لا شك أن الذكاء الاصطناعي يُشكل ثورة حقيقية في مختلف المجالات، ويُقدم إمكانيات هائلة لتحسين حياتنا، لذا احتلت قضية استخدام “الذكاء الاصطناعي” مكانة الصدارة في أجندة القمة العالمية للحكومات 2024، حيث ناقش قادة الفكر والخبراء العالميون من جميع أنحاء العالم فرص وتحديات هذه التكنولوجيا الثورية لبناء مستقبل أكثر ذكاءً وازدهارًا.
أين تقع الحكومات العربية من الذكاء الاصطناعي؟
تصدر الذكاء الاصطناعي مناقشات عديدة على مستويات مختلفة في القمة، ومنها مناقشات منتدى الإدارة الحكومية العربية في دورته الثالثة، والذي انعقد على هامش القمة العالمية للحكومات، بحضور كبير من الوزراء والمسؤولين والخبراء العرب، وركزت النقاشات على دور هذه التكنولوجيا في تحسين الخدمات الحكومية وتعزيز الإنتاجية، وتحديد أفضل السبل لتسخيرها لتحسين حياة المواطنين العرب.
وناقش خبراء في جلسة بعنوان “بكل صراحة: أين الحكومات العربية من الذكاء الاصطناعي؟” موقع الحكومات العربية على خارطة هذه التكنولوجيا. شجع الخبراء الحكومات العربية على الاستفادة من فرص الذكاء الاصطناعي لسد الفجوة مع القطاع الخاص المتقدم في هذا المجال، واستقطاب المهارات الحكومية المتقدمة.
وانطلق المنتدى هذا العام تحت شعار “الذكاء الإصطناعي والبيانات: استشراف مستقبل الإدارة الحكومية العربية”، حيث استعرض معالي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، مشهد الذكاء الاصطناعي في الدول العربية الذي ينقسم بين دول حققت الجاهزية للتكنولوجيا المتقدمة ودول تسعى إلى تحقيق الجاهزية. ونوه إلى ضرورة وضع الأطر والتشريعات الناظمة للذكاء الاصطناعي وحماية أنظمته بتعزيز الأمن السيبراني من أجل تحقيق التقدم في هذا المجال بشكل آمن. وأكد أهمية التعليم لتخريج الجيل القادم من خبراء الذكاء الاصطناعي وتوفر إرادة الحكومية لقيادة تطوير الذكاء الاصطناعي الوطني. نظمت الحوار في الجلسة، الإعلامية مينا العريبي من صحيفة ذا ناشيونال.
وأكدت معالي عهود بنت خلفان الرومي وزيرة التطوير الحكومي والمستقبل ونائب رئيس القمة العالمية للحكومات في مستهل هذه الجلسة، أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً محورياً في تمكين الإدارة الحكومية العربية من فهم وتلبية احتياجات المواطنين بشكل استباقي واتخاذ القرارات الحكومية بدقة وسرعة وإدارة الموارد بفعالية.
وتجمع القمة العالمية للحكومات، 120 وفداً حكومياً وأكثر من 85 منظمة دولية وإقليمية ومؤسسة عالمية، إضافة إلى نخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين، وبحضور أكثر من 4000 مشارك.
وتضم القمة العالمية للحكومات في دورتها الجديدة 6 محاور رئيسية، و15 منتدى عالمياً تبحث التوجهات والتحولات المستقبلية العالمية الكبرى في أكثر من 110 جلسات رئيسية حوارية وتفاعلية، يتحدث فيها 200 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصناع المستقبل، إضافة إلى عقد أكثر من 23 اجتماعاً وزارياً وجلسة تنفيذية بحضور أكثر من 300 وزير
تعاون دولي لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي:
في الوقت نفسه، وقعت بلدية دبي و”موئل الأمم المتحدة” اتفاقية تعاون بخصوص مشروع “الذكاء الاصطناعي في دبي: الذكاء العمراني الرائد الذي يعمل من أجل مستقبل شامل ومستدام”. تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنمية العمرانية المستدامة.
