبادرة مبتكرة لأحد أعضاء الفريق، يُعدُّ ركيزة أساسية لغرس هذه المبادئ في نسيج ثقافتنا المؤسسية.

التفاعل المجتمعي

لقد أدركنا أن التغيير الحقيقي غالبًا ما ينطلق من خارج أسوار فنادقنا؛ فالمشاركة المجتمعية تمثل حافزًا قويًا يدفع بجهودنا في مجال الاستدامة إلى الأمام. في موڤنبيك، تمكّن مبادراتنا -التي تشمل حملات التبرع بالدم والشراكات المحلية والأنشطة التطوعية- أعضاء فريقنا من إقامة روابط مجتمعية أصيلة وترك بصمة إيجابية ملموسة، بما يتجاوز حدود أدوارهم الوظيفية.

ويتجلى ذلك بوضوح خلال “تحدي دبي للياقة”، حيث لا تقتصر رؤيتنا على تشجيع موظفينا على المشاركة لتعزيز صحتهم الشخصية، بل تمتد لتمكينهم كي يصبحوا سفراء للمبادرة، فيشركون ضيوفنا ويدعونهم ليكونوا جزءًا منها. ونتيجةً لذلك، تتوطّد أواصر الانتماء المجتمعي بينما يعمل الموظفون والضيوف معًا لتحقيق أهداف مشتركة. وهذا التفاعل المباشر يعمّق التزامنا بتقديم خدمة عالية الجودة وتبني ممارسات مستدامة على حدٍ سواء.

قياس الأثر ومواصلة المسيرة

لترسيخ قيم الاستدامة والجودة في ثقافتنا المؤسسية، من الضروري تحديد أهداف قابلة للقياس والاحتفاء بالإنجازات المحققة على طول الطريق. فنحن نجري تقييمات دورية لمبادراتنا لقياس مدى تقدمنا، مما يمنحنا المرونة اللازمة للتكيف مع الظروف المتغيرة وتوقعات الضيوف. وفي هذه المسيرة، نعتبر ضيوفنا شركاء حيويين، فملاحظاتهم وآراؤهم لا تُقدّر بثمن؛ ذلك لأنها تسهِم في صقل مبادراتنا في مجال الاستدامة، فضلًا عن أهميتها في تحسين خدماتنا.

ومن خلال دعوتهم لمشاركتنا رؤاهم وتشجيعهم على الانضمام إلينا في تبني الممارسات المستدامة، نخلق بيئة عمل تشاركية تعزز القيم المشتركة وترسّخ رسالتنا.

ختامًا:

إنّ بناء ثقافة تحتضن الاستدامة والجودة ليست بالمهمة السهلة أو السريعة، ولكنها مسيرة حتمية لأي مؤسسة تلتزم بمبادئ الضيافة الحديثة. فمن خلال إعطاء الأولوية للتثقيف وتمكين أعضاء الفريق وتقديم القدوة في السلوكيات الصحيحة والتفاعل مع مجتمعاتنا، نضع الأساس الراسخ لإحداث تأثير مستدام. ذلك أن رسالتنا في موڤنبيك تتمثل في بناء بيئة عمل يشعر فيها كل عضو في فريقنا بقيمته، وتحفزه ليكون عنصرًا فاعلًا في بناء مستقبلنا المستدام. وبتضافر جهودنا، فإننا لا نرتقي إلى مستوى تطلعات مسافري اليوم فحسب، بل نتولى زمام الريادة لصياغة ملامح قطاع الضيافة المستقبلي، القائم على أسس المسؤولية والشمولية.

بقلم: كريسي دي – مديرة قسم النظافة والجودة والاستدامة في فندق وشقق موڤنبيك داون تاون دبي

You may also like