مع تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة وتحوّلها إلى ركيزة رئيسية للنمو الاقتصادي، تبرز منطقة الشرق الأوسط كمركز متنامٍ للابتكار في هذا المجال. ومن بين الجهات التي تلعب دورًا مؤثرًا في بناء هذا المشهد، تأتي شركة “أسترولابز” التي تسعى لربط الشركات الناشئة العالمية بالأسواق الإقليمية، مع تركيز واضح على الحلول المستدامة القابلة للتوسع.
في هذا المقابلة، تتحدث أديلا ألونسو ألونسو، مديرة الابتكار في الشركة، عن دورهم في تمكين منظومات الابتكار، واستراتيجيتها في دعم الحلول المستدامة، وكيفية بناء شراكات فعالة بين الأسواق العالمية والإقليمية.
ما هي أبرز مجالات تركيزكم وكيف تدعمون الابتكار المفتوح عبر الأسواق؟
أتولى الإشراف على محفظتنا من برامج الابتكار المفتوح وبرامج دخول الأسواق. يتركز عملنا على دعم التعاون المشترك بين الدول والشركات وتعزيز عمليات التشارك في الابتكار.
أنتم تستضيفون فعالية لتايوان ضمن معرض “نورث ستار دبي”. ما هي استراتيجيتكم في مجال الابتكار المستدام؟
نعتبر أنفسنا “ممكّنين للنظام البيئي”، أي أننا نعمل على جمع أصحاب المشكلات وأصحاب الحلول والداعمين القادرين على تحويل الأفكار إلى واقع. وعندما يتعلق الأمر بالابتكار المستدام، فإننا نسعى للارتباط بمزوّدي الحلول القادرين على العمل على نطاق واسع. لا نبحث عن حلول تجميلية أو محدودة التأثير، بل عن تلك التي تُحدث تغييرًا منهجيًا حقيقيًا.
الكثير من الشركات الناشئة في دبي تأتي بحثًا عن نمط حياة معين أكثر من كونها تبحث عن فرص عمل حقيقية. كيف تميزون نهجكم في هذا السياق؟
هذا بالضبط ما نحاول تجنبه. تركيزنا ينصبّ على دعم القطاعات التي تسهم في تحقيق أجندة التنمية الوطنية، وخصوصًا في مجال الاستدامة. فالاستدامة أمر حاسم — نحن نعيش في الصحراء، والبقاء يعتمد على ممارسات مستدامة. هدفنا هو جعل الأنظمة كاملة أكثر استدامة، من شبكات الطاقة إلى القطاعات الصناعية. نحن نركز على التحديات المعقدة وربما “المملة” أحيانًا، مثل جعل الصناعات أكثر خضرة، وتحسين كفاءة أنظمة النقل والخدمات اللوجستية، ومساعدة الحكومات في تطوير سياسات مستدامة.
معدل نجاح الشركات الناشئة عالميًا لا يتجاوز 4 إلى 5%، وهو أقل في الشرق الأوسط. كيف تساعدون الشركات على تجاوز هذه النسبة المنخفضة؟
بدايةً، لا نقبل الجميع. من أهم القيم التي نقدمها لشركائنا، مثل الحكومة التايوانية، مساعدتهم في تحديد الشركات التي تناسب السوق المحلي. نقوم بعمليات التحقق من الجدوى مرتين، لأن بعض الحلول التي تنجح في شرق آسيا لا تكون مناسبة هنا. على سبيل المثال، تعاني تايوان من نقص في العمالة، لذلك تزدهر فيها الحلول الآلية المتقدمة، بينما هذا ليس الحال في المنطقة.
كيف تدعمون هذه الشركات قبل أن تستثمر فعليًا في المنطقة؟
نربطها مبكرًا بالنظام البيئي المحلي قبل اتخاذ قرار الاستثمار. كثيرون يظنون أن الشرق الأوسط هو “أرض اللبن والعسل”، لكننا نوضح لهم الواقع السوقي. نساعدهم على تقييم الفرص، ونتيح لهم التواصل مع الجهات الداعمة في المنظومة، ونرشدهم لتحديد ما إذا كان الوقت مناسبًا لدخول السوق أو من الأفضل التوسع لاحقًا في أسواق أخرى أولاً.
من أين تبدأ عادةً هذه الشراكات، من “أسترولابز”“ أم من الشركاء الدوليين؟
عادةً ما تبدأ من الشركاء الدوليين. دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية تمتلك إنتاجًا قويًا من الابتكار ولكن أسواقها المحلية صغيرة نسبيًا، لذا فهي بحاجة للتوسع خارجيًا. الشرق الأوسط يقدم سوقًا كبيرًا ويحتاج إلى التقنيات التي تنتجها تلك الدول، ما يجعله شريكًا مثاليًا.
هل تقدمون تمويلًا مباشرًا للشركات الناشئة؟
نحن لا نمول مباشرة، لكننا نساعد الشركات على فهم مشهد التمويل المحلي ونربطها بالجهات المناسبة. ليس كل المستثمرين يركزون على الاستدامة، لكننا نعرف من يفعل ذلك. على سبيل المثال، شركة VentureSouq لديها تفويض بالاستثمار في المشاريع المستدامة، ونحن نسهّل تلك الروابط. كما ندرّب الشركات على بناء العلاقات، لأن في شرق آسيا تُناقش الأعمال فورًا، بينما هنا تأتي العلاقات أولًا، ونعلمهم كيف يتعاملون مع هذا الاختلاف الثقافي.
هل تساعدون أيضًا في بناء الشراكات؟
نعم، فالشراكات عنصر أساسي. أفضل استراتيجية هي فهم احتياجات كل طرف. نحن نتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة في المنطقة، ونرى في التعاون فرصة لا منافسة. ربطنا شركات ناشئة بجهات مثل Hub71 وصندوق محمد بن راشد للابتكار وشروق بارتنرز. وأحيانًا نكون على علم بمبادرات مثل إطلاق صناديق الذكاء الاصطناعي قبل الإعلان عنها رسميًا لأننا جزء من تلك الحوارات في المنظومة.
هل تعتبرين أن منظومة الشركات الناشئة في الإمارات راسخة وقادرة على الاستمرار؟
بالتأكيد، فهي أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد. لكن كما في مناطق أخرى، شهدنا فقاعة من الشركات والمسرّعات ضعيفة الجودة. لهذا السبب يعدّ التدقيق أمرًا بالغ الأهمية، ليس فقط على الشركات بل أيضًا على العملاء. نحن لا ندير المسرّعات لمجرد إدارتها، بل نهدف لتحقيق تأثير حقيقي من خلال الجودة والملاءمة.
توسعت الشركة في السعودية أيضًا. كيف تسير الأمور هناك؟
نحن موجودون في الرياض منذ عدة سنوات، ونشهد نموًا متسارعًا مؤخرًا. نتعاون بشكل واسع مع الحكومة، على سبيل المثال، أطلقنا أول مسرّعة للألعاب الإلكترونية في المملكة.
كيف ترين زخم الاستدامة في الشرق الأوسط بعد مؤتمر COP28 رغم التحديات الجيوسياسية؟
أعتقد أن الزخم ما زال قويًا. مقارنةً ببعض الأسواق المتقدمة، يدرك الشرق الأوسط أن الاستدامة المناخية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستدامة المالية.