في السنوات الأخيرة، تصاعدت الأزمات البيئة وتداعيات تغير المناخ بشكل غير مسبوق على المستوى العالمي والإقليمي، في الوقت نفسه تنذر الكثير من الدراسات العلمية وتقارير الأمم المتحدة بأن الوضع سيصبح أكثر سوء إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من هذه الأزمات، سواء بالتخفيف من المنبع، أو بالتكيف معها.
في الوقت نفسه، حدثت مؤخراً صحوة في الوعي البيئي والعمل المناخي على مستوى الأفراد والدول، وارتفع مستوى الاهتمام بالقضايا البيئية، كما زادت المطالبات بتوجيه المزيد من الاهتمام إلى قضية “التربية البيئية”، إذ تعلق الآمال على النشأ والشباب للمشاركة الفعالة في حل الأزمات البيئية .
في هذا السياق، أجرت منصة ESG Mena مقابلة مع رشا علي المدفعي، مدير إدارة التوعية البيئية بالإنابة في إدارة المعلومات والعلوم والتوعية البيئية لدى هيئة البيئة أبوظبي، حيث سلطت الضوء على أهمية التربية البيئية لتشجيع الاستدامة، وأبرز التحديات التي تعيق التوسع في التربية البيئية في المدارس والجامعات بالمنطقة.
–ما هي أهمية تشجيع التربية البيئية لتعزيز الاستدامة في منطقة الخليج؟
تلعب التربية البيئية دوراً محورياً في تشكيل جيل مستقبلي متمكن في مجال البيئة، ونتذكر دوماً أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، شجع ودعم زراعة 150 مليون شجرة، مما ساعد في مكافحة التصحر. وانطلاقاً من إرثه، تعمل التربية البيئية على تحقيق رؤيته المستدامة لدولة الإمارات على المدى الطويل من خلال تمكين الشباب ليصبحوا صناع تغيير في المستقبل يتمتعون بالوعي البيئي الحقيقي. أما خارج دولة الإمارات، فتعد منطقة الخليج موطناً لأكثر من 50 مليون نسمة، ولهذا فإن تنفيذ مشروع التربية البيئية على نطاق واسع سيمكننا من رعاية عدد كبير من العقول الشابة، وتزويدهم بالمعرفة والأدوات اللازمة للتصدي للتحديات البيئية بفعالية.
إذا لم نحافظ على أنظمتنا البيئية الطبيعية، فلن نساهم في مستقبل مستدام. على سبيل المثال، تقوم أشجار القرم لدينا بعزل كمية متزايدة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه في التربة المحيطة والمستنقعات المالحة. وعلى عكس الأشجار الأرضية، لا يتم إطلاق هذا الكربون مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، مما يقلل من الغازات الدفيئة، ويخفف من البصمة الكربونية لدولة الإمارات، ويعزز جهودنا لتحقيق الحياد المناخي. وهنا تساعد التربية البيئية في رفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على هذه النظم البيئية الطبيعية داخل الدولة وخارجها من أجل مواصلة تحقيق أهدافنا للتنمية المستدامة.
كما تعمل التربية البيئية في منطقة الخليج على تعليم الشباب مختلف الوسائل التي يمكنهم من خلالها رد الجميل للبيئة التي لطالما خدمت أسلافهم في الماضي. وسيسهم تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة منذ الصغر من خلال التربية البيئية في تمكين الشباب من اتخاذ قرارات صديقة للبيئة حول استهلاك الموارد والممارسات المستدامة لسنوات قادمة.
–ما هي التحديات أو العقبات التي تعيق التوسع في التربية البيئية في المدارس والجامعات بالمنطقة؟
ترتبط بعض التحديات أو العقبات التي قد تعيق التربية البيئة بنقص التدريب المهني المتخصص والمقدم للمعلمين في المدارس والجامعات. ولمواجهة تلك المشكلة، أطلقنا مبادرتي المدارس والجامعات المستدامة، وكلاهما يشمل الجانب الحاسم المتمثل في تزويد المعلمين والأساتذة وغيرهم من المعنيين بالعملية التعليمية بالتدريب المناسب في مجال التعليم البيئي. وتهدف تلك البرامج إلى تزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لدمج التربية البيئية ضمن المناهج الدراسية، وتضمن إقامة حوار بين المعلمين من مختلف الخلفيات والثقافات مستخدمين نفس اللغة حول الاستدامة، مما يعزز التعلم في جميع المجالات.
