Home » أسواق العقارات في الإمارات والسعودية تتحول سريعاً نحو الاستدامة

أسواق العقارات في الإمارات والسعودية تتحول سريعاً نحو الاستدامة

by Elhadary

قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في دبي (كوب 28)، شهدت أسواق العقارات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خطوات كبيرة نحو إيلاء الأولوية لمسائل الاستدامة والمشاركة في التزاماتهما الوطنية تجاه المبادئ البيئية والمجتمعية والإدارية.

ووفقاً لأحدث تقرير من شركة الاستشارات العالمية نايت فرانك تحت عنوان “الضرورة البيئية والاجتماعية والإدارية – النسخة المخصصة لمؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ في دبي (كوب 28)”، تم دعم هذا التوجه بواسطة مبادرات حكومية، وتفضيل الشركات لاحتياجاتها في مجال الاستدامة.

باستمرار النجاح والتطور السريع في دبي، من المتوقع أن تشهد الإمارة زيادة كبيرة في عدد سكانها وأنشطتها الاقتصادية، وهذا يتوافق مع أجندة دبي الاقتصادية (دي 33)، حيث تطمح المدينة إلى مضاعفة تجارتها الخارجية وأن تصبح رابع أبرز مركز مالي في العالم بحلول عام 2033، لتتبوأ مكانة بارزة خلف نيويورك ولندن وسنغافورة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يصل عدد سكان دبي إلى ما يقرب من ستة ملايين نسمة، وفقاً لخطة الحكومة الحضرية لعام 2040 التي تستهدف الوصول إلى 7.8 مليون نسمة بحلول عام 2040.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف السكانية، ستحتاج دبي إلى مضاعفة مخزونها الحالي من العقارات لتلبية مطالب الإسكان، الذي يضم حالياً حوالي 600 ألف منزل. والجدير بالذكر أن الطلب على الفلل في دبي أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات الفاخرة بنسبة 16% خلال الـ 12 شهراً الماضية، مما يعكس جاذبية المدينة للأثرياء من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من التوسع السريع الذي تشهده دبي، فإن هناك التزاماً واضحاً بالاستدامة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار الحالة العالمية للطوارئ المناخية المستمرة.

الاستدامة وقطاع البناء والاسكان

بينما لا تزال المعايير البيئية والمجتمعية والإدارية تُعتبر مفهوماً نسبياً في الشرق الأوسط بالنسبة للكثيرين، إلا أننا نلاحظ أنها تتجلى في سوق العقارات بطرق متعددة. على سبيل المثال، يشعر مشترو العقارات في هذه المنطقة بالقلق إزاء إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء ومستويات تلوث الهواء أكثر من نظرائهم على الصعيدين العالمي والإقليمي.

وعلق فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم الأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلاً إن في سوق العقارات التجارية، يزداد عدد المستأجرين الدوليين المستعدين لدفع رسوم التأمين لضمان المباني ذات الاعتماد البيئي والاجتماعي والإداري، سواء كانت معترفاً بها مثل (لييد) أو (وايردسكور) أو (ويل).

ويرجع هذا الطلب المتزايد على المساحات المكتبية “الصديقة للبيئة” إلى حد كبير إلى العلاقة القوية بين المساحات المكتبية عالية الجودة وجذب المواهب والاحتفاظ بها. أما عن التحدي الذي تواجهه الأسواق الإقليمية، وعلى عكس العديد من المدن العالمية الأخرى، فهو مستوى إشغال المكاتب التجارية من الدرجة الأولى الذي يتجاوز 90٪ في مدن مثل دبي وأبو ظبي والرياض وجدة، وجميعها تعاني أيضاً من خطط تطوير محدودة للغاية.

أضاف بن ووكر، الشريك – رئيس استشارات المشاريع والبناء، أن معظم معظم الشركات في دبي، وخاصة الشركات العالمية، تسعى إلى الحصول على مساحات ممتازة من الدرجة الأولى، مع تفضيل قوي للمباني ذات التصنيف الأخضر، وأن لدى العديد منها تفويض عالمي لشغل المباني الخضراء، حيث يُنظر إلى أن الاستجابة الفعالة لحالة الطوارئ المناخية تلعب دوراً مهماً في جذب المواهب والاحتفاظ بها.

