Home قصص تحليلية سمر حسين: التصميم المستدام يبدأ بتغيير الثقافة لا القوانين

سمر حسين: التصميم المستدام يبدأ بتغيير الثقافة لا القوانين

by Hadeer Elhadary

في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالاستدامة وتحوّلها إلى أولوية في مختلف القطاعات، تبرز منطقة الشرق الأوسط كساحة رئيسية للنقاش حول كيفية تحقيق التوازن بين النمو السريع ومتطلبات التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، أجرت ESG Mena حوارًا مع سمر حسين، المهندسة المعمارية الأولى وقائدة قسم المرونة التصميمية الإقليمية في شركة Gensler، للحديث عن واقع التصميم المستدام في المنطقة، وأبرز التحديات والفرص، ودور السياسات والشراكات في دفع التحول نحو مستقبل عمراني أكثر وعيًا بالبيئة.

كيف تقيّمين موقع المنطقة في مسار الاستدامة؟

الشرق الأوسط في موقع حرج عالميًا عندما نتحدث عن الاستدامة. السوق يواجه تحديات متعددة؛ فهناك قطاع تطوير عقاري سريع النمو يقوده المطورون بوتيرة متسارعة، لكن الصناعة لا تمتلك بعد عمق الخبرة والمعرفة الموجودة في الولايات المتحدة أو أوروبا. فبينما شهدت هذه المناطق تطورًا عمرانيًا على مدى أكثر من 300 عام، حدثت الطفرة العمرانية في منطقتنا خلال الخمسين عامًا الأخيرة فقط. هذا يعني أننا نفتقر إلى النضج الذي اكتسبته تلك الأسواق بعد ارتكابها أخطاء كبيرة. واليوم، يدركون ضرورة تغيير المسار.

ما أبرز الفجوات في السوق الإقليمي؟

العديد من المطورين – وليس جميعهم – يركزون على التكاليف الرأسمالية والعوائد السريعة. تتحرك صناعة البناء بسرعة كبيرة، وبعض العاملين في التصميم والبناء والتشغيل لا يدركون حجم التحدي المناخي. ومن المهم التذكير بأن قطاع البناء مسؤول وحده عن نحو 39% من إجمالي انبعاثات الكربون عالميًا.

وماذا عن الضغوط البيئية الأخرى مثل جودة الهواء وندرة المياه؟

نحن في واحدة من أكثر المناطق شحًّا في المياه على مستوى العالم. لدينا مشكلات كبيرة تتعلق باستهلاك المياه وتوافرها. أما جودة الهواء، فهي قضية رئيسية ترتبط مباشرة بطريقة تخطيط المدن وتشغيل المباني.

كيف يمكن للمطورين الموازنة بين الاستدامة والجدوى الاقتصادية للمشروعات؟

الحل يكمن في الشراكة الصحيحة. يجب أن يكون لدى المطور أو العميل التزام حقيقي بالمهمة، وأن يدرك أن عليه الاستثمار مقدمًا بشكل أكبر قليلًا لتحقيق فوائد طويلة الأمد على مدار دورة حياة المشروع. كما يجب أن تمتلك فرق التصميم والهندسة والبناء المعرفة الكافية لترجمة هذه الرؤية إلى حلول قابلة للتطبيق، إلى جانب وجود أنظمة وتشريعات داعمة ومحفزة.

هل تمثل التشريعات الحلقة المفقودة؟

خلال مقابلاتنا مع عدد من المطورين في المنطقة، قال كثير منهم: «إذا أصبح هذا الأمر إلزاميًا بموجب القانون، فسأغير عملي غدًا».

إذن هل يُستخدم غياب القوانين كذريعة للتقاعس؟

نعم، في كثير من الأحيان. كثيرون يلقون باللوم على الحكومات، لكن دول الخليج تطبّق بالفعل أفضل الممارسات العالمية. فالإمارات مركز أعمال عالمي مفتوح، ولا يمكن فرض الاستدامة بالقوة؛ بل يجب تشجيع وتحفيز جميع الأطراف على تبنّيها.

كيف يمكن للحكومات تحقيق هذا التوازن بين التحفيز والصرامة؟

نطلق على ذلك سياسة «العصا والجزرة». يجب أن تكون هناك عواقب لعدم الالتزام، وفي المقابل حوافز للمبادرين. ومع ذلك، علينا الاعتراف بأن متطلبات البناء في المنطقة مفصّلة جدًا، والصناعة معتادة على تعليمات دقيقة.

هل يفضل المطورون القوانين الصارمة على المرونة؟

نعم، لأنهم يريدون الوضوح والثبات. إذا كانت المتطلبات غامضة، فإنهم غالبًا يختارون الحلول الأرخص والأسرع. لكن هناك مطورين ملتزمين يدركون القيمة المجتمعية والتسويقية والاقتصادية للاستدامة على المدى الطويل.