أما التحدي الآخر فهو عدم مشاركة الطلاب في هذا الجانب، إذ قد يجد الكثيرون صعوبة في فهم المصطلحات والعمليات المرتبطة بالتربية البيئية. وللمساعدة في مجابهة هذا التحدي، عملنا على دمج التعليم البيئي في مرحلة الطفولة المبكرة من خلال منصتنا للتعلم الإلكتروني الصديقة للبيئة، والتي تتضمن نقاشات مصممة خصيصاً للحوار حول التحديات البيئية الإقليمية، مما يوفر فهماً شاملاً للقضايا البيئية المحلية. تغطي الوحدات التفاعلية موضوعات تتراوح من النظم البيئية البحرية إلى التحضر المستدام، ويتم تنسيقها من قبل خبراء القطاع المختصين. وتعمل منصة “التعليم الإلكتروني الخضراء” في رعاية الأفراد المهتمين بالبيئة والقادرين على اتخاذ قرارات مستنيرة وتعزيز الأساليب التعليمية الصديقة للبيئة، مع تقليل استهلاك الموارد بما يتماشى مع جهود الاستدامة العالمية والتزام أبوظبي بالحفاظ على البيئة.
–ما هي العناصر والأبعاد المختلفة للتربية البيئية والتي تحتاج إلى الدعم من أجل تحقيق المخرجات المرجوة؟
من المؤكد أن هناك دائماً مجال للتحسين عندما يتعلق الأمر بتنفيذ برامج التربية البيئية ومن شأن التوسع في التعلم التجريبي أن يوفر للطلاب خبرة عملية تسمح لهم بملاحظة تأثيرهم في أنشطة متنوعة، مثل عمليات التنظيف والرحلات الميدانية واستكشاف الموائل الطبيعية بالإضافة إلى المراقبة. ونحن في هيئة البيئة – أبوظبي نسعى جاهدين لتوفير مثل هذه التجارب للشباب في دولة الإمارات. على سبيل المثال، يهدف برنامج المراقب البيئي للشباب إلى تعريف الشباب على البيئة والموائل الطبيعية في دولة الإمارات، مما يسمح لهم بمراقبة البيئة والحفاظ عليها وتنظيفها بشكل فعال، بالإضافة إلى الرحلات الميدانية البيئية من خلال مبادرتنا للمدارس المستدامة.
ومن العناصر الأخرى التي يمكنها دعم التربية البيئية بشكل أكبر، تطبيق القيم والمواقف الإيجابية تجاه البيئة في المناهج المدرسية. تقدر دولة الإمارات احترام البيئة والمسؤولية البيئية على المستوى الاجتماعي والحكومي من خلال قوانين مكافحة رمي النفايات والتلوث المعمول بها لحماية البيئة. ولا شك في إن غرس مثل هذه القيم لدى الطلاب، وخاصة في سن مبكرة، يمهد الطريق أمام إعداد سفراء المناخ في المستقبل.
كيف يمكن تحسين التعليم التعاوني والتشاركي بحيث يسهم في مواجهة التحديات البيئية؟–
كما يقول المثل الشهير، فإن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن نصنعه معاً. لقد أثبت الاتحاد والتعاون لمواجهة التحديات البيئية نجاحه، كما يتضح من استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً لمؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ “كوب28” والذي شهد اجتماع العديد من الدول معاً لإيجاد حلول لتغير المناخ.
وفيما يخص التعليم، فإن تطوير معلومات شاملة وحقيقية أمر ضروري. إذ يتيح تعزيز التعاون بين المعلمين والطلاب منظوراً متنوعاً بنماذج مختلفة، مما يخلق فهماً شاملاً للتحديات البيئية. ومن الممكن أيضاً تيسير ذلك من خلال التعاون العالمي بين الجامعات والمدارس مثل برامج التبادل الافتراضي والمشاريع البحثية المشتركة، والتي يمكن أن تدعم تجارب التعلم بين الثقافات وتعزز الاستدامة البيئية.
علاوةً على ذلك، فإن تشجيع الشراكات والتعلم من الأقران أمر فعال أيضاً في توعية الناس من أجل مستقبل مستدام. وعلى وجه الخصوص، يتيح تبادل المعرفة للطلاب تقديم الدعم والملاحظات القيمة، وتعزيز تجربة التعلم وخلق شعور بالمسؤولية الجماعية تجاه حماية البيئة.
–هل توفر المناهج الأكاديمية ما يكفي من المعلومات حول الأزمة الثلاثية التي تهدد كوكبنا؟
تتباين كفاءة المناهج الأكاديمية في معالجة الأزمة الثلاثية التي تهدد الكوكب بشكل كبير، وذلك اعتماداً على المؤسسة والمنطقة ومستوى التعليم.
