Home » الهجرة المناخية في شمال إفريقيا: البحث عن ملاذ لمواجهة تغير المناخ

الهجرة المناخية في شمال إفريقيا: البحث عن ملاذ لمواجهة تغير المناخ

by Elhadary

يُعد تغير المناخ أحد أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه العالم اليوم، وآثاره على حركة السكان أصبحت واضحة.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُهدد ندرة المياه والجفاف المتزايد وارتفاع مستوى سطح البحر سبل العيش والمجتمعات، مما يدفع العديد من الناس إلى الهجرة.

في هذا السياق، أجرت ESG Mena Arabic مقابلة مع السيد ألكسيس ماكلين، مسؤول الأبحاث في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، لتلسليط الضوء على قضية الهجرة المناخية في المنطقة، والحديث عن نتائج دراسة حديثة أجراها المركز، وبرنامج “يوروميد للهجرة” بتمويل من الاتحاد الأوروبي في عام 2023، حول الهجرة المناخية في مصر وتونس والمغرب، والتي تكشف عن تعقيدات هذه الظاهرة وتأثيرها المتزايد على المنطقة.

وإلى نص المقابلة:

هل من السهل ربط هجرة السكان في شمال إفريقيا  بتغير المناخ؟

لا تُعزى قرارات الهجرة في كثير من الأحيان إلى تغير المناخ في حد ذاته، لأن الآثار المرتبطة بالمناخ غالبا ما تظهر بشكل غير مباشر في الصعوبات الاقتصادية – التي تتفاقم بسبب العوامل البيئية – مثل فقدان الدخل وتغير الظروف المعيشية تدريجيا، والتي تؤثر بعد ذلك على قرارات الهجرة الفعلية.

 وهذا ينطبق على المنطقة محل الدراسة أيضًا (مصر وتونس والمغرب)، حيث يؤثر تغير المناخ تدريجيا على النظم البيئية، مما قد يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة وتفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية القائمة بمرور الوقت. 

ومما يزيد من هذه التعقيدات حقيقة أن هذه التطورات يمكن أن تؤدي في الواقع أيضًا إلى عدم القدرة على الحركة بدلاً من الهجرة؛ وأن السكان قد لا يكونون راغبين أو قادرين على التحرك، لذا فإن مصير السكان “المحاصرين” مثير للقلق بشكل خاص نظرا لمحدودية ظهورهم في الروايات الوطنية والدولية المتعلقة بتغير المناخ، كما أن تسليط الضوء على هذه المجموعات ونقاط ضعفها الخاصة أمر مهم لبناء استجابات مناخية عادلة.

أيضاً اتخذت الدراسة منظوراً أوسع لبحث السيناريوهات التي تربط بين تغير المناخ وقرارات الهجرة؛ وواستهدفت فهم العلاقة المعقدة بين تغير المناخ والهجرة كتحدي في حد ذاته: فبينما تكون التحركات الفورية الناجمة عن أحداث مناخية محددة مثل العواصف والفيضانات واضحة، فإن الآثار الطويلة الأجل للتغيرات المناخية التدريجية أقل وضوحا.

هل كانت هناك صعوبات في الربط بين تغير المناخ وحركات الهجرة الداخلية والخارجية في البلدان الثلاثة؟

 لا يزال فهم كيفية تأثير الضغوطات المناخية والبيئية على نتائج الهجرة ليس مكتملاً، .لأن تمييز الهجرة المدفوعة بالمناخ في المنطقة أمر معقد إلى حد ما، لا توجد سوى بيانات محدودة للغاية متاحة لنسب قرار الهجرة بوضوح إلى تغير المناخ. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الطبيعة التدريجية لآثار تغير المناخ في المنطقة والتي تتغلغل في النظم البيئية مع مرور الوقت، كما تؤثر عوامل مثل الفرص الاقتصادية، وقضايا الحكم، والحصول على التعليم بشكل كبير على عمليات صنع القرار المتعلقة بالهجرة، وقد تكون مرتبطة بشكل غير مباشر فقط بالتغيرات البيئية، اعتمادًا على ظروف الناس والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

وتنشأ تطلعات الهجرة بشكل رئيسي من الافتقار الملحوظ إلى الفرص، ومن الملاحظات المثيرة للاهتمام أن الأشخاص المتضررين لا يربطون دائمًا هذا التدهور بتغير المناخ، وبدلاً من ذلك، قد يركزون ويوجهون اللوم إلى مظاهر أكثر وضوحًا وملموسة ، على سبيل المثال، جودة التربة.

