انطلقت فعاليات مؤتمر الأطراف لتغير المناخ في مدينة بيليم البرازيلية برسالة واضحة وحاسمة: انتهى زمن أنصاف الحلول. لم يعد التغير المناخي تهديدًا مستقبليًا، بل أصبح واقعًا حاضرًا يدمّر المجتمعات ويضاعف التكاليف الاقتصادية عالميًا. ومع ذلك، تؤكد الأمم المتحدة أن الحلول ما تزال ممكنة — فمصادر الطاقة النظيفة تتسارع، وإجراءات التكيّف تنقذ الأرواح، والتعاون الدولي قادر على إعادة توجيه منحنى الانبعاثات نحو الانخفاض.
وقال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في كلمته الافتتاحية: «هذه اللحظة التي يجب أن نوازي فيها الفرصة بالإلحاح»، داعيًا إلى «هزيمة حاسمة» لظاهرة إنكار المناخ وتسريع الجهود للإبقاء على هدف 1.5 درجة مئوية حيًّا. ومع انطلاق المفاوضات في هذا المؤتمر الممتد على مدى أسبوعين في قلب الأمازون، دعا الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، الوفود إلى ترك الخلافات جانبًا والتركيز على العمل المشترك. وقال: «وظيفتكم هنا ليست محاربة بعضكم البعض، بل محاربة أزمة المناخ معًا… هذه هي قصة النمو للقرن الحادي والعشرين، التحول الاقتصادي لعصرنا».
تفاؤل حذر والتزامات وطنية جديدة
ساد شعور بالتفاؤل الحذر في اليوم الأول من COP30، بعد إعلان تحديث الخطط المناخية الوطنية (NDCs) في 113 دولة، تمثل نحو 70 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا. وتشير التقديرات الأولية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية إلى أن هذه التعهدات قد تخفض الانبعاثات بنسبة 12 في المئة بحلول 2035. ورغم أن ذلك يمثل تقدمًا ملحوظًا، فإنه لا يزال غير كافٍ لضمان تحقيق هدف 1.5 درجة. والتحدي الآن، كما شدد ستيل، هو تحويل هذه التعهدات إلى تنفيذ سريع يتناسب مع حجم الأزمة.
من الالتزامات إلى التنفيذ
أشار ستيل في كلمته إلى أن الالتزامات التي أُبرمت خلال مؤتمرات COP المتتالية بدأت تُظهر أثرًا ملموسًا، إذ بدأ منحنى الانبعاثات العالمي «يميل نحو الانخفاض». واستلهم في حديثه من نهر الأمازون قائلاً إن «الأمازون ليس نهرًا واحدًا، بل نظام ضخم تغذّيه آلاف الجداول الفرعية، وكذلك يجب أن يعتمد تنفيذ نتائج المؤتمرات على تيارات متعددة من التعاون الدولي». وأضاف: «لا يمكن لأي دولة أن تواجه هذه الأزمة بمفردها، فالبقاء مكتوفي الأيدي بينما تدمر الجفافات المحاصيل وترتفع أسعار الغذاء أمر لا معنى له اقتصاديًا ولا سياسيًا».
أولويات مؤتمر COP30
من أبرز أولويات المؤتمر: ضمان انتقال عادل ومنظم بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وتثليث قدرات الطاقة المتجددة، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة، وتعبئة 1.3 تريليون دولار سنويًا للعمل المناخي في الدول النامية، واعتماد إطار عالمي لمؤشرات التكيف، ودفع العمل في برنامج الانتقال العادل وبرنامج تنفيذ التكنولوجيا.
وصف الرئيس لولا المؤتمر بأنه «مؤتمر الحقيقة»، محذرًا من أن «تغير المناخ ليس تهديدًا للمستقبل، بل مأساة الحاضر». وأشار إلى إعصار ميليسا في الكاريبي وإعصار في ولاية بارانا، مؤكدًا أن «الإنكار والتأجيل لم يعودا خيارين مطروحين». وأضاف: «نحن نسير في الاتجاه الصحيح، لكن بسرعة خاطئة، وتجاوز 1.5 درجة مئوية خطر لا يمكن تحمّله». ودعا إلى وضع خارطة طريق عالمية للتغلب على الاعتماد على الوقود الأحفوري، وعكس مسار إزالة الغابات، وتعبئة الموارد اللازمة لتحقيق انتقال عادل. وأعلن أن البرازيل ستطلق صندوقًا جديدًا لدعم انتقال الطاقة في الدول النامية، يموَّل من عوائد النفط.