ومن المؤكد أن هناك حاجة ملحة إلى معالجة الأزمة الثلاثية ــ والتي تتألف من تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتدهور البيئي ــ وهو ما يتطلب بذل جهود متضافرة لتعزيز المناهج التعليمية على جميع المستويات.
ورغم أن بعض البرامج التعليمية قد تغطي تلك القضايا الملحة بشكل جزئي، ما يزال هناك غياب للمناهج الشاملة، وهو ما يمثل فجوة كبيرة في جهودنا الجماعية لإعداد الأجيال الحالية والمستقبلية لمواجهة هذه التحديات بفعالية.
-كيف يمكن تسخير التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي من اجل تحسين التربية البيئية في منطقتنا؟
في ظل التطور التقني الهائل والتوسع الكبير في إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجتمعنا، يمكن الاستفادة من ذلك لتعزيز التربية البيئية بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيا لإشراك الطلاب وتوفير سهولة الوصول إلى برامج التعليم البيئي، وهنا يمكن الحديث عن تطبيقنا “الماراثون البيئي”، وهو عبارة عن منصة لتعزيز مهارات اللغوية البيئية عبر عدة مستويات دراسية لاصفية في المدرسة، ويمكن استخدامه على أي جهاز واستخدامه في المدارس في وقت واحد لرفع مستوى المعرفة الأساسية بالبيئة.
كما يمكن الاستفادة من التكنولوجيا في إضفاء طابع متخصص على التعليم، ومنح الطلاب شهادات تحمل أسماءهم عند استكمال البرامج، وتعزيز حوافز استكمال البرامج بالإضافة إلى تقديم محتوى مصمم بشكل خاص يقوم على تفضيلات الطلاب ونسبة المشاهدة. ومن الممكن كذلك استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لإنشاء تجارب تعليمية غنية يمكن تصميمها لتناسب اهتمامات الطلاب الفردية وأنماط التعلم. ومن خلال هذه التجارب، يمكن للطلاب استكشاف البيئات الافتراضية ورؤية تأثير إهمال البيئة بصرياً من خلال عمليات المحاكاة الافتراضية المختلفة.
كيف يمكننا البناء على مخرجات مؤتمر الأطراف “كوب28” والاستفادة منها لدعم التربية البيئية؟-
من أبرز مخرجات مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين اعتماد شراكة اليونسكو للتعليم الأخضر، وإعلان جدول الأعمال المشترك للتعليم وتغير المناخ، حيث تعهدت 38 دولة بدمج التعليم المناخي في خططها الوطنية للتكيّف مع أثار التغيير المناخي. ويهدف هذا الإعلان إلى تسريع التحول التعليمي ليستفيد منه أكثر من ملياري شخص، كما يتعهد بالاستثمار في بناء مدارس قادرة على التكيّف مع المناخ في البلدان المعرضة للخطر.
ومع بناء المدارس وتنفيذ التعليم المناخي، ينبغي وضع خطة شاملة للتربية البيئية لضمان دمجها السريع في المناهج الدراسية. إذ يمكن لهذه الخطط تقديم موضوعات تغير المناخ عبر مختلف المواد والمستويات الصفية، ليكتسب الطلاب فهماً عميقاً لعلوم المناخ وتأثيراته واستراتيجيات التخفيف والتكيّف. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضمان منح التدريب المناسب للمعلمين في هذه البرامج لضمان جودة تنفيذ التعليم البيئي.
وبالعودة إلى مؤتمر الأطراف (COP28)، فقد تم الكشف عن “خارطة طريق أبوظبي” خلال المؤتمر العالمي الثاني عشر للتربية البيئية مؤخراً، حيث يقدم الإطار توصيات عالمية لتعزيز التربية البيئية والتعليم من أجل التنمية المستدامة. كما تؤكد خارطة الطريق على الحاجة الملحة إلى تكثيف جهود التعليم البيئي والتعليم من أجل التنمية المستدامة، ودمجها في جداول الأعمال الوطنية والعالمية. كما يدعو إلى تسخير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية، وإعطاء الأولوية للأخلاق والقيم لتعزيز الرابط العاطفي مع الطبيعة في العملية التعليمية. وتحدد الخطة الإجراءات الرئيسية لمعالجة تغير المناخ، وإدارة النفايات، وفقدان التنوع البيولوجي، مع التركيز على التنفيذ العالمي وإظهار التزام دولة الإمارات بالتربية البيئية.
أجرت المقابلة: هدير الحضري، صحفية أولى ESG Mena Arabic