أعلنت وزارة المالية السعودية منذ عدة أيام عن إصدار إطار عمل التمويل المستدام، وذلك في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتزاماتها المناخية، ومن المتوقع أن يساهم هذا الإطار في تعزيز العمل المناخي والتنمية المستدامة في المملكة.
ويتضمن هذا الإطار العديد من الإجرءات التي ترسم مستقبل العمل المناخي في المملكة، بالنظر إلى العوامل المادية والاقتصادية والاجتماعية باعتبارها المحددات الرئيسية التي تقيس حجم تعرض كل دولة لآثار تغير المناخ.
وقال التقرير المنشور حول الإطار، إن المملكة العربية السعودية تعاني من كونها دولة قاحلة ذات مناخ قاسي وأنظمة بيئية حساسة، وتتأثر بشكل خاص بتغير المناخ، خاصة أن حوالي 76% من مساحتها هي أراضٍ غير صالحة للزراعة، كما تعاني من نقص المياه، وهو ما يتسبب في آثار كبيرة على قطاعات الزراعة والصناعة.
وقال التقرير إن إنتاج النفط ومعالجته وتصديره يعد من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن الاعتماد على الموارد المحدودة يهدد قدرتها على الحفاظ على مستوى عال من النمو يتوافق مع زيادة التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل، ومنا هنا فإن هناك حاجة إلى التنويع الاقتصادي لضمان استقرار واستدامة اقتصاد المملكة مع الحفاظ على دور المملكة الرائد في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية.
ووفقاً للإطار المنشور، اتخذت المملكة في مجموعة شاملة وطموحة من التدابير لتحقيق طموحاتهامن بينها اتفاق التعاون البيئي الذي أقره قادة مجموعة العشرين لمنع الانبعاثات، واستخدام تقنيات إعادة التدوير.
تدابير للتخفيف من الانبعاثات الكربونية في المملكة
وقال الإطار إن المملكة اتخذت عدة تدابير للتخفيف من الانبعاثات الكربونية، وعلى رأسها “تعزيز كفاءة الطاقة”، حيث يدير المركز السعودي لكفاءة الطاقة برنامجًا لكفاءة الطاقة يستهدف ثلاثة قطاعات رئيسية تمثل 90% من الطلب الوطني على الطاقة، وهي الصناعة والمباني والنقل البري، وتعد مبادرات مثل تحسين كفاءة النقل، وتوفير الطاقة في الاستخدام السكني، وتحسين الكفاءة الحرارية لتوليد الطاقة ونقلها وتوزيعها، مكونات رئيسية لهذا البرنامج.
في الوقت نفسه، تبنت المملكة اتجاها لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة، إذ وضعت هدفًا طموحًا لزيادة الطاقة المتجددة إلى حوالي 50٪ من مزيج الطاقة بحلول عام 2030
إضافة إلى ذلك، قال الإطار إنه سيتم إجراء الأبحاث لتطوير تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق واسع، كما تعمل المملكة على تطوير استراتيجية وطنية للهيدروجين لتصبح رائدة عالميًا في صناعة الهيدروجين، مستغلة لموارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عالية الإنتاجية.
ووفقاً للإطار، تتمتع المملكة أيضاً بإمكانية تصبح رائدة عالميًا في مجال الهيدروجين الأزرق نظراً لوفرة الموارد الطبيعية، والقدرة على تخزين الكربون تحت الأرض، والخبرة في مجال تكنولوجيا احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وبداية من عام 2023، تم إطلاق ثمانية مشاريع تجريبية أو مركبات تعتمد على وقود الهيدروجين.
تدابير التكيف مع تغير المناخ
وتتضمن استراتيجة المملكة عدة إجراءات أخرى لزيادة المرونة المناخية ودعم التكيف مع تغير المناخ، مثل التخطيط المتكامل لإدارة المناطق الساحلية، وزيادة أنظمة الإنذار المبكر، والتخطيط المتكامل لإدارة المياه والبنية التحتية والمدن، إضافة إلى خطة التشجير الطموحة للمملكة التي تهدف إلى زراعة 10 مليار شجرة من خلال مبادرة السعودية الخضراء، و40
مليار شجرة إضافية في جميع أنحاء الشرق الأوسط من خلال مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، مع تعزيز نهج الاقتصاد الدائري ، وتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة.
