أظهرت الأبحاث الجديدة التي أجرتها شركة بين أند كومباني تُظهر تراجعاً حاداً في قضايا الاستدامة على سُلم أولويات الرؤساء التنفيذيين، مقابل زيادة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، والنمو، والتضخم، وعدم اليقين الجيوسياسي، التي أصبحت تتصدر جدول أعمالهم.
هذا التراجع وتباطؤ الزخم في مجال الاستدامة قد يترتب عليه تكاليف ملموسة. وفقاً لتقديرات شركة بين، فإن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين قد يخفض قيمة مؤشر ستاندرد أند بورز 1500 بنحو ستة تريليونات دولار، بالإضافة إلى بروز عواقب بيئية واجتماعية مدمرة.
في المقابل، تُظهر أبحاث بين أن الشركات تكافح للوفاء بالتزاماتها الحالية. فحسب بيانات CDP، 30% من الشركات التي تكشف عن التقدم المحرز لا تزال متأخرة في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات من النطاقين 1 و2، والنصف الآخر من الشركات متأخر في تحقيق أهداف النطاق 3.
كما أظهرت النتائج التي توصلت إليها شركة بين أند كومباني في تقريرها “دليل الرئيس التنفيذي الطموح نحو الاستدامة 2024“، الصادر اليوم، أن العديد من الشركات تعيد تقييم التزاماتها المناخية وتعديلها، وفي بعض الحالات تتراجع عنها.
وقال جان تشارلز فان دن براندن، رئيس ممارسات الاستدامة العالمية في شركة بين:” “إن عملية الانتقال إلى عالم مستدام تجري ضمن دورة مألوفة. لقد شهدنا بداية مشجعة وسط حماسٍ كبير، ولكن الأمور اتخذت مساراً أكثر واقعية وبراغماتية. ومع بروز التحديات والعقبات المتعلقة بالوفاء بالالتزامات الجريئة، بدأت العديد من الشركات بتقييم ما يمكن تحقيقه والجدول الزمني المتوقع. ولا بد من الإشارة إلى أن إبطاء أو تعطيل مسيرة التقدم هو بحد ذاته خطأ كبير. فبحسب أبحاثنا، من المحتمل أن تصل العديد من التكنولوجيات المستدامة إلى نقطة تحولها بسرعة أكبر مما كان متوقعاً. وستواصل الشركات الرائدة مسيرتها بدورٍ فعال، من خلال اعتماد مزيج من التكنولوجيات الجديدة، وتتبع سلوكيات المستهلكين والسياسة الذكية، التي من شأنها خلق فرص قيّمة لقطاعاتها.”
على الرغم من الطريقة التي يعتمدها الرؤساء التنفيذيون في التعامل مع الأولويات المتضاربة، فإن الرسالة التي عبّر عنها المستهلكون في جميع أنحاء العالم واضحة. فحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة بين وشملت نحو 19 ألف مستهلك في 10 دول، أشار 61% من المستطلعين إلى أن مخاوفهم بشأن تغير المناخ قد زادت خلال العامين الماضيين، ويعود ذلك في كثير من الأحيان إلى تجارب شخصية مع الظروف المناخية القاسية. وعبر المستهلكون في البرازيل وإندونيسيا وإيطاليا، وهي المناطق الجغرافية التي شهدت أحداثًا مناخية مدمرة في الأشهر الأخيرة، عن قلقهم المتزايد بشأن تغير المناخ. وأكد 76% من المستهلكين العالميين على أهمية نمط الحياة المستدام “لأن أنشطتهم لها تأثير”. ويشعر المستهلكون في البرازيل (90%) وإندونيسيا (90%) وإيطاليا (84%) بإحساس أكبر بالمسؤولية تجاه بصمتهم البيئية.
من جهته، قال أكرم العلمي، الشريك الرئيسي ورئيس قسم الطيران والمرافق وممارسات الاستدامة والمسؤولية في منطقة الشرق الأوسط في شركة بين أند كومباني: “مع تزايد تواتر وحدّة الظواهر المناخية المتطرفة، لم يعد المستهلكون مجرد مراقبين سلبيين، بل أصبحوا يشعرون بتداعيات هذه الظواهر بشكلٍ مباشر ويطالبون الشركات بتكثيف جهودها. هذا الوعي المتزايد الذي نشهده من شأنه إعادة تشكيل السوق، حيث لم تعد الاستدامة مجرد إضافة مستحبة، بل أصبحت عاملًا حاسمًا لتحقيق النجاح على المدى الطويل. ومن هذا المنطلق، فإن الشركات التي تفشل في دمج الاستدامة في استراتيجياتها ستخاطر بسمعتها وبميزاتها التنافسية في سوق بات يتسم بالوعي البيئي على نحو متزايد”.
