مع تفاقم أزمة ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتجه الحكومات والخبراء إلى البحث عن حلول مستدامة لسد فجوة الموارد المائية. وتبرز إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة كأحد أكثر الحلول الواعدة، لكنها ما تزال تواجه العديد من العقبات. في هذه المقابلة، يتحدث خافيير ماتيو ساغاستا، الباحث الأول ومنسق جودة المياه في المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI)، عن أبرز التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياساتية التي تعيق التوسع في إعادة استخدام المياه في المنطقة، كما يشرح كيف يمكن للتقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، أن تسهم في تحسين إدارة المياه في دول مثل مصر.
ما أبرز العوائق التي تمنع التوسع في إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة في المنطقة؟
هناك عدة تحديات رئيسية. أحد أهمها هو التصور العام السائد لدى الناس بأن مياه الصرف المعالجة غير آمنة للاستخدام. هذا الاعتقاد يشكل حاجزًا كبيرًا، ولهذا السبب من الضروري التعاون مع وسائل الإعلام لتوضيح الحقائق ورفع الوعي العام حول سلامة إعادة الاستخدام عند تطبيق المعايير الصحيحة. فعندما تُعالج المياه بطريقة سليمة، يمكن أن تصبح جزءًا من الاقتصاد الدائري وتساعد في مواجهة ندرة المياه وحماية البيئة.
إذاً، يبدو أن تغيير النظرة المجتمعية أمر أساسي. ماذا عن المزارعين؟ كيف يمكن بناء الثقة معهم؟
المزارعون عنصر محوري في هذا الملف. يجب أن نكون شفافين تمامًا بشأن جودة المياه التي تُستخدم في الري، وأن نعمل معهم منذ البداية لتقييم المخاطر المحتملة ووضع حلول للتخفيف منها. بناء الثقة يعتمد على الانفتاح والمشاركة، وهو ما يضمن نجاح خطط إعادة الاستخدام على أرض الواقع.
ذكرت أيضًا وجود تحديات اقتصادية. كيف تؤثر التكاليف على تنفيذ مشروعات إعادة استخدام المياه؟
معالجة مياه الصرف بهدف إعادة استخدامها عملية مكلفة، وضمان استدامة محطات المعالجة يتطلب آليات فعالة لاسترداد التكاليف. لذا يجب التفكير في نماذج تمويل مبتكرة تجعل إعادة الاستخدام مجدية اقتصاديًا على المدى الطويل.
ما أبرز النماذج المالية التي يمكن أن تسهم في تحقيق ذلك؟
يمكن الاعتماد على مزيج من الدعم الحكومي (الإعانات) واسترداد الموارد من مياه الصرف نفسها. فإعادة الاستخدام توفر منافع بيئية واجتماعية، ما يبرر أن تتحمل الحكومات جزءًا من التكلفة. في الوقت نفسه، يمكن استخراج عناصر مثل النيتروجين والفوسفور من مياه الصرف وبيعها كأسمدة، كما يمكن توليد الغاز الحيوي (البيوجاز) من محطات المعالجة لتوليد الكهرباء وتقليل النفقات التشغيلية. هذه الحلول تخلق دورة مالية تساعد على استدامة العملية بأكملها.
رغم ذلك، أشرت إلى أن أكثر من نصف مياه الصرف المعالجة في المنطقة لا يُعاد استخدامها. ما السبب؟
تشير بياناتنا إلى أن نحو 54% من إجمالي مياه الصرف الناتجة في المنطقة لا يُعاد استخدامها، وأن حوالي 44% منها تُفقد في البحر أو تتبخر. ويرجع ذلك غالبًا إلى تكاليف النقل والمعالجة العالية، خصوصًا في المدن الساحلية التي تحتاج إلى ضخ المياه لمسافات طويلة لإعادة استخدامها في الزراعة.
وفي ظل ندرة المياه في المنطقة، كيف يمكن تقليل هذه الخسائر؟
علينا أن نتعامل مع استرداد المياه باعتباره أولوية استراتيجية. لم يعد فقدان المياه خيارًا ممكنًا. يجب على الحكومات تطوير حلول عملية لاستعادة كل قطرة ممكنة من خلال استثمارات موجهة وبنية تحتية فعّالة وتنسيق مؤسسي قوي بين الجهات المعنية.
ما أهمية التنسيق بين الوزارات والجهات الحكومية لتحقيق إدارة فعالة للمياه المعاد استخدامها؟
الأمر بالغ الأهمية. فلكي تكون السياسات فعّالة، يجب أن تتعاون جميع الجهات ذات الصلة—مثل وزارات المياه والإسكان والزراعة—في صياغة سياسات شاملة ومنسقة تأخذ في الاعتبار مصالح جميع القطاعات. للأسف، هذا التعاون نادر، وغالبًا ما يُعرقل التنفيذ لاحقًا بسبب تعارض المصالح. لذا من الضروري بناء هذا التنسيق منذ مرحلة وضع السياسات لضمان التطبيق العملي لاحقًا.
المعهد الدولي لإدارة المياه معروف باستخدامه للتقنيات الحديثة في إدارة الموارد. كيف توظفون الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد في هذا المجال، خصوصًا في مصر؟
نقود عدة مبادرات بتمويل من شركة غوغل والوكالة السويدية للتنمية الدولية (Sida) لتطبيق الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستشعار عن بُعد في إدارة مياه الصرف. أحد أهم هذه المشاريع يعتمد على تحديد مواقع محطات معالجة المياه تلقائيًا باستخدام صور الأقمار الصناعية، ما يتيح لنا إنشاء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة لمحطات المعالجة في البلاد، سواء العامة أو الخاصة، وهي معلومة غالبًا ما تكون غير متاحة في الإحصاءات الرسمية.
وكيف تساعد هذه التقنيات في تحسين التخطيط المائي؟
من خلال دمج هذه البيانات مع معلومات حول الطلب على المياه في الزراعة والمدن والصناعة، يمكننا تحديد المناطق ذات الإمكانات الأعلى لإعادة الاستخدام. هذه المعطيات تساعد الحكومات على تحديد أولويات الاستثمار وتوجيه البنية التحتية نحو المناطق الأكثر احتياجًا، مما يجعل التخطيط أكثر دقة وكفاءة.
في ضوء كل ذلك، كيف ترى مستقبل إعادة استخدام مياه الصرف في المنطقة؟
الفرص كبيرة للغاية إذا أحسنا التخطيط وتغلبنا على التحديات القائمة. من خلال تحديد المواقع ومحطات المعالجة التي تملك أكبر إمكانات لإعادة الاستخدام، يمكن للدول توسيع نطاق إعادة استخدام المياه بطريقة آمنة وفعّالة. ومع الاستفادة من التقنيات الحديثة والتخطيط الذكي للاستثمارات، يمكن تحويل مياه الصرف من عبء بيئي إلى مورد حيوي يعزز الأمن المائي في المنطقة.