وبحسب نايت فرانك فإن أفضل مثال على التوجه المستدام للإمارة هو التحول الذي شهدته مدينة إكسبو دبي، حيث ستتم إعادة تصميم الموقع المضيف السابق لمعرض إكسبو 2020 العالمي ليصبح مدينة ذكية مستدامة تتمحور حول الإنسان، وتهدف إلى إعادة استخدام ما لا يقل عن 80٪ من البنية التحتية التي تم وضعها لمعرض إكسبو 2020 وتتميز بمبان حاصلة على شهادة ليد الذهبية والبلاتينية.

وتابع دوراني حديثه مؤكداً أن دبي تحتضن 563 مبنى مصنفاً صديقاً للبيئة، ما يجعلها المدينة الوحيدة في المنطقة التي تصنف ضمن أفضل 25 مدينة في العالم من حيث أكبر عدد من المباني المعتمدة بيئياً؛ ومع ذلك، يتم تصنيف الجزء الأكبر منها بالأنظمة الخضراء المحلية. ويشكل هذا تحدياً للمؤسسات الدولية التي تبحث عن الأصول المصنفة بأوراق اعتماد بيئية واجتماعية وإدارية معترف بها عالمياً. وفي حين يحرص بعض الشاغلين على التواجد في مبنى “أخضر”، بغض النظر عن شارة المعايير البيئية والاجتماعية والإدارية فإن بعض الشركات متعددة الجنسيات لن تقبل بأي شيء أقل من شهادة لييد.

يسلط نايت فرانك الضوء أيضاً على التحديات التي تواجه المخزون المكتبي القديم في المدينة، الذي قد يحتاج إلى تجديد شامل. وقد يتعرض بعضه إلى مخاطر مستقبلية، مثل زيادة فترات الفراغ، وتراجع عوائد الإيجار، والتقادم المتوقع، أو تغيير الاستخدام

وأضاف محمد نبيل، رئيس خدمات المشاريع والتطوير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التجديد يُقدّم فرصة فريدة لتنشيط المجتمعات مع تقليل الأثر البيئي، وأنه بدلاً من الهدم والبدء من جديد، يتيح لنا التعديل وإعادة استخدام البنية الحالية تكريم التراث والتاريخ. فذلك يساهم في الحفاظ على البيئة المبنية وزيادة قيمة الموارد المتاحة، ويقلل من انبعاثات الكربون والبصمة البيئية المرتبطة ببناء جديد. وبالتالي، يمنح هذا حياة جديدة للمباني القديمة، ويساهم في مستقبل أكثر استدامة وثراء ثقافياً.

وفي هذا السياق، أفادت نايت فرانك أن 51% من المكاتب في منطقة مركز دبي المالي العالمي- مركز المكاتب الأول في الإمارة- قد تم الانتهاء من تشييدها قبل عام 2010. وفي الوقت نفسه، يبلغ متوسط عمر المباني المكتبية في كل من مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام حوالي 16 عاماً.

وبحسب دوراني، فإنه بالنسبة لمدينة تتطور بسرعة فائقة، من الضروري توجيه اهتمام كبير نحو عمليات التجديد والأخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية والاجتماعية والإدارية. حيث من المرجح أن تواجه العديد من المباني التجارية القديمة في دبي تحديات تشغيلية في المستقبل القريب.

المملكة العربية السعودية

هناك تحدٍ مماثل في العاصمة السعودية الرياض، وفقاً لما ذكرته نايت فرانك. على سبيل المثال، 50% من مساحات المكاتب على طريق الملك فهد و84% من مساحات المكاتب على طريق العليا تتجاوز عمرها 5 إلى 10 سنوات. وبناءً على التزام مركز الملك عبد الله المالي بالكامل، من المرجح أن يستمر التفاوت في الإيجارات بين الدرجة الأولى والدرجة الثانية في الزيادة مع تركيز المستأجرين على أفضل المباني.

