Home رأي من  الطبيعة إلى الاستدامة: كيف تقود الإمارات جهود مواجهة  التحديات العالمية

من  الطبيعة إلى الاستدامة: كيف تقود الإمارات جهود مواجهة  التحديات العالمية

by Hadeer Elhadary

تدرك دولة الإمارات أن طبيعتها تشكل مصدراً لحلول  فعالةً لمواجهة  أبرز التحدّيات العالمية،  من الكثبان الرمليّة في صحاريها  إلى التنو البيولوجي الغني في بحارها.

ومع استضافة الدولة  للمؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025، بتنظيم  الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، تؤكد الإمارات  دورها  الريادي ً في تبني  الحلول القائمة على الطبيعة للتصدي   لفقدان التنوع البيولوجي وتغيّر المناخ وتعزيز مرونة النظم البيئية، باعتبارها أولويات وطنية راسخة وليست مجرد أهداف نظرية.

وتتركز جهود الدولة  على حماية الأنواع المهددة ، واستعادة  النظم البيئية، ودمج معايير الاستدامة في كافة مسارات التنمية الوطنية، مستندة في ذلك إلى الإرث  البيئي للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي أرسى نهجاً مستداماً  لحماية البيئة وصون الطبيعة.

وفي هذا السياق ، أنشأت الدولة شبكة وطنية تضم 49  محميّة بريّة وبحرية، تشمل الصحاري والجبال وغابات أشجار القرم والشعاب المرجانية، لتغطي ما نسبته  18% من إجمالي مساحة اليابسة و12% من المساحة البحرية في الدولة . وتشكل هذه المحميات  موطناً آمناً لعدد من الأنواع المهدّدة بالانقراض، بما فيها المها العربي، وأبقار البحر ، وسلاحف منقار الصقر، وطائر الحبارى ي، والتي نجحت في إعادة توطينها بفضل  استراتيجيات وطنية راسخة وجهود طويلة المدى في مجال  صون وحماية البيئة.

ومن أبرز هذه الجهود مبادرة  صون وتأهيل غابات أشجار القرم  بالاعتماد على دراسات علميّة دقيقة. إذ تُعدّ أشجار القرم ثروة بيئية  وتلعب دوراً محورياً في امتصاص الكربون، حيث تخزن ما يصل إلى عشرة أضعاف كمية الكربون مقارنةً بالغابات المطرية لكل هكتار.

وشهدت إمارة أبوظبي زيادة في مساحة غابات القرم بنسبة 92% بين عامي 1987 و2022، ما ساهم في تحقيق نمو  إجمالي نسبته 150% على مستوى الدولة  خلال 37 عاماً. وتتم متابعة حالة هذه  الغابات  من خلال مسوحاتٍ ميدانيةٍ دوريةٍ واستخدام تقنيّات الاستشعار عن بُعد، حيث أظهرت أحدث البيانات  أنّ 80% من غابات القرم في أبوظبي تتمتع بصحة جيدة. كما نُفذت  برامج واسعة لإعادة التأهيل  بالتعاون مع شركائنا في مبادرة القرم – أبوظبي شملت استزراع 3600 هكتار بالاعتماد  على  تقنيات متقدّمة مثل الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ويمتدّ التزام دولة الإمارات بالحفاظ على التنوع البيولوجي إلى خارج حدودها الجغرافية، حيث أطلقت برنامج استعادة الظباء الكبيرة في دولة تشاد، والذي يُعدّ أحد أبرز برامج إعادة توطين الثدييّات البريّة على مستوى العالمً. وقد أسفر هذا البرنامج، الذي انطلق عام 2016، عن إعادة توطين  المها الإفريقي (أبو حراب) و ارتفاع أعداده  في البرية إلى أكثر من 650 رأساً بعد انقراضها،  ممّا دفع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى تعديل تصنيفها   إلى “مهدد بالانقراض” بدلاً من “منقرض في البرية”. ويعكس البرنامج نموذجاً ناجحاً لدور التعاون الدولي والالتزام طويل المدى والقيادة الرشيدة في استعادة الأنواع المهددة وتجديد النظم البيئيّة.

