تهتم دولة الإمارات بتعزيز مشاركة المرأة في المجالات المختلفة، ومنها المجال الاقتصادي، في الوقت نفسه لا تزال هناك العديد من التحديات الاجتماعية والثقافية التي تحتاج إلى التعامل معها لتعزيز هذه المشاركة.
وفي هذا السياق، أجرت “ESG MENA” مع ناينا سوبروال باترا، الرئيس التنفيذي للشبكة الآسيوية للأعمال الإنسانية، حيث تسلط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية والاستثمار، كما تتحدث عن مساهمة مواضيع المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية بشكل عام في تقديم رؤى عميقة حول أنظمة استثمارية تركز على العائد الاجتماعي المتمثل في تعزيز التوازن بين الجنسين.
1. تعكس نتائج دراسة حديثة أن أكثر من نصف النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتبرن أن ثقافتهن الاستثمارية ضعيفة جداً. برأيكِ، ما هي أهم الأسباب، وما هو تأثير ذلك على المشاركة الاقتصادية للمرأة؟
لا تزال هناك تحديات اجتماعية وثقافية تعترض سبيل تعزيز قدرات المرأة وإمكاناتها لدخول عالم الاقتصاد والاستثمار. وهنا يبرز كل من التعليم المبكر والثقافة المالية كعاملين أساسيين في استمرارية مشاركة المرأة الاقتصادية على المدى الطويل، وتزداد أهميتهما بشكل كبير عند إدارة المرأة لشركة عائلية.
ويعتبر مستوى مشاركة المرأة الاقتصادية وثقافتها المالية في دولة الإمارات الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع ذلك هناك فرصاً كثيرة يمكن من خلالها زيادة وعي المرأة بالثقافة الاستثمارية، وكذلك اتخاذ سياسات ولوائح تنظيمية تأخذ في الاعتبار احتياجات وتطلعات المرأة وتعمل على تحقيقها. وينبغي زيادة ثقافة المعرفة والوعي بأهمية الاستثمار والحد من هذه الفجوة المعرفية لتحفيز النساء في غرب آسيا على المشاركة بشكل أكبر وأكثر فعالية في قطاع الاستثمار.
2. في ضوء زيادة ثراء النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من وجهة نظرك، ما هي المتطلبات التي ينبغي القيام بها لتعزيز الوعي المعرفي والاستثماري لدى المرأة وتمكينها من اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة تعزيز من نجاحها وزيادة ثروتها؟
لدينا تصور عام عن أسباب ضعف تمكين المرأة اقتصادياً في المنطقة، والتي يمكن التغلب عليها بتنظيم برامج وورش عمل تثقيفية تغطي مواضيع متنوعة مثل الممارسات المستدامة، والتقنيات الخضراء، والفرص المتاحة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم، واللذين يعتبران جزءاً مهماً من قطاع الرعاية الذي يركز على توفير الخدمات للأفراد لتحسين جودة حياة المجتمع وتطوره. وهناك حاجة ملحّة لتطوير بنية تحتية قوية تعزز وسائل التواصل والنقاش بين النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، وتمكنهنّ من التعاون مع بعضهن ومناقشة مواضيع مهمة مثل التمويل والاستثمار وريادة الأعمال. ونسعى في الشبكة الآسيوية للأعمال الإنسانية (AVPN) إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتحسين وسائل التواصل بين النساء في جميع مناطق آسيا والمحيط الهادئ من خلال تبادل المعرفة بينهن وتمكينهن ودعمهن لتعزيز قدراتهن.