تجذب مكاتب الدرجة الأولى في الرياض الشركات العالمية الرائدة في مجال الاستدامة، حيث يصل معدل الاشغال إلى 97%، مما يعكس الدور البارز الذي تلعبه على الساحة العالمية، وفقاً لتقرير نايت فرانك الذي نشر مؤخراً تحت عنوان السعودية المستدامة: استكشاف الرؤية خلف المعايير البيئية والاجتماعية والإدارية..

في الرياض، تتصدر المشاريع مثل الواجهة التجارية، ومنطقة الملك عبد الله المالية، ووادي ليسن، وبوابة الأعمال أعلى أسعار الإيجار، مما يعكس الطلب المتزايد على المشاريع الجديدة أو المشاريع الحديثة بتركيز قوي على العيش المجتمعي والاستدامة، حسبما أشارت نايت فرانك.

بشكل منفصل، تهدف مدينة نيوم، المدينة الفائقة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، إلى أن تصبح أكثر مدينة مستدامة في العالم ومعياراً عالمياً للمشاريع الخضراء عند الانتهاء منها. ستضم المدينة أكثر من تسعة ملايين شخص في أكثر من 300,000 منزل، مساهمة في التزايد المستمر لعدد المباني المصنفة كمبان خضراء في المملكة.


وأوضح دوراني دور المؤسسات الدولية حول ذلك قائلاً إنه  من الممكن أن تطالب المؤسسات الدولية بالمشاركة في الاكتتاب العام الأول لمشروع نيوم بقيمة 80 مليار دولار أمريكي في عام 2024، نظراً لأن الاستدامة تشغل مكانة مركزية في خطط التنمية. حتى بين السعوديين أنفسهم، تعتبر التزامات الاستدامة في نيوم هي السبب الثالث الأكثر شعبية وراء رغبتهم في الاستثمار في هذا المشروع البلجيكي، بعد مكانته كجوهرة في تاج رؤية 2030 والتزامه بتوفير مرافق تعليمية عالمية المستوى.

علاوة على ذلك، إطلاق إرشادات الإفصاح البيئي والاجتماعي والإداري من قبل السوق المالية السعودية في عام 2021 عزز من أهمية إعداد التقارير البيئية والاجتماعية والإدارية والوعي في السوق المحلية. وفي هذا السياق الديناميكي، يدرك المطورون ذوو التفكير المستقبلي أنهم يجب أن يضعوا مبادئ البناء الأخضر والمعايير البيئية والاجتماعية والإدارية في قلب تصميماتهم من أجل جذب المستأجرين الكبار متعددي الجنسيات أو الدوليين.

كما يشهد التمويل المستدام ارتفاعاً في المملكة العربية السعودية، مع مبادرات مثل إتمام صندوق الاستثمارات العامة بنجاح لإصدارين من السندات الخضراء الدولية بقيمة إجمالية تبلغ 8.5 مليار دولار أمريكي، وفقاً لنايت فرانك.

وفي دبي، تعمل الحكومة بنشاط على سن التشريعات من أجل مستقبل أكثر اخضراراً من خلال سياسات ومبادرات مختلفة. ومن الجدير بالذكر أن أكبر محطة للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم قيد التشغيل حالياً، حيث توفر 15% من احتياجات الطاقة في الإمارة، وهناك هدف لتحقيق 75% من توليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050. بالإضافة إلى ذلك، حددت الحكومة هدفاً لبناء 35% من جميع المباني باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بحلول عام 2030. وقد أدت هذه الالتزامات الخضراء أيضاً إلى إعلان مهم بتخصيص 60% من مساحة أراضي الإمارة للمحميات الطبيعية.

بينما يتأهب العالم لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دبي، فإن اعتماد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل استباقي لممارسات مستدامة في قطاعات العقارات والأعمال يضعهما كلاعبين أساسيين في الجهود العالمية لمعالجة تغير المناخ وخلق مستقبل أكثر استدامة. تعكس هذه المبادرات التزامهما وتكون نموذجاً للمناطق الأخرى لمتابعتها في سعيها نحو عالم أخضر وأكثر استدامة.

You may also like