كيف تسهم المباني المستدامة في تعزيز الرفاهية وتحقيق أهداف ESG؟

ثبت أن المباني المستدامة تحقق عوائد إيجارية أعلى وتزيد من إنتاجية العاملين، خصوصًا في المكاتب. لكن هذه الفوائد طويلة الأجل. نصيحتي هي: لا تحاول تحقيق كل شيء دفعة واحدة، بل ركّز على مجالات محددة يمكن فيها إحداث أثر ملموس، مثل كفاءة الطاقة أو استخدام المواد، ثم البناء على الإنجازات تدريجيًا.

ذكرتِ أن سرية العملاء تحد من عرض مشاريع إقليمية مستدامة. لماذا؟

صحيح، وهذا جانب مثير للاهتمام. كثير من الأمثلة التي نعرضها تكون من الولايات المتحدة لأن مشروعات الشرق الأوسط تخضع لاتفاقيات سرية (NDA). العملاء هنا يحرصون بشدة على صورتهم العامة، ويريدون التأكد من نجاح المشروع قبل الإعلان عنه. ليست المسألة خوفًا من الفشل بقدر ما هي حرص على السمعة.

كيف يمكن تجاوز ثقافة السرية هذه؟

علينا أن نكون أكثر انفتاحًا على الأخطاء ومشاركتها. لو جُرّبت استراتيجية للطاقة المتجددة ولم تحقق النتائج المرجوة، من المهم نشر التجربة ليستفيد الآخرون. فالمنطقة تمتلك ظروفًا مناخية فريدة، وتبادل الدروس يسهم في تطوير الحلول المناسبة. كثير من المطورين يترددون في أن يكونوا السبّاقين خوفًا من الفشل، لكن من يجرؤ أولًا يُحدث تأثيرًا متسلسلًا إيجابيًا.

هل يمكن أن توضحي ذلك بأمثلة؟

على سبيل المثال، إذا قرر مطور كبير تقليل الانبعاثات الكربونية في مواده، فسيتأثر سلسلة التوريد بأكملها. سيبدأ الموردون بتحسين شفافية منتجاتهم للحفاظ على التعامل معه. قرار واحد يمكن أن يغيّر السوق.

هل تلاحظين انفتاحًا أكبر لدى بعض العملاء؟

نعم، بعضهم يتخذ خطوات متقدمة جدًا. شركة الدار العقارية مثلًا تمتلك أجندة مناخية واضحة وأهدافًا محددة للوصول إلى الحياد الكربوني، وهي تعمل مع مورّديها لتوفير مواد أكثر استدامة مثل الخرسانة منخفضة الكربون. كذلك، تعمل ماجد الفطيم على دمج الاستدامة في مشاريعها عبر شهادات أداء ومعايير قياس واضحة. يجب أن نسلّط الضوء على هؤلاء، ونتوقف عن اعتبار الأخطاء إخفاقًا. فالمنطقة ما زالت فتية — قبل 50 عامًا لم يكن 90% من المباني الحالية موجودًا، ومع وجود 80% من السكان من الوافدين، هناك خليط من الخبرات والثقافات. من الطبيعي أن نتعلم بالتجربة. حتى تقليص الانبعاثات بنسبة 2% أو استهلاك المياه بنسبة 5% يُعد تقدمًا.

جودة الهواء قضية بارزة في مدن مثل دبي، كيف يمكن للتصميم معالجتها؟

الموضوع يبدأ من مستوى التخطيط الحضري: التنقل، اتجاهات المباني، والمساحات الخضراء. يجب تصميم مدن تسمح بالتهوية الطبيعية، وامتصاص الكربون، وتوسيع الغطاء النباتي. أما داخل المباني، فيجب تحسين كفاءة أنظمة التكييف، إذ إن الناس يقضون 90% من وقتهم في أماكن مغلقة. الهدف هو جعل البيئة الداخلية أكثر صحة، مع تعزيز الوصول إلى المساحات الخارجية.

هل يمكن للعمارة التقليدية أن تساهم في تحقيق أهداف الاستدامة الحديثة؟

بالتأكيد. علينا أن نستعيد حكمة العمارة التراثية وكيف تعامل أجدادنا مع الحرارة والهواء والضوء قبل ظهور الأنظمة الحديثة. لقد أصبحنا نعتمد على الحلول الصناعية والآلية في كل شيء، بينما في أحيان كثيرة تكون الحلول التقليدية هي الأكثر بساطة وكفاءة واستدامة.

You may also like