Home رأي فرصة استثنائية بقيمة 500 مليار دولار تنبثق من المحيطات: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترسم ملامح مستقبل الاقتصاد الأزرق

فرصة استثنائية بقيمة 500 مليار دولار تنبثق من المحيطات: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترسم ملامح مستقبل الاقتصاد الأزرق

by Hadeer Elhadary

تُبرهن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أن المحيطات باتت منبعاً لأعظم الابتكارات الاقتصادية. فاقتصاد المحيطات في المنطقة يقدم فرصة استثنائية تصل قيمتها إلى 300-500 مليار دولار بحلول 2030، لتشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي. نشهد هنا ما يفوق مجرد تغيير في المسار الاقتصادي؛ إنه تحول استراتيجي عميق تصوغ من خلاله الدول ملامح مستقبلها انطلاقاً من إيمان راسخ بأن الاستدامة والازدهار الاقتصادي وجهان لعملة واحدة.

تبرز المحيطات كأحد أعظم المحركات الاقتصادية على كوكبنا؛ فهي تمتد على 75% من سطح الأرض، وتحتوي على 97% من مياهها، وتحتضن 80% من التنوع البيولوجي، وتمد البشرية بنحو 15% من احتياجاتها من البروتين الغذائي. وفي ضوء هذا الثراء، يضخ الاقتصاد العالمي للمحيطات اليوم ما بين 3 و4 تريليونات دولار سنوياً (3-4% من الناتج العالمي)، ويوفر مصدر رزق لأكثر من 400 مليون إنسان.

تمتلك المنطقة، المعروفة تقليدياً بإنتاج النفط والغاز، سواحل تمتد على مسافة 20,000 كيلومتر تزخر بإمكانات هائلة لم تُستغل بعد. وقد شكّل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في الإمارات، ومؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) في السعودية، نقطة تحول في مسيرة العمل البيئي، ورفعت الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط إلى صدارة المناطق الرائدة في بناء مستقبل مستدام.

ومن هذا المنطلق، يحمل الزخم المتعاظم للاقتصاد الأزرق رسالة واضحة: الاستدامة تصنع قيمة اقتصادية وبيئية مستدامة. وبالرغم من التحديات الحقيقية، من معدلات التلوث البلاستيكي المرتفعة إلى التحديات المصاحبة للنمو العمراني السريع، تحمل هذه العقبات في طياتها فرصاً للابتكار. فحالات التآكل الساحلي الناتجة عن التوسع العمراني تفتح الباب أمام حلول مبتكرة قادرة على التحول إلى نماذج رائدة عالمياً.

وفي ظل ارتفاع حرارة المحيطات ومستوياتها، تحتاج الأنظمة البيئية البحرية إلى نهج إدارة مرن ومتطور، ما يولّد فرصاً استثنائية للابتكار التعاوني. وفي هذا السياق، تبرز منشآت إنتاج الهيدروجين ومحطات الطاقة الشمسية كدعامات حيوية في رحلة الابتكار الإقليمي. ومع تعميق التعاون بين دول المنطقة وتوحيد أطرها التنظيمية، تنفتح آفاق واعدة لتسريع المسيرة نحو قيادة ثورة الطاقة المتجددة عالمياً.

تعكس فرصة الـ 500 مليار دولار تحولاً جوهرياً تحركه رؤية استراتيجية ثاقبة، ويسير بخطى فعلية على أرض الواقع. تبرز السياحة كمحرك أساسي للنمو؛ فبمعدل نمو سنوي يبلغ 8%، يستطيع القطاع المساهمة بـ 200 إلى 300 مليار دولار بحلول نهاية العقد، عبر تطوير ساحلي متكامل يمزج الرفاهية بالاستدامة، ويصمم تجارب تخلق قيمة اقتصادية وترتقي بالأنظمة البيئية في آن واحد.

وبعيداً عن السياحة التقليدية، يصبح الثراء البيولوجي البحري منطلقاً للسياحة البيئية ومراكز الأبحاث البحرية وبرامج الحماية التي تدر إيرادات مستدامة وتصون النظم الإيكولوجية. وبالتوازي مع ذلك، تتوسع المنطقة استراتيجياً في مجال الطاقة المتجددة البحرية، مدركة أن التنويع خارج إطار الوقود الأحفوري يفتح آفاقاً اقتصادية واعدة. وبدلاً من التخلي عن مكانتها العريقة في قطاع الطاقة، تبتكر عبر مشاريع الرياح البحرية وتوسيع مرافق إنتاج الهيدروجين لتحقيق أهداف التحول المستدام. الخبرات التي رسخت ريادة المنطقة عالمياً تُستثمَر اليوم لاستغلال طاقة الرياح والأمواج، في نموذج يجمع بين العوائد الاقتصادية والقيمة البيئية.

تشير التوقعات إلى نمو إيرادات التقنيات المحيطية بنسبة 38% سنوياً، عبر قطاعات تمتد من معالجة النفايات البحرية إلى أنظمة احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS). وفي مقدمة هذه التقنيات، تظهر التقنية الحيوية البحرية كأفق واعد، إذ تتوسع المراكز البحثية المتخصصة عبر المنطقة. وتمنح الموارد الجينية في البيئات البحرية الثرية فرصاً لإنتاج عقاقير طبية جديدة ومواد مستدامة وحلول ابتكارية غير تقليدية.

لا يمكن تحقيق هذا التحول بخطوات سريعة ومعزولة، بل يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد وتعاون منسق يمتد أثره للأجيال القادمة. ويتطلب النجاح تعاوناً حقيقياً يعبر حدود القطاعات ويوحّد رؤى الجهات العامة والخاصة. فعلى المؤسسات المالية ابتكار أدوات تمويل جديدة تدعم الاقتصاد الأزرق، وعلى القطاع الخاص توسيع مشاريع التنمية الساحلية المسؤولة، وعلى المراكز البحثية تصميم أطر عمل مرنة، وعلى المجتمعات المحلية المشاركة بفعالية في رسم مستقبل سواحلها.

تحمل هذه الفرصة طموحاً أكبر من الأرقام: تحويل المنطقة إلى نموذج عالمي يقود رحلة الانتقال من اقتصاد يستنزف الموارد إلى اقتصاد تجديدي يُعيد إحياء ما يستخدمه. المحيطات التي شهدت أمجاد طرق التجارة القديمة وربطت بين الشعوب والحضارات، تستعيد اليوم دورها المحوري كركيزة للرخاء في القرن الحادي والعشرين. إنها شهادة حية على قدرة المنطقة على بناء ثروة مستدامة من خلال ابتكار يجمع بين التقدم الاقتصادي والمسؤولية البيئية.

بقلم إيفون تشو، مدير مفوض وشريك أول، شركة بوسطن كونسلتينج جروب

You may also like