بدأت الدورة السادسة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي والمعروف باسم COP16 ، في مدينة كالي في كولومبيا يوم الإثنين الماضي، وهو حدث يضم خبراء حكوميون وناشطون بيئيون وجماعات من الشعوب الأصلية، وذلك بالتزامن مع تصاعد الأزمة الثلاثية التي تهدّد الكوكب، والمتمثلة في تدهور التنوع البيولوجي وتغير المناخ والتلوث.
وينعقد مؤتمر التنوع البيولوجي كل عامين، وهذا العام يستمر في الفترة ما بين 21 أكتوبر وحتى 1 نوفمبر تحت شعار “السلام مع الطبيعة2024، ويستهدف جمع الدول المشاركة في اتفاقية التنوع البيولوجي التي تم اعتمادها في قمة الأرض في ريودي جانيرو عام 1992، لمناقشة التحديات المتعلقة بالتنوع البيولوجي، ومشاركة التقدم الذي حققته كل دولة فيما يتعلّق بهذا المجال.
وفقاً للأمم المتحدة، يتعرض التنوع البيولوجي في الأرض إلى تدهور كبير، إذ أن هناك ما يصل إلى مليون نوع مهدد بالانقراض، وإذا استمر العالم على نفس النهج من حيث زيادة التلوث، وزيادة الانبعاثات الكربونية المسببة لتغير المناخ، فإن الكثير من هذه الأنواع سوف تختفي تماما خلال عقود، وإضافة إلى ذلك، تلاحق التهديدات الأنظمة البيئية بأكملها ايضاً، فعلى سبيل المثال، اختفى حتى الآن حوالي 85 في المائة من الأراضي الرطبة، مثل المستنقعات المالحة ومستنقعات المانجروف التي تمتص كميات كبيرة من الكربون.
ومن بين أسباب عديدة ساهمت في تفاقم أزمة التنوع البيولوجي، ترى الأمم المتحدة أن النشاط البشري هو المسؤول الرئيسي، حيث يضغط البشر على الأرض لإنتاج الغذاء مما ساهم في فقدان العديد من الأراضي، وتدهور الموائل الطبيعية التي هددت بدورها ملايين الكائنات الحية، ومن ناحية أخرى، تسببت أنشطة الإنسان في تفاقم تغير المناخ الذي ساهم بدوره في هذا التدهور، حيث هددت درجات الحرارة القياسية الحيوانات والنباتات، أو دفعتها للتحرك إلى مناطق أخرى، وصنعت خلل كامل في النظام البيئي
وفي ظل هذه التهديدات المتزايدة، ينعقد مؤتمر COP16 كأول مؤتمر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي بعد عامين تقريباً من اعتماد إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في ديسمبر 2022 في مونتريال في كندا، والذي وقعته الدول بهدف وقف اتجاه فقدان الطبيعة، كما وضع الإطار أربعة أهداف يجب أن تسعى الدول إلى تحقيقها بحلول عام 2050 وهي، سد فجوة تمويل التنوع البيولوجي والتي تقدر قيمتها بنحو 700 مليار دولار أمريكي، وتعزيز النظام الإيكولوجي وصحة الأنواع، بما في ذلك وقف انقراض الأنواع التي يسببها الإنسان، والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، والتقاسم العادل للمنافع.
ومن المفترض في مؤتمر الأطراف السادس عشر هذا العام، أن تقومالحكومات بمراجعة التقدم الذي حققته فيما يتعلق بتنفيذ إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي والأهداف التي وضعها، كما ستستعرض كل دولة إطار العمل الذي تتضمنه خطتها الوطنية لحماية التنوع البيولوجي.
وخلال كلمته في رسالة فيديو تم بثها في حفل الافتتاح، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحاضرين من 190 دولة على “التصالح مع الطبيعة”، ودعم خطة وقف فقدان الموائل، وإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض، والحفاظ على النظم البيئية، مضيفاً : “يرتكز الإطار على حقيقة واضحة – من أجل بقاء البشرية، يجب أن تزدهر الطبيعة..لسنا على المسار الصحيح، و مهمتكم تحويل الكلمات إلى أفعال، أي أنه ينبغي على البلدان تقديم خططا واضحة .
في السياق ذاته، قالت وزيرة البيئة في كولومبيا، و رئيسة المؤتمر سوزانا محمد، إنه خلال المؤتمر، يتعين اتخاذ خطوات نحو تنفيذ إطار كونمينغ-مونتريال العالمي، مضيفة : “الأمر يتعلق بإعادة صياغة الطريقة التي نعيش بها، وإعادة صياغة نموذج التنمية، وإعادة التفكير، وإعادة اكتشاف كيفية عيشنا معا في تنوع، في نظام لا يجعل الطبيعة ضحية للتنمية بشكل دائم، بل إن إعادة إنتاجنا كمجتمع يعيد إنتاج الحياة”.