وقال الإطار إن المملكة العربية السعودية تواصل حماية البيئة البحرية والمحيطات والحد من مصادر التلوث البحري، بتنفيذ استراتيجيات إدارة السواحل للحد من تآكل السواحل، وزيادة مصارف الكربون الأزرق، والحفاظ على النظم البيئية ذات الصلة، ومعالجة التهديدات التي يشكلها تغير المناخ على سبل العيش البحرية.
إجراءات للتصدي للتصحر
وفقاً للإطار، تعاني المنطقة من التصحر الذي يتسارع بسبب تغير المناخ، وتتخذ المملكة إجراءات لتعزيز إدارة التصحر، مثل تعزيز استقرار حركة الرمال حول المدن والطرق مع زيادة قدرة المصارف من خلال استخدام الأحزمة الخضراء كحواجز، وتطوير وتعزيز المناطق الريفية القاحلة وشبه القاحلة من خلال أنشطة الحفاظ على الموارد الطبيعية.
في الوقت نفسه، تهدف المملكة أيضًا إلى رفع نسبة المحميات إلى أكثر من 20% بحلول عام 2030 وإلى أكثر من 30% من إجمالي مساحة أراضيها خلال العقود القادمة، وهو ما يمثل حوالي 600 ألف كيلومتر مربع.
ومن خلال رؤيتها 2030، أطلقت المملكة بالفعل مجموعة شاملة من الإصلاحات، ففي أكتوبر 2021، أعلنت المملكة عن هدفها للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060 ، تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وتجنبها وإزالتها بمقدار 278 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2030كما أن لديها برنامجًا مبتكرًا لاقتصاد الكربون الدائري، وهي عضو في المبادرات الدولية الكبرى مثل المبادرة العالمية لغاز الميثان، ومهمة الابتكار، والاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة، ومنتدى المنتجين الصفريين، وتشمل هذه المبادرات جميع قطاعات الاقتصاد.
ما الذي ترتكز عليه رؤية المملكة 2030؟
ترتكز رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على عناصر مهمة، هي رسم مسار للتنويع الاقتصادي وضمان الوصول المستدام إلى الموارد الطبيعية، و تعزيز الإنتاجية وزيادة مساهمة القطاع الخاص، و تحقيق الاستدامة البيئية من خلال حماية الموارد الطبيعية.
وتطمح المملكة إلى الاستثمار المباشر في الأدوات اللازمة لتنويع الاقتصاد، مثل تنمية المهارات، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتكافؤ الفرص في التوظيف، إذ يعد يعد تطوير سوق كبير للطاقة المتجددة هدفًا رئيسيًا لركيزة الاقتصاد المزدهر
في الوقت نفسه، تتطلع المملكة إلى تحقيق رفاهية المجتمع و زيادة متوسط العمر المتوقع إلى 80 عاماً، ودعم الابتكارات والتعليم، وزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملط، مع زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 30%، وزيادة الاستثمارات الخضراء بنسبة 40%.
ووفقاً للإطار، تتطلع المملكة إلى زيادة أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى أكثر من 7 تريليون ريال.
التمويل الأخضر في المملكة
وقال الإطار إن اتفاق باريس إلى تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، في سياق التنمية المستدامة والجهود الرامية إلى القضاء على الفقر، ويحدد الاتفاق أن إحدى الركائز الثلاث الرئيسية لبلوغ هذا الهدف تتمثل في جعل التدفقات المالية متسقة مع مسار يؤدي إلى انخفاض انبعاثات غازات الدفيئة والتنمية القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وهذا الهدف أساسي في توجيه المبادئ الخضراء للتمويل العالمي.
وقال الإطار: “ستحتاج المملكة إلى كميات كبيرة من الاستثمارات، القادمة من القطاعين العام والخاص، لتمويل التزاماتها المناخية، وتهدف وزارة المالية إلى تنسيق هذه الاستثمارات ويتولى “المركز الوطني لإدارة الدين” تأمين التمويل للحكومة،و مسؤولية التواصل بشأن هذه الاستثمارات مع المستثمرين ذوي الدخل الثابت من خلال إطار التمويل الأخضر، وبهذا تهدف المملكة إلى المزيد من المبادرات العامة والخاصة تجاه التمويل المناخي والبيئي.
كتبت- هدير الحضري، صحفية أولى في ESG Mena Araic