 في الوقت نفسه، تكتسب الفكرة القائلة بأن الإدراك العام للظروف المناخية يلعب دورا حاسما في تطلعات التنقل وفي قرارات الهجرة تزايدا.

-هل أجريت مقابلات مع النازحين؟ كيف حصلت على النتائج؟

تضمنت الدراسة آراء الخبراء من الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والمؤسسات العامة والمنظمات الدولية في هذه البلدان.

-بشكل عام، كيف أدى تغير المناخ إلى تعزيز هجرة المزارعين  في مصر وتونس والمغرب؟

في البلدان الثلاثة التي شملتها الدراسة، تدور العلاقة بين المناخ والتنقل في المقام الأول حول ندرة المياه المتزايدة، والتي تؤثر بشكل غير متناسب على المزارعين والمجتمعات الريفية التي تعتمد على المياه.

في مصر، يشمل ذلك ندرة المياه الشديدة التي تفاقمت بسبب انخفاض تدفق الأنهار من نهر النيل؛ وتدهور الظروف الزراعية في المناطق الريفية، وقد حفزت هذه التحديات اتجاهات كبيرة للهجرة الداخلية مما أدى إلى تسريع عمليات التحضر الجارية.

 بالإضافة إلى ذلك، يؤثر ارتفاع منسوب مياه البحر بشكل ملحوظ على المناطق الساحلية مثل دلتا النيل، حيث تشير التوقعات إلى أن نصف مناطقها الساحلية يمكن أن تتأثر بحلول عام 2100، مما قد يؤدي إلى تحولات ديموغرافية كبيرة.

 فيالوقت نسه، تؤثر ندرة المياه على جميع شرائح المجتمع، فإن أشد آثارها يشعر بها المزارعون والنساء والشباب الذين يتحملون وطأة هذه التطورات، وخلافا للمدن، لا تقدم الأماكن الريفية فرص العمل أو التعليم خارج المزرعة، بالإضافة إلى ذلك، عادة ما تكون هذه المساحات مهمشة هيكليا ومعزولة عن التدفقات الاقتصادية والاستثمارية وغالبا ما يتم إهمالها في التخطيط التنموي، ومن ثم يُنظر إلى الهجرة باعتبارها أحد البدائل القليلة للغاية للحفاظ على مصدر للدخل.

وهناك اعتراف عام متزايد بأن الظروف المناخية تؤثر بشكل كبير على تطلعات التنقل وقراراته، مدفوعًا جزئيًا بالتقارير البارزة عن حالات الجفاف في المناطق الريفية التي تسلط الضوء على مدى ضعف الزراعة وسبل العيش الريفية أمام تأثيرات المناخ.

وعلى سبيل المثال، أثر فشل محصول المانجو عام 2021 في الإسماعيلية (مصر) بشكل مباشر على قرار العديد من المزارعين الشباب الذين قرروا الانتقال إلى المناطق الحضرية لتعويض الخسائر الكبيرة، وقد سلط هذا الضوء على الآثار العملية المترتبة على التنقل للمخاطر المناخية غير المتوقعة.

في ضوء ذلك، وبغض النظر عن النزوح الناجم عن الكوارث، يرتبط التنقل المناخي كظاهرة حديثة ارتباطًا وثيقًا بالزراعة ورفاهية المجتمعات الزراعية، وفي الوقت نفسه، فإن عدم القدرة على الحركة يحمل نفس القدر من الأهمية، إذ  يعد الارتباط بالأرض والثقافة والمجتمع بأبعاده العاطفية عاملاً مهملاً ولكنه حاسما في قرارات الناس بالتحرك أو عدمه. 

