Home » التبعات البيئية للذكاء الاصطناعي: هل يمكن أن تحقق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التوازن بين التنمية والاستدامة؟

التبعات البيئية للذكاء الاصطناعي: هل يمكن أن تحقق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التوازن بين التنمية والاستدامة؟

by Hadeer Elhadary

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسارعاً ملحوظاً في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بادرت دول، مثل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وقطر، إلى إطلاق استراتيجيات وطنية طموحة تهدف إلى ترسيخ مكانتها كمراكز عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن المرتقب أن يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقاً اقتصادية غير مسبوقة في مختلف أرجاء المنطقة، بدءاً من تطوير المدن الذكية والرعاية الصحية التنبؤية ووصولاً إلى النقل الذاتي والأنظمة المالية المتقدمة.

لكن هذه النهضة الرقمية تخفي في كواليسها حقيقة مقلقة تتمثل بأن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وخاصة مراكز البيانات، تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والمياه. وفي الوقت الذي تتسابق فيه الحكومات والشركات في المنطقة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، يتوجب عليها أيضاً أخذ تبعاته البيئية في الاعتبار. ويتمحور التحدي في هذا السياق حول قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحقيق النمو التكنولوجي والاقتصادي دون تقويض أنظمتها البيئية الهشة.

حاجة الذكاء الاصطناعي الكبيرة للطاقة

تستهلك نماذج تدريب الذكاء الاصطناعي الحديثة كميات كبيرة من الطاقة. فعلى سبيل المثال، تتطلب نماذج اللغة الكبيرة عشرات الآلاف من ساعات تشغيل وحدات معالجة الرسوميات، وتستهلك من الطاقة ما يضاهي استخدام عشرات المنازل خلال عام كامل. وتعتمد عمليات التفاعل مع روبوتات الدردشة وتوليد الصور والأوامر الصوتية، على طاقة حاسوبية ضخمة تتم معالجتها عادة في مراكز بيانات عملاقة.

وتتطلب مراكز البيانات هذه، والتي تُعرف بالعمود الفقري الرقمي للذكاء الاصطناعي، خوادم عالية السعة وأنظمة تبريد متطورة لمنع ارتفاع درجة الحرارة. ويترتب على ذلك طلب ضخم ومتنامٍ على الطاقة الكهربائية، والتي لا يزال مصدر جزء كبير منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الوقود الأحفوري. ومع زيادة مبادرات الطاقة الشمسية، يمكن أن يفرض حجم التوسع في مراكز البيانات ضغوطاً إضافية على الشبكات الوطنية، ويعيق تحقيق الأهداف المناخية الإقليمية.

مشكلة الانبعاثات الكربونية

لا يزال اعتماد العديد من دول الخليج العربي كبيراً على الوقود الأحفوري، مثل الغاز الطبيعي والنفط، لتلبية احتياجاتها من الكهرباء. ورغم أن هذا التوجه أتاح توفير الطاقة على نحو سريع، إلا أنه ينذر بتعميق البصمة الكربونية للمنطقة في الوقت الذي يسعى فيه العالم لتحقيق الحياد الكربوني.

ومع توسع عمليات مراكز البيانات لدعم التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية الأخرى، فإن الانبعاثات الناتجة عن زيادة استهلاك الطاقة يمكن أن تعيق جهود الاستدامة. وغالباً ما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره محركاً للحلول البيئية، من خلال استخداماته في شبكات الطاقة الذكية والزراعة الدقيقة ونمذجة المناخ، إلا أن بنيته التحتية قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل التي يسعى إلى حلها.

وتواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخاطر السير على مسار تحقيق المكاسب الاقتصادية من الذكاء الاصطناعي، والتي تأتي على حساب التدهور البيئي، ما لم يتم التدخل من خلال وضع سياسات هادفة وتقديم حلول تقنية مبتكرة. لكن هذه المعادلة لا تتوافق مع شروط الاستدامة وتطلعات المنطقة لتحقيق نمو مستدام على المدى الطويل.

مشاكل التبريد وندرة المياه

يشكل التبريد إحدى أبرز التحديات البيئية التي تواجه مراكز البيانات في منطقة الشرق الأوسط، إذ تعتمد أنظمة التبريد التقليدية لهذه المراكز على كميات كبيرة من المياه في طرق التبخير، مما يجعل هذه الاستراتيجية غير قابلة للتطبيق على المدى الطويل في منطقة تعاني من نقص مزمن في المياه.

وتُصنَّف دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ضمن الدول الأكثر معاناة من الإجهاد المائي عالمياً. ويعود ذلك إلى محدودية مواردها من المياه العذبة، وتزايد الطلب عليها بسبب التوسع الحضري والزراعي. وفي هذا السياق، يصبح استخدام المياه الصالحة للشرب في تبريد الخوادم محل تساؤل كبير من المنظور البيئي والأخلاقي.

واستجابة لذلك، يعمل المبتكرون على استكشاف حلول بديلة، مثل أنظمة التبريد التي تعتمد على مياه البحر وآليات التبريد الهوائية التي تتطلب كميات أقل من المياه أو لا تحتاجها إطلاقاً. وعلى سبيل المثال، قامت شركة مايكروسوفت بتجربة مراكز بيانات تحت الماء في بيئات المحيطات التي تتميز بمستويات برودة أعلى، مما قد يقدم مؤشراً حول إمكانيات التكيف في المستقبل. لكن هذه الأنظمة تتسم بالتكلفة العالية والتعقيد اللوجستي.