وأصرت وزيرة البيئة على أن هناك ارتباط وثيق بين العمل المناخي، وبين الحفاظ على التنوع البيولوجي مرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل المناخي، مضيفة أن االاستخدام الاستخراجي للموارد الطبيعية مسؤول عن 50 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي ولكنه في الوقت نفسه يتسبب أيضا في 90 في المائة من فقدان التنوع البيولوجي، وفي هذا السياق، فإن استعادة النظم البيئية والطبيعة بقوة يمكن أن تساهم بنحو 40 في المائة في حل استقرار المناخ ودورة الكربون، على حد وصفها.
وفي الحقيقة، فإن تصريحات وزيرة البيئة في كولمبيا صائبة للغاية، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه في حالة زيادة الحرارة بواقع 1.5 درجة مئوية، سيتم تدمير ما لا يقل عن 70% إلى 90% من الشعاب المرجانية، وفي حالة زيادتها درجتين مئويتين، سيتم فقدان أكثر من 99% من الشعاب المرجانية.
التمويل حجر الزاوية في حماية التنوع البيولوجي
وفي ظل الحديث عن خطوات عديدة يتعين على الدول اتخاذها لحماية تنوعها البيولوجي ووقف تدهور الطبيعة، تحتل المناقشات الدائرة حول دور التمويل صدارة الأولويات لتحويل الكلمات إلى أفعال حقيقية، وهو ما سيستكشفه المشاركون خلال الأيام القابلة للمؤتمر .
وفي العام الماضي، أعلن مرفق البيئة العالمي عن إطلاق صندوق تمويل التنوع البيولوجي ، ليكون بمثابة أكبر جهة لتمويل مشروعات حماية التنوع البيولوجي بالعالم، بدعم يصل إلى 10 مليار دولار من الدول المشاركة.
في الوقت نفسه، وجد تقرير حالة تمويل الطبيعة لعام 2022، والذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بمضاعفة تمويل الحلول القائمة على الطبيعة بحلول عام 2025 للتعامل مع الأزمات العالمية، ليصبح حوالي 384 بليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2025 ، أي أكثر من ضعف المبلغ الحالي البالغ 154 مليار دولار أمريكي سنويًا، وإلا سيكون حماية التنوع البيولوجي أمراً صعباً.
وكان إطار مؤتمر الأطراف الـ 15 قد دعا منذ عامين، إلى تعبئة ما لا يقل عن 200 بليون دولار أمريكي سنويًا من المصادر العامة والخاصة لتمويل أنشطة حماية التنوع البيولوجي بحلول عام 2030، كما يتطلع هدف الإطار إلى إلى زيادة التدفقات المالية الدولية من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية إلى بما لا يقل عن 30 بليون دولار أمريكي سنويًا بحلول 2030.
ما هو دور القطاع الخاص في وقف تدهور التنوع البيولوجي؟
لا يمكن إلقاء مهمّة وقف تدهور التنوع البيولوجي بشكل كامل على عاتق الحكومات، وإنما يمثل القطاع الخاص لاعباً أساسياً في هذه المهمة، والدليل على ذلك أنه خلال أربعة سنوات فقط، زاد حجم التمويل المقدم من القطاع الخاص للطبيعة حوالي أحد عشر ضعفا في أربع سنوات، أي زاد من 9.4 مليار دولار إلى أكثر من 102 مليار دولار، وفقا لبحث أجراه برنامج الامم المتحدة للبيئة، بالشراكة مع مؤسسة تمويل التنوع البيولوجي، وتمت مشاركته في المنتدى العالمي الثالث للتنوع البيولوجي في دافوس، في يونيو الماضي.
وعلى الوجه الآخر، لعبت استثمارات القطاع الخاص دوراً سلبياً وضاراً بالبيئة، وهو ما يتم وصفه بـ”التمويل السلبي للطبيعة”، إذ وجد تقرير “حالة تمويل الطبيعة في 2023″، أن القطاع الخاص وحده قدم تمويل له تأثير سلبي على البيئة بقيمة 5 تريليو دولار، من بين إجمالي 7 تريليون دولار للقطاعين العام والخاص، وهو رقم مثير للمخاوف، لأنه يساوي تقريبا 140 ضعف حجم الاستثمارات الموجهة لحماية الطبيعة.
ويمكن أن تتضمن مشاركة القطاع الخاص في التمويل أوجه عديدة، إذ تتوقع مبادرة التمويل التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إمكانية تدفق حوالي 1.45 تريليون دولار من كل القطاعات بحلول عام 20230 لدعم التنوع البيولوجي، ويمكن أن يساهم التمويل الخاص في ذلك عن طريق الاستثمارات البديلة، والأسهم الخاصة، وائتمانات التنوع البيولوجي، وتعزيز رأس المال الاستثماري الخاص للتنوع البيولوجي، ولتحقيق هذا الهدف، تجمع مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة عشرات البنوك وشركات التأمين والمستثمرين الذين يهتمون بدعم تمويل الطبيعة والاستدامة.
كل هذه الحقائق تكشف أن القطاع الخاص لاعب رئيسي في مهمة الحفاظ على الطبيعة، ويخلق المزيد من الآمال المعلقة على زيادة التمويل الخاص بالتوازي مع التمويل العام لدعم أهداف إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي.
كتبت- هدير الحضري، صحفية أولى في ESG Mena Arabic