قمة القادة والتزامات الغابات
في القمة القيادية التي عُقدت يومي 6 و 7 نوفمبر، تعهدت الدول بتقديم 5.5 مليار دولار لصندوق «الغابات الاستوائية إلى الأبد» الذي يهدف إلى مكافأة الدول على حماية الغابات المطيرة. وشملت التعهدات الأخرى الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في أراضيها، ومضاعفة إنتاج الوقود المستدام أربع مرات، وربط العمل المناخي بمكافحة الجوع والفقر والعنصرية البيئية. وأوضح لولا أن نقل المؤتمر إلى قلب الأمازون كان «مهمة صعبة لكنها ضرورية»، حتى يشهد العالم واقع أكثر النظم البيئية تنوعًا على الكوكب، موطن 50 مليون شخص و 400 مجموعة سكانية أصلية. وقال: «لتُلهمنا سكينة الغابة وضوح الفكر اللازم لرؤية ما ينبغي فعله».
العِلم والمعرفة الأصلية في قلب المؤتمر
ومن جانبه، دعا أندريه كوريا دو لاغو، رئيس المؤتمر، إلى أن يكون «مؤتمر التنفيذ والتكيّف والعلم»، وشدد خلال الافتتاح الذي شارك فيه فنانون من شعب غواجاجارا الأصلي على الدور المحوري للشعوب الأصلية في حماية الأمازون وعلى أهمية الاعتماد على الأدلة العلمية في السياسات المناخية.
النزوح وعدم المساواة: التكلفة الإنسانية للتقاعس
وبالتوازي، سلطت تقارير الأمم المتحدة الضوء على البعد الإنساني للأزمة. فقد أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن 117 مليون شخص على الأقل نزحوا حول العالم بسبب الحروب والعنف والاضطهاد، بينما فاقمت الكوارث المناخية الوضع بشكل حاد. فخلال العقد الأخير تسببت الكوارث المرتبطة بالطقس في نزوح 250 مليون شخص داخليًا — أي ما يعادل 70 ألف شخص يوميًا. وقال المفوض فيلّبو غراندي: «الطقس المتطرف يزيد من المخاطر، ويدمر البيوت ومصادر الرزق، ويجبر العائلات التي فرت من العنف على النزوح مرة أخرى».
وأشارت المفوضية إلى أن 75 في المئة من اللاجئين يعيشون في بلدان تتعرض لأخطار مناخية شديدة، وأن نقص التمويل ترك ملايين دون حماية. وأضاف غراندي: «الدول المتأثرة بالنزاعات التي تستضيف لاجئين تحصل فقط على ربع التمويل المناخي الذي تحتاجه… إذا أردنا الاستقرار، فعلينا الاستثمار في الأماكن الأكثر عرضة للخطر».
تحذير برنامج الأمم المتحدة للبيئة: «ما زلنا خارج المسار»
وقبل أيام من انعقاد المؤتمر، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريره السنوي فجوة الانبعاثات 2025: خارج المسار، محذرًا من أن العالم ما زال بعيدًا عن تحقيق أهداف اتفاق باريس. فحتى مع تنفيذ الالتزامات الحالية بالكامل، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع حراري يتراوح بين 2.3 و 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، بينما تؤدي السياسات الحالية إلى 2.8 درجة. ويشير التقرير إلى ضرورة خفض الانبعاثات بنسبة 35 في المئة للوصول إلى مسار 2 درجة، وبنسبة 55 في المئة لمسار 1.5 درجة بحلول 2035. وحذّر من أن تجاوز حد 1.5 درجة «مرجح بشكل كبير خلال العقد القادم».
ورغم الزخم الذي تحققه الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية والرياح، أكد الـتقرير أن تسريع الإجراءات وتوسيع التمويل وتحسين الهندسة المالية الدولية أمر حتمي لتحقيق التحول المطلوب. ومنذ اعتماد اتفاق باريس قبل عشر سنوات، انخفضت التوقعات الحرارية من 3 إلى 3.5 درجات مئوية إلى حوالي 2.5 درجة — ما يعكس أن التحرك العالمي يُحدث فرقًا حين تتوفر الإرادة.
الطريق إلى الأمام: من الخطاب إلى النتائج
التقنيات موجودة، والعلم واضح، والرأي العام يطالب بالتحرك. لكن السؤال يبقى: هل يواكب القيادة العالمية الخطاب بالأفعال؟ وكما قال الرئيس لولا: «لولا اتفاق باريس، لكان العالم يتجه نحو احترار كارثي يقارب 5 درجات مئوية. يجب أن نهزم المنكرين مرة أخرى».
في بيليم، الرسالة واضحة: لقد دخل العالم العقد الحاسم لإنقاذ المناخ. وسيقاس نجاح كوب 30 ليس بالبيانات ولا بالخطابات، بل بالتنفيذ، وبمدى سرعة تحويل الوعود إلى سياسات وتمويل للدول الهشة، وبالقدرة على الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى المرونة والعدالة. وكما تلهمنا غابات الأمازون بتشابك أنظمتها، تذكّرنا أن النجاة مرهونة بالتعاون، وكذلك العمل المناخي.