لقد أصبحت الحاجة إلى ابتكارات تبريد قابلة للتطوير ومُخصصة للمنطقة أمراً بالغ الأهمية. وفي ظل غياب هذه الابتكارات، يمكن للتبعات البيئية المترتبة على تبني الذكاء الاصطناعي أن تقوض الدعم العام وثقة المستثمرين في التحول الرقمي للمنطقة.

التطلعات الخضراء: استجابة القطاع والسياسات

تسعى العديد من حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشركات التكنولوجيا إلى إيجاد بدائل أكثر استدامة. فعلى سبيل المثال، يشتمل مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية على خطة طموحة لإنشاء مدينة ذكية تعمل بالطاقة المتجددة بالكامل مع بنية تحتية متكاملة للبيانات. وعلى غرار ذلك، وضعت دولة الإمارات أهدافاً تتمثل في توليد 50% من الطاقة لديها من المصادر النظيفة بحلول عام 2050، كما تعتمد مشاريع مراكز البيانات الجديدة في أبوظبي ودبي بشكل متزايد على الطاقة الشمسية والتصاميم عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة.

ويتوجه مشغلو مراكز البيانات نحو اعتماد تقنيات التبريد السائل المتقدمة وأنظمة إدارة الطاقة المحسنة بالذكاء الاصطناعي وإعادة تدوير المياه لأغراض غير الشرب. ورغم أهمية هذه الجهود، تبرز الحاجة إلى توسيع نطاقها في مختلف أنحاء المنطقة لمواكبة النمو السريع في الطلب على الذكاء الاصطناعي والبيانات.

وتمثل جهود التعاون الدولية عنصراً رئيسياً في هذا السياق، إذ يمكن للشراكات بين الحكومات المحلية ومزودي الخدمات السحابية العالميين ومراكز الفكر البيئية، تسريع جهود تطوير ممارسات البيانات المستدامة وتطبيقها. كما يتوجب تطوير أطر العمل التنظيمية لوضع الحد الأدنى من معايير كفاءة الطاقة والمياه لمشاريع مراكز البيانات الجديدة.

دور الذكاء الاصطناعي في توفير الحلول

يمكن للتكنولوجيا التي تسبب التدهور البيئي أن تلعب دوراً كبيراً في التخفيف من آثاره، حيث يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين استهلاك الطاقة وتعزيز الإدارة الحرارية في الوقت الفعلي، مما يقلل من الاستخدام غير الضروري للطاقة ويحدد أوجه القصور في أنظمة التبريد. فعلى سبيل المثال، اعتمد فريق ديب مايند في شركة جوجل على الذكاء الاصطناعي لخفض الطاقة اللازمة لتبريد مراكز البيانات بنسبة 40%.

ويمكن لمراكز البيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستفادة من اعتماد أنظمة الإدارة الذكية المشابهة، لا سيما في الظروف المناخية الحارة. ويشكل دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشغيل البنية التحتية لهذه التقنيات دليلاً عملياً ورمزياً على أن الاستدامة لا تتعارض مع الابتكار، بل هي شريك ضروري له.

 الأمن لا يحظى بالاهتمام المطلوب

تحل الاستدامة البيئية في صدارة الأولويات، بينما يطرح النمو المتزايد للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في الشرق الأوسط تساؤلات ملحة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، إذ يتزايد خطر الهجمات السيبرانية على مراكز البيانات التي تتعامل مع معلومات حساسة حكومية ومالية وشخصية. ولا تقل أهمية ضمان أمن البنية التحتية للبيانات عن دعم الممارسات المستدامة، في ظل التحول الرقمي السريع الذي تشهده المنطقة.

ولا يمكن اعتماد التصاميم الموفرة للطاقة على حساب إنشاء بنية أمنية مرنة. وترتبط مستويات الثقة بنماذج الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية بمدى موثوقية الأنظمة التي تقوم بتخزين وحماية بياناتها الأساسية.

بناء مستقبل رقمي متوازن

يعزز الاعتماد المتنامي على الذكاء الاصطناعي مسيرة الطموح والابتكار والتحول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تتطلب توفير التوازن بين هذه العناصر. ولا ينبغي أن يكون تحقيق التنمية الاقتصادية على حساب السلامة البيئية. وبينما ترسخ المنطقة مكانتها الرائدة في تطوير واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإنها تحظى بالفرصة والمسؤولية للريادة في مجال البنية التحتية الرقمية المستدامة كذلك.

وتتجاوز هذه المسألة بعديها التكنولوجي والبيئي لتفتح آفاقاً مستقبلية للأجيال القادمة. وتساهم القرارات التي يتم اتخاذها في الوقت الحاضر حول كيفية تشغيل الأنظمة الرقمية وتبريدها وتأمينها، في رسم ملامح مستقبل المنطقة المرن لمواجهة التغير المناخي وشحّ الموارد.

ويمكن للشرق الأوسط، من خلال مواءمة الابتكار مع الاستدامة، أن يثبت أن الذكاء الاصطناعي والاهتمام بالبيئة لا يمثلان جانبين متعارضين؛ بل هما ركيزتان متكاملتان لبناء اقتصاد مزدهر ومواكب للمستقبل.

بقلم الدكتور جون مولينز، الأستاذ المساعد باختصاص قطاع الإدارة في قسم التسويق وريادة الأعمال بكلية لندن للأعمال