برزت أهمية الطاقة النظيفة وسط المخاوف المناخية المتزايدة بوصفها الخيار الأمثل للحد من الانبعاثات الكربونية وتحفيز التغيير نحو إرساء منظومة بيئية مستدامة، فضلاً عن توليد الطاقة التي نحتاجها دون انبعاثات غازات الدفيئة الضارة. ويحافظ الفحم على أهميته بوصفه المصدر الأضخم عالمياً لتوليد الكهرباء، في حين نجحت مصادر الطاقة المتجددة في توليد نسبة 12% من الكهرباء على مستوى العالم في عام 2022، مقارنة مع نسبة 10% التي حققتها في العام الذي سبقه، بالتوازي مع ارتفاع النسبة الإنتاجية للطاقة الشمسية إلى 24%.([1]) وتؤكد مجمعات الابتكارات التقنية مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، أكبر محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم، على قدرة دولة الإمارات في تسريع العمل للتحول نحو اعتماد الطاقة النظيفة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه دول العالم إلى تحديد أهدافها المتعلقة بالحياد الكربوني لرفد الجهود العالمية لمعالجة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، تعهدت كل من دولة الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والكويت على صعيد منطقة الشرق الأوسط، بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وأسهمت استضافة دولة الإمارات لمؤتمر المناخ كوب 28 في العام الماضي، واستضافة مصر لمؤتمر كوب 27 في عام 2022، في ترسيخ التزام المنطقة بتعزيز توليد الطاقة النظيفة ورفد جهود إزالة الكربون.
وبفضل رؤية القيادة الحكيمة، تتصدر دولة الإمارات الجهود التحويلية نحو اعتماد مصادر الطاقة النظيفة، وتشتمل رؤية الدولة العمل للحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% بحلول عام 2030 من مستوى العمل المعتاد، بالتوازي مع خفض الانبعاثات في شبكات الطاقة الكهربائية بنسبة 51%، وأثمرت هذه الجهود نمواً لافتاً بالاقتصاد الأخضر مدفوعاً بالتزام الدولة في الحد من بصمتها الكربونية وتنويع محفظتها من مصادر الطاقة. وقدم بنك الفجيرة الوطني في أبريل الماضي تسهيلاً ائتمانياً طويل الأجل لصالح شركة كلين ماكس لإعادة تمويل محفظتها من مشاريع تركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني في دولة الإمارات. وتسهم هذه الخطوة في تسريع نمو مشاريع ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني، وتغطي 48 من أصول الطاقة الشمسية المختلفة العاملة حالياً على أسطح المباني في المنشآت الصناعية ومراكز التسوق والمدارس والجامعات.
ويمثّل تحقيق الحياد الكربوني في قطاع الطاقة أحد أبرز أولويات استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، كما تعتزم الدولة توليد 50% من الطاقة من المصادر المتجددة أو النووية بحلول العام نفسه. وانسجاماً مع أهداف مؤتمر المناخ كوب 28 وإعلان 2023 عاماً للاستدامة في دولة الإمارات واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، وقّع بنك الفجيرة الوطني في فبراير الماضي عقد تسهيلات مع شركة يلو دور إنرجي لتمويل 31 محطة طاقة شمسية تعمل بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 39 ميجاواط.
تعمل البنوك في الإمارات العربية المتحدة على مواءمة مواردها المالية مع الأهداف البيئية بهدف تسريع الانتقال إلى استخدام الطاقة النظيفة وتلبية المتطلبات الملحة لحماية الكوكب، ما ينسجم مع الدور المحوري للمؤسسات المالية في دعم تنفيذ المشاريع الطموحة في مجال الطاقة النظيفة، والتي يمكن أن تؤثر بفعالية على قطاع الطاقة.
وتمثّل زيادة الإيرادات الناتجة عن استثمارات الطاقة المتجددة أحد أهم مؤشرات الأداء الرئيسية القابلة للقياس في مجال مشاريع الطاقة النظيفة؛ وتعكس الربحية المتزايدة للاستثمارات المستدامة والجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، مما يعزز التزام المؤسسات المالية بالانتقال إلى استخدام الطاقة النظيفة في المستقبل. وتقود الربحية المتزايدة إلى تعزيز استثمارات البنوك، وبالتالي تحسين مستويات توافر مصادر الطاقة النظيفة وتعزيز الاستدامة في المستقبل.
وينطوي خفض انبعاثات الكربون على أهمية مماثلة بوصفه أحد مؤشرات الأداء الرئيسية الهامة في دول المنطقة التي تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني. وتلعب مشاريع الطاقة النظيفة دوراً محورياً في تنويع مصادر الطاقة والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يسهم في تعزيز مستويات الأمن والمرونة في مجال الطاقة بالنسبة لهذه الدول.
وتقدم الاستثمارات في مشاريع الطاقة النظيفة العديد من الفوائد بعيدة المدى وطويلة الأجل، وتسهم في تحقيق اقتصاد مرن ومستدام حالياً وفي المستقبل. وتعزز هذه الاستثمارات موثوقية البنية التحتية المتينة والقابلة للتكييف في مجال الطاقة، مع تنويع مصادر الطاقة الذي يضمن توفير إمدادات مستقرة ومتسقة. كما تحفز استثمارات الطاقة النظيفة التقدم في مجال الأبحاث التقنية والتطوير والابتكار، وتسهم في تسريع التحول إلى استخدام تقنيات متجددة أكثر توافراً وكفاءة، وتؤثر إيجاباً على النمو الاقتصادي وتوافر فرص العمل.
وتسهم مشاريع الطاقة النظيفة أيضاً في الحد من تكاليف إنتاج الكهرباء على المدى البعيد، لا سيما مع تطور تقنيات الطاقة المتجددة التي أصبحت أكثر كفاءة، والتي توفر بشكل متزايد بدائل أقل تكلفة من الوقود الأحفوري التقليدي، مما يقلل العبء المالي على المستهلكين والشركات من خلال الوفورات التي يستفيد منها المستهلكون.
ولا تقتصر الفوائد الإجمالية للاستثمار في الطاقة النظيفة على تحقيق المزيد من العائدات المالية، فهي تمهد الطريق أمام دولة الإمارات لتعزيز دورها الرائد والطموح في مجال العمل المناخي، مما يسهم بفعالية في تعزيز أمن الطاقة وبناء مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة. ويتم تشجيع المؤسسات المالية في الدولة على تحفيز الأثر الإيجابي للطاقة النظيفة، وذلك من خلال التعاون وتعزيز الموثوقية وخفض التكاليف وتحقيق الأمن والاستدامة. ويتسم العمل المناخي بأهمية بالغة في الوقت الحالي، بالتزامن مع تحول دولة الإمارات إلى استخدام الطاقة النظيفة؛ ونؤكد مجدداً التزامنا بدعم أهداف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050.
كتب: بلال حسن أشرف، رئيس قسم الطاقة والبحرية في بنك الفجيرة الوطني