وترتبط الأرض ارتباطًا وثيقًا بمعايير المزارعين وشعورهم بالهوية، وفي كثير من الأحيان، تفسر روابط الأسلاف أو الروابط عبر الأجيال السبب وراء إحجام المزارعين عن التخلي عن أراضيهم، على الرغم من الإشارات التي تشير إلى انخفاض القيمة التجارية أو المخاطر المناخية الحتمية، ويمثل هذا الجمود تحديات كبيرة في المنطقة وسط واقع مناخي متغير.

و مع اشتداد الضغوط البيئية، يواجه سكان الريف، بما في ذلك شريحة كبيرة من الشباب، صعوبة في الحصول على موارد محدودة للتعامل مع آثار تغير المناخ ولا يستطيعون تحمل تكاليف الري أو التكنولوجيا أو الأسمدة الأفضل التي من شأنها الحفاظ على غلات الزراعة، لذا فإن قدرة واستعداد الأشخاص الضعفاء على التحرك، حتى داخليًا، يخضع لاعتبارات مختلفة ومتضاربة أحيانًا.

الأهم من ذلك، أن وجود حواجز رسمية وغير رسمية أمام التنقل في سياق تغير المناخ يشير إلى أن العلاقة بين المناخ والتنقل أكثر دقة بكثير مما هو مذكور بشكل عام، ومع ذلك، يتفق أصحاب المصلحة على أن عدم القدرة على الحركة الداخلية والدولية،  يمثل خطرا جسيما في المنطقة، خاصة مع اشتداد تأثيرات تغير المناخ التي أصبحت أكثر وضوحا.

وفي جوهر الأمر، تعكس الهجرة الناجمة عن المناخ في مصر ظاهرة حديثة تتشابك بشكل عميق مع الزراعة ورفاهية المجتمع، ومع استمرار تغير المناخ في إعادة تشكيل المناظر الطبيعية والاقتصادات وسبل العيش، يصبح من الضروري معالجة هذه التحديات من أجل التنمية المستدامة والتخطيط المستقبلي.

هل هناك حلول مقترحة لتقليل معدلات الهجرة المناخية؟ 

 يؤكد الخبراء على أهمية بناء استراتيجيات التكيف من خلال الحلول التي تستهدف تمكين المزارعين والصيادين وغيرهم من المجموعات المهنية،  وهذا يتطلب إجراء مشاورات وعمليات صنع قرار شاملة وتشاركية، ويجب على المؤسسات دمج هذه المجتمعات بشكل أفضل لتطوير حلول مصممة خصيصًا لسياقاتها المحددة.

وتسفر جهود الدعوة بين أصحاب المصلحة بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه عن نتائج إيجابية، مع زيادة الوعي والفهم لتأثيرات تغير المناخ على سبل العيش في جميع أنحاء المنطقة والتركيبة السكانية.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، وفي البلدان الثلاثة، غالباً ما يُنظر إلى القضايا البيئية وتغير المناخ بمعزل عن بعضها البعض، وهذا يعوق اتباع نهج فعال وشامل لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الإجهاد البيئي.

وتقترح الدراسة زيادة الوعي بالتعاون مع السكان المعنيين، وينطوي ذلك على دمج اهتماماتهم الرئيسية وواقعهم الاجتماعي، مع التركيز بشكل خاص على الفئات المهمشة وذات الدخل المنخفض، بالإضافة إلى ذلك، ينصح بتعزيز هذه الجهود من خلال تحسين جمع البيانات، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية الشاملة في المناطق المعرضة للخطر، من أجل فهم أفضل للآثار المترابطة لتغير المناخ على سبل العيش و التنقل.

ومن المهم  حث صانعي السياسات على توعية الإدارات المعنية المسؤولة عن البنية التحتية، والزراعة والتنمية الريفية والبناء الاجتماعي بآثار تغير المناخ على الهجرة والتنقل، وخاصة في المجتمعات الريفية والضعيفة.

أخيرًا، تؤكد الدراسة على أهمية بناء استراتيجيات شاملة للمرونة مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المحددة للمناطق والتركيبة السكانية الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، مع التركيز على تدابير التكيف لتحقيق قدر أكبر من الاستدامة.

You may also like

info@esgmena.com  

 © 2024 ESG Mena