وبحسب تقرير “الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2023” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، جاءت دولة الإمارات في المرتبة الثانية على صعيد أكثر الدول مساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسلط التقرير الضوء على زيادة بنسبة 20٪ في أعداد المستثمرات في الدولة. ونحن نرى أن دولة الإمارات أثبتت أنه من خلال العمل مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وشركات القطاع الخاص، يمكن تطوير سياسات شاملة واستراتيجيات عمل وبرامج تمويل تسهم في تمكين المرأة في عملية الانتقال نحو مجتمع أكثر تطوراً اجتماعياً واقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
3. يسلط موضوع المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية الضوء على تعزيز دور المرأة في القطاع الاقتصادي. هل لكِ أن تضعينا في صورة الخطوات والسياسات التي اتخذتموها في المؤتمر لتعزيز هذا النهج، وما هي التحديات التي ينبغي التغلب عليها؟
بحكم أن منطقة آسيا كبيرة بحجمها ومتنوعة بأعراقها، لذا، فإن المساواة بين الجنسين تختلف بسبب عدة عوامل تتعلق بالتركيبة السكانية والمستوى الاقتصادي والاجتماعي وغيرها الكثير. ومع ذلك، في حالات عديدة، تكون التحديات أو العقبات التي تواجه مسيرة تمكين المرأة وتعزيز دورها في آسيا سببها السياسات والأعراف المنتشرة في المجتمع. لذا، تتزايد الحاجة لتعزيز التشريعات الحكومية وخلق بيئة مشجّعة للاستثمارات تدعم المساواة بين الجنسين وتمنح الأولوية للاستثمار الاجتماعي الذي يعزز مكانة الفتيات والنساء وفرصهن للنجاح والتطور.
كما كشفت أحدث الأبحاث الصادرة عن المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية AVPN Global Conference، بعنوان “تضمين الفروقات بين الجنسين في المنظومة التنظيمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”، أن العديد من البلدان حققت تقدماً في تفعيل السياسات التي تهدف لتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز مشاركة المرأة في المجتمع. ومع ذلك، فإن القيم الاجتماعية والثقافية قد تحد من فعالية تلك السياسات وتقليل الفجوة الحالية.
إن تطوير معايير وأدوات تقييم واضحة وموحدة هو أمر مهم جداً لنتمكن من تتبع وتقييم تأثير الاستثمارات الاجتماعية. وهنا يؤدي التعاون بين المستثمرين، الذين تحظى مشاريعهم بتأثير اجتماعي إيجابي في المجتمع، دوراً حيوياً في الاستفادة من المهارات والخبرات المتنوعة لتوسيع دائرة التأثير لتلك الاستثمارات.
4. تبحث أجندة المؤتمر في مجال إمكانات “الاقتصاد الأخضر واقتصاد الرعاية”. كيف يمكن لهذه الاقتصادات أن تسهم في تمكين المرأة والتنمية المستدامة؟
يتطلب تعزيز الاستدامة والرفاهية الاجتماعية منّا تطوير أنظمة تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع. وقد سلّط مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دولة الإمارات العام الماضي الضوء على أهمية الانتقال الشامل والعادل لدعم التمكين الاقتصادي للمرأة في قطاع الاقتصاد الأخضر.
وبلا شك، ستساهم مشاركة المرأة في الاقتصاد الأخضر واقتصاد الرعاية في تمكينها على صعيد الاستقلال المالي، وتنمية المهارات، وتطوير قدراتها القيادية. كما شهدت منطقة غرب آسيا عدداً متزايداً من المبادرات الحكومية والخاصة الهادفة إلى تعزيز الاستدامة، وتمكين رائدات الأعمال، ومواجهة عدم المساواة بين الجنسين في التعليم والتدريب والاستثمار في القطاعات الخضراء.
5. تركز الشبكة الآسيوية للأعمال الإنسانية (AVPN) على مفهوم “استمرارية رأس المال”. هل لكِ أن تحدثينا أكثر عن دور هذا المفهوم في التصدي لعدم المساواة بين الجنسين وتعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية؟
يشير هذا المفهوم إلى مجموعة من الأدوات المالية والاستثمارات التي يمكن استخدامها لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية، وتعزيز حقوق المرأة بما يساهم في بناء مجتمعات أكثر تقدماً. ويمكن استخدام رأس المال بأساليب متنوعة، مثل المنح، وتمويل الديون، والاستثمار في الأسهم، والتمويل المختلط، لدعم المبادرات التي تركز على التمكين الاقتصادي للمرأة.