ويشكل التعاون بين مختلف القطاعات قوة دافعة لتحقيق هذه الإنجازات، حيث تشارك  جهات اتحادية ومحلية، وفي مقدمتها  هيئة البيئة – أبوظبي، وتلعب  دوراً رئيسياً في الإشراف على المشاريع وتنفيذها. كما ترتبط  دولة الإمارات بشراكة استراتيجيّة طويلة الأمد مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ولجنة بقاء الأنواع التابعة له، وقد  أثمرت هذه الشراكة عن إعداد القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض على مستوى  الدولة وإمارة أبوظبي، والقائمة الحمراء للنظم البيئيّة، إضافةً إلى تحديد تسع مناطق رئيسيّة للتنوّع البيولوجي في الدولة.

ومنذ عام 2009، تستضيف  الإمارات  المكتب الإقليمي الوحيد  لاتفاقية المحافظة على الأنواع الفطرية المهاجرة خارج مقرّها الرئيسي في مدينة بون الألمانيّة، وتدعم تنفيذ مذكّرات التفاهم المتعلّقة بالطيور الجارحة المهاجرة وأبقار البحر . ويُقدّر عدد أبقار البحر  في مياه الدولة،  ومعظمها في إمارة أبوظبي، بنحو 3,500 حيوان، ما يجعلها  ثاني أكبر تجمّع عالمي  بعد أستراليا. وتسهم هذه الجهود في تعزيز قواعد البيانات العالميّة، ودعم حماية الأنواع   محلياً ودولياً، فضلاً عن تعزيز  مرونة النظم البيئية  وقدرتها على التكيّف مع تغيّر المناخ.

ومع استعدادها لاستضافة المؤتمر الدولي للحفاظ على الطبيعة في أبوظبي هذا العام، تجدد  دولة الإمارات التزامها بدورها كجسر يربط  بين العمل البيئي المحلي والأثر العالمي، فهي  توظف أحدث  التقنيات ، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات الأقمار الصناعيّة في مراقبة الأنواع واستعادة النظم البيئية، إلى جانب تمكين المجتمع المحلي من المشاركة الفاعلة  في جهود الصون والحفاظ على الأنواع البيئية، ويجسد ذلك نهج الدولة في دمج  جهودالحفاظ على البيئة ضمن استراتيجيّتها الشاملة للتنمية المستدامة.

وتؤكّد الدولة على أهميّة الطبيعة كركيزة أساسية  لتحقيق أهدافها المناخية ، وتندرج هذه الجهود ضمن أهدافها  للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، وتعكس دورها الريادي الذي تجلى في استضافة مؤتمر الأطراف (كوب 28)، ويبرز ذلك  التزامها بتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة  محلياً وعالمياً. وفي هذا الإطار، تمثل  الجهود الرائدة لحماية واستعادة منظومات الكربون الأزرق دوراً حيوياً  في امتصاص الكربون، وتأتي استمراراً لتدابير التخفيف من أثر التغير المناخي والتكيّف معه. وتشمل هذه  الجهود حماية نحو  2,956 كيلومتراً مربعاً من مروج الأعشاب البحريّة، وحوالي 183 كيلومتراً مربعاً من غابات القرم.

تنظر دولة الإمارات إلى  حماية الطبيعة وصونها  كضرورة وأولوية وطنيّة استراتيجيّة، تتجاوز كونها  مجرّد التزام بيئي. وفي ظلّ الأزمات  العالمية  المترابطة، تبرز  الطبيعة كركيزة أساسية للاستجابة الجماعيّة. ومن هذا المنطلق ، تواصل الدولة من خلال الابتكار والتعاون الدولي والعمل المنهجي تقديم نموذج عملي في قيادة جهود الحفاظ على الطبيعة، وتعزيز القدرة على التكيّف بما فيه مصلحة الإنسان والبيئة والأجيال القادمة.

بقلم سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي، المستشار الإقليمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في منطقة غرب آسيا

You may also like