في دولة الإمارات، تتجسد الرؤى والطموحات على أرض الواقع. في أبوظبي، هناك مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة، مثل نور أبوظبي، والعجبان، والخزنة التي ستُفتتح قريباً، ومحطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية (وهو مشروع رائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أُدرج ضمن قائمة المشاريع الأكثر تأثيراً الصادرة عن معهد إدارة المشاريع لعام 2021)، تنتج هذه المشاريع طاقة نظيفة كافية لإضاءة المنازل ودعم الأعمال، مع المساهمة في الوقت نفسه في خفض البصمة الكربونية للدولة. ومن المتوقع أن تضيف هذه المشاريع مجتمعةً 5.5 جيجاوات من الطاقة بحلول عام 2027. أما في دبي، فيغطي مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية حالياً جزءاً كبيراً من احتياجات المدينة من الطاقة، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية 3860 ميجاوات، ويهدف إلى تجاوز 8000 ميجاوات بحلول عام 2030، ما يجعله أحد أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في العالم. ولا تقتصر هذه الإنجازات على الجانب الهندسي فحسب، بل تعد أيضاً نماذج للإدارة المنضبطة للمشاريع، حيث يتم التنسيق بين مختلف الشركاء، والالتزام بالجداول الزمنية، وقياس الإنجازات وفقاً لرؤية طويلة الأجل.
ويساهم مديرو المشاريع بدور محوري في دعم الدول لتحقيق هدفها في الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، وذلك من خلال مواءمة محافظ المشاريع مع أهداف الاستدامة، وتعزيز المساءلة، وتشجيع الابتكار. وبدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في جميع مراحل المشاريع، تسهم في تحديد أولويات المبادرات التي تقلل من البصمة الكربونية، وتخفف من مخاطر التغير المناخي، وتتوافق مع الأطر العالمية، مثل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. كما أن الاستفادة من منهجيات، مثل معيار P5 ودمج القدرة على التكيف مع التغير المناخي في أطر المشاريع يضمن الاستدامة على المدى الطويل مع تحقيق التوازن بين نطاق المشروع وميزانيته والامتثال للوائح التنظيمية.
وكان معهد إدارة المشاريع (PMI) قد أصدر مؤخراً تقريراً بعنوان “خطوة للأمام: إعادة تعريف مسار نجاح المشاريع باستخدام منهجية M.O.R.E.“، يدعو فيه العاملين في مجال إدارة المشاريع إلى إدارة المفاهيم، وتحقيق نجاح المشاريع، وإعادة تقييم المعايير، وتوسيع الآفاق ونطاق الرؤية لتحسين أداء المشاريع بشكل جذري، وتحقيق نتائج تحويلية لجميع الجهات والأطراف المعنية، وذلك من خلال تجاوز المقاييس التقليدية. يعد هذا النهج الشامل على جانب كبير من الأهمية لتحويل استراتيجيات العمل المناخي الطموحة إلى تقدم ملموس وقابل للقياس، عندما يطبق المتخصصون في إدارة المشاريع هذه العناصر الأربعة جميعاً.
وتفرض البيئة المحلية متطلباتها الخاصة، إذ يجب أن تتحمل البنية التحتية حرارة الصيف الشديدة والعواصف الترابية، وهي ظروف قد تؤثر على الأداء. وللتغلب على ذلك، يقوم مديرو المشاريع بدمج تصاميم متكيفة مع المناخ، ومواد متينة، وأنظمة آلية للحفاظ على استقرار الإنتاج على مدار العام. وتحافظ فرق العمل الماهرة، التي تدعمها عمليات واضحة وتدريب مستمر، على المعايير والخبرة في كل مرحلة من مراحل التنفيذ. وتأتي الأهداف الوطنية بجداول زمنية محددة، لا تترك مجالاً للتأخير. وتساعد أدوات مثل جدولة المسار الحيوي، وتبسيط تنفيذ المهام، واتخاذ القرارات السريعة على استمرار المشاريع دون المساس بالسلامة أو الجودة.
علاوة على ذلك، يعد التعاون بنفس القدر من الأهمية، إذ تضمن نماذج الحوكمة الواضحة أن يعمل الموردون الدوليون والمقاولون المحليون والسلطات كفريق واحد، ما يخلق مساراً موثوقاً به للتسليم في المستقبل.
ولا يقتصر تحوّل دولة الإمارات نحو الطاقة النظيفة على التكنولوجيا فحسب، بل يتعداه إلى وضوح الرؤية ومهارة مديري المشاريع الذين يجمعون الموارد، ويديرون المخاطر، ويوحدون جهود الفرق حول أهداف مشتركة. ستوفر الشمس الطاقة، ولكن يقع على عاتق المتخصصين المهرة تسخيرها بحكمة من أجل مستقبل مستدام. تواصل دولة الإمارات ريادتها على الساحة العالمية برؤية واضحة، وخطة محكمة، وتنفيذ دقيق. ويتجلى التزامها ببناء دولة مستدامة تتطلع إلى المستقبل في تبني سياسات جريئة، وتنفيذ مشاريع مبتكرة، واستثمارات طويلة الأجل تعطي الأولوية للأفراد، والكوكب، والتقدم. لا تكتفي الإمارات بالاستعداد للمستقبل، بل تساهم بفعالية في تشكيله، لتلهم العالم بما يمكن أن تحققه القيادة الهادفة.
بقلم: هاني الشاذلي – المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد إدارة المشاريع.