وللتوضيح أكثر، سأذكر مثالاً وهو أنه يمكن للمنح تمويل برامج بناء القدرات والتدريب على المهارات، في حين يمكن للتمويل بمبالغ مالية قليلة أن توفر فرصاً للشركات التي تديرها المرأة من التوسع والتطور.
6. كيف سيعزز المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية AVPN Global Conference 2024 التعاون بين مختلف المشاركين لدعم الاستثمار الاجتماعي الذي يعزز دور المرأة اقتصادياً؟
ستستضيف الدورة الحادية عشرة من المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية والتي ستعقد في أبوظبي، جميع الجهات المعنية، ومن ضمنها المستثمرون المساهمون في تعزيز دور المرأة اقتصادياً واجتماعياً، والجهات الخيرية، والشركات، وصنّاع القرار، والباحثين، ورجال الأعمال، والمؤسسات المؤثرة.
ويعتبر تمكين المرأة اقتصادياً أحد أهم المواضيع المطروحة في أجندة المؤتمر. وسيتطرق جدول الأعمال إلى العقبات التي تعيق تمكين المرأة وكيف يمكن تحقيق تقدم من خلال توجيه الاستثمارات التي تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشمل الجلسات “تعزيز الدور القيادي للمرأة في الاستثمار المؤثر” و”توسيع نطاق الوصول العادل إلى الأسواق وسلاسل التوريد لرائدات الأعمال”.
وفي السنوات الأخيرة، أثمرت جهود دولة الإمارات في تحقيق تقدم كبير على صعيد استدامة القطاع المالي. ويضمن هذا التقدم زيادة مشاركة المرأة من خلال المبادرات والسياسات الحكومية الجديدة، مثل إلزام الشركات المدرجة في البورصة بأن تضم مجالس إدارتها امرأة واحدة على الأقل. إن استضافة المؤتمر هذا العام في دولة الإمارات يدعم أهداف الجلسات ومناقشاتها ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة على المساواة بين الجنسين. هدفنا هو تطوير منظومة عمل توفر الفرص لرائدات الأعمال، وتدعمهن برأس المال، لكي يكنّ قادرات على تعزيز النمو والازدهار وتحقيق التأثير الاجتماعي الإيجابي.
7. سيتناول المؤتمر مواضيع تركز على منطقة آسيا بشكل عام. كيف ستساهم تلك المواضيع في تقديم رؤى عميقة على أنظمة استثمارية تركز على العائد الاجتماعي المتمثل في تعزيز التوازن بين الجنسين؟
من المقرر انعقاد المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية من 23 إلى 25 أبريل 2024 تحت شعار “آسيا واحدة، مستقبل واحد”، والذي سيجمع قادة الاستثمار الاجتماعي من جميع أنحاء العالم للتواصل وتبادل المعرفة لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية الأكثر إلحاحاً في آسيا. وتعد المنطقة موطناً لبعض أسرع الاقتصادات نمواً وتساهم بشكل كبير في النمو العالمي.
سيكون مؤتمر هذا العام الأكثر شمولية مقارنة بدوراته السابقة، حيث يسعى إلى إحداث تأثير إيجابي داخل دول مجلس التعاون الخليجي وجميع المناطق الواقعة شرقاً حتى أستراليا ونيوزيلندا. وندرك، من خلال جلسات الحوار، أهمية الاستفادة من الشراكات المتنوعة، والصناديق التي تلتزم بتعزيز المبادئ الاجتماعية، وتبادل المعرفة لمواجهة التحديات الكبيرة في مجالات الصحة، والتعافي من الكوارث، وتمكين المرأة، والتعليم، والمناخ، وزيادة الاستثمارات في المبادرات المؤثرة في الاقتصاد الأخضر واقتصاد الرعاية.