منذ أيّام، أعلنت مصر عن إطلاق أول سوق طوعي لتداول شهادات الكربون، معتبرة ذلك خطوة نحو تحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية ، ووسيلة لخفض تكلفة تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا على مستوى العالم بقيمة 250 مليار دولار بحلول 2030، إضافة إلى زيادة الاستثمارات الخضراء .
و أسواق الكربون هي “أنظمة تجارية” يتم من خلالها بيع وشراء أرصدة الكربون، ومن خلال هذه الطريقة، تحاول الدول الالتزام بالحدود الوطنية المسموح بها من الانبعاثات الكربونية، وفقاً للتعريف الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة لليئة، وفيها يساوي كل طن من ثاني أكسيد الكربون “وحدة تجارية”، كما يوجد نوعين من أسواق الكربون هما “الإلزامي” الذي يتم فيه التداول وفقاً لسياسة وطنية، و”الطوعي” الذي تشارك فيه الحكومات أو الشركات بشكل اختياري لتخفيض انبعاثاتها أو لتعويض بصمتها الكربونية، أو كوسيلة لإثبات تحملها للمسؤولية الاجتماعية.
وبدأ الحديث عن أسواق الكربون منذ عام 1997 في مدينة “كيوتو” باليابان”، أثناء اجتماع الدول التي وقعت على “بروتوكول كيوتو”، وهذا الاجتماع قد انعقد لمتابعة تنفيذ قرارات قمة الأرض التي انعقدت في “ريودي جانيرو” عام 1992.
خطوة استكمالية لإعلان شرم الشيخ
ويعتبر إعلان مصر عن إطلاق هذا السوق خطوة استكمالية وليست جديدة، إذا أعلنت من قبل عن نيتها لإطلاقه أثناء استضافتها لمؤتمر الأطراف للتغير المناخي منذ عامين “كوب 27″، وتم اقتراحه كأحد نماذج التمويل المبتكرضمن “دليل شرم الشيخ للتمويل العادل” الذي أطقته مصر خلال المؤتمر.
وخلال حفل الإطلاق، قالت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إن تدشين أول سوق طوعي لتداول شهادات خفض الكربون في مصر، يتم بالتعاون بين أطراف مختلفة، مثل برنامج “تمويل سياسات التنمية” الذي نفذته الوزارة مع البنك الدولي، وجهود هيئة الرقابة المالية التي أصدرت ثلاثة إجراءات بشأن أسواق الكربون المحلية، وهي متطلبات التسجيل لأجهزة الاعتماد والتحقق، و متطلبات التفويض للتسجيلات الخاصة لأرصدة الكربون، ومتطلبات التفويض للتسجيلات الخاصة لأرصدة الكربون المتعلقة بالأمور التجارية.
وقالت: “أسواق الكربون ستمثل خطوة داعمة نحو تحقيق الريادة في مجال الاقتصاد الأخضر على المستوى الإقليمي، حيث تعد من الأدوات الفعالة التي تشجع الشركات على خفض الانبعاثات الضارة، من خلال توفير “ائتمان الكربون” الذي يمكن تداوله وبيعه للمستثمرين والشركات التي تواجه صعوبات في الحد من انبعاثاتها، هذه الآلية ليست فقط أداة للحد من الانبعاثات، بل أيضاً وسيلة فعالة لتوفير التمويلات اللازمة من أجل التحول الأخضر”.
ونوهت أن مشروعات محور الطاقة ضمن برنامج “نوفي” في مصر، تعمل على تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، عبر خفض ما يقرب من ١٧ مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وفي هذا الصدد فإن الوزارة تتعاون مع العديد من الجهات، من بينها صندوق أصول الكربون التحويلية (TCAF) التابع للبنك الدولي والذي يهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية.
ووفقاً لتقرير“حالة واتجاهات تسعير الكربون 2024” الذي صدر عن البنك الدولي، بلغت إيرادات تسعير الكربون في عام 2023 رقماً قياسياً قدره 104 مليارات دولار، وقد تم تفعيل 75 أداة لتسعير الكربون على مستوى العالم، فيما تم استخدام أكثر من نصف حصيلة الإيرادات لتمويل البرامج المرتبطة بالمناخ والطبيعة.
وقال التقرير إن البنك الدولي يتتبع أسواق الكربون منذ نحو عشرين عاماً، وهذا هو تقريره السنوي الحادي عشر عن تسعير الكربون.، وبالمقارنة لوضع الأسواق عند صدور التقرير الأول، كانت ضرائب الكربون وأنظمة الاتجار في الانبعاثات تغطي 7% فقط من الانبعاثات في العالم، اماّا الآن تتم تغطية 24% من الانبعاثات العالمية.
تطلعات لتحقيق مكاسب استثمارية وبيئية
ومن جانبها، قالت وزيرة البيئة المصرية الدكتور ياسمين فؤاد، إن مساهمة مصر في الانبعاثات العاملية هي أقل من 1%، ومساهمة قارة إفريقيا بأكملها لا تتعدّى 4%، لكن تم غطلاق هذا السوق لمساعدة مصر على الوفاء بالتزاماتها الوطنية في اتفاق باريس، وتحمل نسب خفض الانبعاثات الكربونية المطلوبة منها، وهذا يتطلب التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص.