في مجال التسوق المستدام، يرى المستهلكون أن العلامات التجارية وتجار التجزئة يلعبون دورًا كبيرًا في عملية اتخاذ القرارات. وتُشكل التجربة الشخصية مع الأحوال المناخية القاسية السبب الرئيسي لاتجاه المستهلكين نحو شراء المنتجات المستدامة. ومع ذلك، أشار 35% من المستطلعين إلى أن خياراتهم جاءت بناءً على المقالات الإعلامية والأفلام الوثائقية، فيما يعزو 33% ذلك إلى توافر هذه المنتجات، واعتبر 28% أن قراراتهم ناتجة عن حملات التوعية التي تقوم بها العلامات التجارية وتجار التجزئة.
وتشير أبحاث شركة بين إلى ضرورة أن تقوم الشركات الاستهلاكية بتصنيف المتسوقين والتعامل معهم بشكل أقل كمجموعة متجانسة، وبشكل أكبر كمجموعات أكثر تعقيدًا ضمن شرائح محددة من العملاء. كما ينبغي إعطاء الأولوية لاستخدام مواد التعبئة والتغليف المعاد تدويرها والقابلة لإعادة التدوير، وإقامة شراكات عبر سلسلة القيمة لتوفير إمكانية الوصول بشكل أكبر إلى المنتجات المستدامة.
الاستدامة على رأس اهتمامات المشترين من الشركات
لا يقتصر الاهتمام بالاستدامة على المستهلكين فقط. فقد أظهر استطلاع أجرته شركة بين، شمل 500 من المشترين والبائعين في قطاع الأعمال التجارية، أن الاستدامة تأتي حالياً ضمن أهم ثلاثة معايير لعمليات الشراء لدى المشترين من الشركات. وأكد 36% من المستطلعين أنهم قد يتخذون فوراً قرار وقف تعاملاتهم مع الموردين الذين لا يلبون توقعات الاستدامة، في حين عبّر 60% عن استعدادهم للقيام بذلك بعد ثلاث سنوات. وبالمثل، أظهر استطلاع بين أن نحو 50% من المشترين من الشركات مستعدون حالياً لدفع نسبة 5% كتكاليف إضافية مقابل خيارات أكثر استدامة، ويتوقعون أن يتزايد هذا التوجه في المستقبل.
من جهة أخرى، يبدو الوضع مختلفاً بين الموردين، حيث يسود نوع من عدم الوضوح بشأن أهداف الاستدامة. فقد أفاد 85% من الموردين بأنهم يعملون على دمج بعض معايير الاستدامة في منتجاتهم وخدماتهم، لكن 27% فقط أشاروا إلى أنهم على دراية تامة باحتياجات عملائهم فيما يتعلق بالاستدامة.
وقد حددت شركة بين أربع خطوات رئيسية، تشمل العميل، القيمة، فريق المبيعات، والأسعار، يمكن للموردين اعتمادها لتحقيق الاستدامة في عمليات البيع بطريقة أكثر ذكاء.
دمج الذكاء الاصطناعي والاستدامة لتوليد القيمة التجارية
يواصل المستهلكون والعملاء تقييم الاستدامة باعتبارها معيارًا مهمًا لعمليات الشراء، إلا أنهم غالبًا ما يفتقرون إلى فهم واضح للمعايير التي تجعل المنتج أو الخدمة مستدامة. وتقترح شركة بين التوجه نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي باعتباره عنصرًا مساعدًا لسد هذه الفجوة، من خلال توفير أساليب أكثر فعالية للتواصل وفهم المنتجات والعروض المستدامة.
وتوجه إريك غرايب، الشريك وعضو ممارسات الطاقة والموارد الطبيعية والاستدامة في شركة بين أند كومباني في الشرق الأوسط، إلى الشركات قائلاً: “ننصح الشركات بدمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الاستدامة لتعزيز الابتكار والمرونة على حدٍ سواء. ومع ذلك، يتوجب على الشركات الانتباه إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على الانبعاثات الكربونية والحد منه. ومن خلال دمج الاستدامة منذ البداية، يمكن للشركات أن تأخذ زمام المبادرة نحو تشكيل مستقبل أكثر اخضرارًا وقائم على التكنولوجيا.”