بحلول عام 2030، سيكون مشهد الطاقة العالمي مختلفًا جذريًا عمّا نعرفه اليوم. فالنمو المتسارع في تقنيات الطاقة النظيفة، إلى جانب التحولات في الاقتصاد العالمي، يعيد تشكيل دور الوقود الأحفوري ويُسرّع صعود مصادر الطاقة المتجددة. وللاستجابة لهذا التحوّل، يتعيّن على الدول تطوير منظومات طاقة متنوعة قادرة على تشغيل الاقتصادات بشكل مستدام مع التكيف مع الظروف المتغيرة.
لقد اتخذت دولة الإمارات بالفعل خطوات مهمة في هذا الاتجاه. فبقيادة استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، تشمل مزيج الطاقة الوطني الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والطاقة النووية والربط الكهربائي الإقليمي، مع تزايد دور أنظمة تخزين البطاريات كعنصر أساسي ضمن المنظومة. والهدف هو إنشاء شبكة طاقة نظيفة تتميز بالاعتمادية والمرونة والاستعداد للمستقبل.
وقد تحركت دولة الإمارات بحزم لتنويع كل من مزيج طاقتها واقتصادها. فما زالت صادرات النفط والغاز تشكّل نحو 30% من النشاط الاقتصادي، إلا أن حصة مصادر الطاقة البديلة تنمو بسرعة لتلبية الطلب المتزايد. وتبرهن أصول أبوظبي الرئيسة للطاقة النظيفة—وعلى رأسها مشروع الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، ومحطة براكة للطاقة النووية—على ريادة الإمارات في إنتاج طاقة منخفضة الكربون وآمنة. وبفضل الروابط القوية لشبكة الربط الكهربائي في مجلس التعاون، تُعزّز هذه المشاريع استقرار المنظومة وتمكّن من تبادل الطاقة بمرونة على مستوى المنطقة.
أما المرحلة التالية من مسيرة الطاقة في دولة الإمارات، فتتمثل في تعزيز مرونة المنظومة وذكائها. ويتطلب ذلك تحسين استغلال الأصول الحالية، ودمج التقنيات الجديدة، وضمان قدرة الشبكة على الاستجابة لتقلّبات العرض والطلب دون الإخلال بالموثوقية. ولا تزال توربينات الغاز ذات الدورة المفتوحة والمشتركة عنصرًا أساسيًا في موازنة إنتاج الطاقة المتجددة وتوفير القدرة الثابتة عند انخفاض إنتاج الطاقة الشمسية أو الرياح. غير أن المناقصات المستقبلية للوحدات الجديدة من هذه التوربينات يجب أن تتضمن اشتراطات واضحة لضمان قدرتها على التحول التدريجي. فبدلاً من افتراض جاهزية التوربينات الحديثة للهيدروجين أو توافقها مع تقنيات التقاط الكربون، ينبغي تضمين هذه القدرات في متطلبات التصميم منذ البداية. ومن خلال المواصفات الصحيحة والتكامل الملائم مع شبكة النقل، يمكن تصميم المحطات القادمة بحيث تكون قادرة مستقبلاً على استخدام الوقود منخفض الكربون أو الارتباط بأنظمة التقاط وتخزين الكربون عندما تنضج التكنولوجيا والأسواق—وبذلك يتم دعم المرونة طويلة الأمد دون ترسيخ بنية تحتية عالية الانبعاثات.
كما تُعد أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات على نطاق واسع عنصرًا محوريًا آخر في هذه المنظومة. فهي قادرة على الاستجابة خلال ثوانٍ لتحقيق استقرار الشبكة، وتخزين فائض الطاقة المتجددة وإطلاقه عند الحاجة، مما يقلل الاعتماد على محطات الذروة. ورغم أن البطاريات لا تولِّد الطاقة بحد ذاتها، فإنها تعزّز وتُحسّن القيمة الكاملة للطاقة المتجددة بجعلها أكثر انتظامًا ومواءمةً مع الطلب.
ويمكن للأدوات الرقمية أن تُحدث تحولًا كبيرًا في إدارة الشبكات. إذ تتيح التحليلات المتقدمة التنبؤ بالطلب، واستباق الانقطاعات، وتنسيق الإمداد بين التوليد والتخزين والربط الكهربائي. ويسهم هذا المستوى من الرؤية والتحكم في جعل منظومة الطاقة في الإمارات أكثر كفاءة وقدرة على التعامل مع التقلّبات.
وستكون تقنيات الهيدروجين والتقاط الكربون مهمة لعملية خفض الانبعاثات على المدى البعيد، إلا أنها لا تزال في طور التطوير. وضمان قدرة البنية التحتية الحالية على العمل مع هذه الحلول سيجعل دمجها في المستقبل أكثر سلاسة عندما تنضج التكنولوجيا والأسواق.
ويظل التكامل الإقليمي ميزة استراتيجية. فشبكات الربط الكهربائي في دول مجلس التعاون تعمل بالفعل كآلية دعم احتياطية، تسمح بنقل الطاقة إلى المناطق الأكثر احتياجًا. ويمكن لتحسين أسلوب إدارة هذه التدفقات تعزيز المرونة بشكل أكثر فعالية من الحلول المؤقتة أو المتنقلة، والتي لا تتناسب مع حجم الطلب في دولة الإمارات.
إن دولة الإمارات تبني منظومة طاقة قادرة على التكيف مع تغيرات الطلب، ودمج المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، والحفاظ على الاعتمادية تحت أي ظروف. ومن خلال تعزيز قدرة محطات الغاز القابلة للتشغيل عند الطلب، وتوسيع نطاق تخزين الطاقة بالبطاريات، وتبني إدارة أكثر ذكاءً للشبكات، يمكن للدولة الحفاظ على موثوقية الطاقة على مدار الساعة مع التقدم بثبات نحو أهدافها منخفضة الكربون.
بقلم: نيكو كورنيلِس، المدير القطري لمنطقة مجلس التعاون الخليجي في شركة إنجي،