وقالت إن رحلة إننشاء السوق الطوعي على مدار عامين، تم خلالها القيام بعمليات التنظيم والتحقق وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص في تحقيق مكاسب مزدوجة له من خلال بيع الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة وبيع شهادات الكربون، وذلك خطوة في طريق لإنشاء السوق الالزامي، والذي سيتم من خلاله تحديد مشروعات الخفض في الدولة المصرية وحساب نسب الخفض في مختلف القطاعات، وإنشاء نظام تحقق بالتعاون مع الوزارات المعنية والبنوك التنموية، وتحديد حجم الاستفادة من ذلك في تقارير الابلاغ الخاصة بمصر.
وعلقت: “تولى مصر مهمة صعبة نيابة عن الدول النامية في مؤتمر المناخ القادم COP29، وهي التفاوض على الهدف الكمي العالمي لتمويل المناخ، للمطالبة بحق أصيل للدول النامية، وبتنفيذ أدوات تمويل منها أسواق الكربون، حتى لا تدفع الدول النامية فاتورة المناخ نيابة عن الدول الكبرى”
وبشكل عام، تخطط أكثر من ثلثي البلدان استخدام أسواق الكربون لتنفيذ خطط مساهماتها الوطنية المتعلقة بتغير المناخ، في الوقت نفسه، لا زال القطاع الخاص يهيمن في السنوات الأخيرة على هذه الأسواق، وفقاً للبنك الدولي.
ووجد تقرير “فجوة الانبعاثات” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2023، أن هناك حاجة إلى إجراء تحولات عالمية منخفضة الكربون لخفض انبعاثات غازات الدفيئة المتوقعة لعام 2030 بنسبة 28 في المائة لوضع العالم على الطريق نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، وخفض الانبعاثات بنسبة 42 في المائة لوضع العالم على الطريق نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية.
وفي السياق ذاته، وجد تقرير الوكالة الأوروبية للبيئة “التابعة للاتحاد الأوروبي”، المنشور في عام 2022، أن حجم “تجارة الانبعاثات” في الاتحاد الأوروبي انخفض بنسبة 11.4٪ بين عامي 2019 و 2020 ، وهو أكبر انخفاض سنوي منذ بداية الاتحاد الأوروبي لهذه التجارة في عام 2005، مؤكداً أنه من الضروري بذل جهود كبيرة لخفض انبعاثات الاتحاد الأوروبي للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050″.
وكانت الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر، قد أصدرت في فبراير الماضي، قرارات بالموافقة على قيد ثلاث جهات في قائمة مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية المعتمدة لدي الهيئة، وذلك للمرة الأولى في السوق المصري.
وقال الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية : “يشترط لقيد الجهات المصرية أن تكون شخصا اعتباريا، وأن تكون تلك الجهة أحد الكيانات التشغيلية المعترف بها دوليا طبقا للمعايير الصادرة عن سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ او أحد الجهات المعترف بها ضمن اتفاقية باريس أو تكون معتمدة في سجل أو أكثر من سجلات الكربون الطوعية الدولية”.
وأكد فريد أن خفض الانبعاثات الكربونية لم يعد” رفاهية “، بل أصبح أساس للتبادل التجاري على المستوى العالمي، ووسيلة لتحقيق رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة.
وتقوم الهيئة بإعداد قاعدة بيانات لتسجيل المشروعات التي صدر لهـا شـهادات خفـض الانبعاثات الكربونية ، وتقوم بموافاة وزارة البيئة بتلك المشروعات بصورة شهرية، وتُصدر البورصة المصرية قواعد وإجراءات التداول علـى تلـك الشهادات على ألا تكون سارية إلا بعد اعتمادها من الهيئة .
وتتطلع مصر إلى تحقيق مكاسب استثمارية، إذ قال المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، أن إطلاق السوق المنظم لتداول الكربون الطوعي في مصر يساهم في زيادة جاذبية الاقتصاد المصري للاستثمارات المالية والأجنبية المباشرة في القطاعات الإنتاجية صديقة البيئة، والصناعات الملتزمة بمستهدفات خفض الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أهمية ملف الاقتصاد الأخضر في جذب الاستثمارات وتسهيل حركة التصدير إلى شركاء مصر التجاريين، مشيراً إلى وجود طلب كبير على سوق الاستثمارات والمنتجات والأوراق المالية صديقة البيئة في مصر.
في الوقت نفسه، أكدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، على دور القطاعين الخاص والأهلي تجاه خدمة المجتمع وتنمية البيئة ونشر الزراعة العضوية بما يتوافق مع رؤية مصر 2030 والاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 من خلال توزيع حوافز سندات الكربون للمزارعين تقديرا لمجهوداتهم وممارساتهم الزراعية العضوية والصديقة للبيئة.
وقالت عوض إنه تم تنفيذ فاعليات بالمحافظات المستهدفة لتوزيع حوافز سندات الكربون علي المزارعين وذلك في حوالي ١٥ محافظة، وجاري التنفيذ في ٣ محافظات بإجمالي ٤٠٠ مزارع ، سيحصلون علي مليون و٥٧٧ ألف جنيه.
كتبت- هدير الحضري: صحفية أولى في ESG Mena Arabic