وبناء على الاتفاقية سيجري إعداد مقترح كامل حول نطاق مشروع “الذكاء الاصطناعي في دبي: الذكاء العمراني الرائد الذي يعمل من أجل مستقبل شامل ومستدام”، وزيادة التنسيق في مجالات العمل التي تشمل: وضع استراتيجية حوكمة الذكاء الاصطناعي في التخطيط، واستحداث أدوات محاكاة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحسين المجالات ذات الأولوية والموضوعات المتعلقة بها. كما تنصّ الاتفاقية على تعزيز معرفة موظفي بلدية دبي وقدرتهم على تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي في التخطيط.
الرئيس الكيني: الانفجار التكنولوجي أدى إلى وجود رابحين وخاسرين
واستكمالاً للمناقشات حول أهمية “الذكاء الاصطناعي للحكومات” قال فخامة الدكتور وليام روتو، رئيس جمهورية كينيا، أن القرن الجاري، ومنذ بدايته، شهد تحولات متعددة في القطاعات كافة؛ لا سيما السياسية والاقتصادية، لكن التحول الأكبر كان بسبب ظهور المحركات التكنولوجية التي سمحت للبشر بالذهاب إلى الفضاء، إضافة إلى ظهور القدرات النووية والتصوير المغناطيسي، ما أدى إلى حل مشكلات لم تكن قابلة للحل”.
وأشار إلى أن البعض واجه التحولات والتغيرات السريعة بوضع العديد من العراقيل، لافتاً إلى أن الانفجار التكنولوجي خلال السنوات الماضية، أسفر عنه عدد من المظاهر على رأسها الذكاء الاصطناعي، الذي أدى إلى وجود رابحين وخاسرين”.
إطلاق مؤسسة فالكون لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي:
وخلال فعاليات القمة، أعلن معهد الابتكار التكنولوجي عن إطلاق مؤسسة فالكون غير الربحية المعنية بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مفتوحة المصدر، وتهدف المؤسسة إلى بناء منظومة عمل مستدامة للمشاريع من هذا النوع بما يعزز مسيرة التطور التكنولوجي على مستوى العالم.
وأعلن معهد الابتكار التكنولوجي وبصفته واحداً من الأعضاء المؤسسين، عن تخصيص تمويل بقيمة 300 مليون دولار لتمويل المشاريع المنتفعة.
القضية الفلسطينية تشغل حيزا كبيراً من المناقشات:
وشغلت القضية الفلسطينية حيزاً هاماً من المناقشات داخل القمة، فأكد معالي أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومعالي جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن القضية الفلسطينية باتت أكبر التحديات التي تواجهها الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن، داعين إسرائيل إلى إيقاف الحرب في غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، مشددين على أن التصرفات الإسرائيلية الحالية تهدد اتفاقيات السلام مع الدول العربية.
وحذر معاليهما خلال جلسة بعنوان رؤية إقليمية للفرص والتحديات المستقبلية، أدارها الإعلامي المصري عماد الدين أديب خلال اليوم الثاني من فعاليات القمة العالمية للحكومات 2024، من مواصلة إيران تدخلاتها في شؤون الدول العربية بصفة عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة، مؤكدين على ضرورة وجود شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل بالكامل.
ووصف معالي أحمد أبو الغيط الوضع العربي الراهن بالحزين الذي يحتاج إلى “لملمته” والذي جاء نتاجاً لآخر 20 عاماً كانت حافلة بالأخطاء والتداعيات؛ مشيراً إلى أن هذا هو التحدي الأول، الذي يحتاج إلى مواجهة عربية، فيما يتمثل التحدي الثاني برأي معالي أبو الغيط في “المأساة الفلسطينية”، كما أسماها، والتي تتجسد في “الأحداث التي نراها ونعيشها في غزة منذ أكثر من أربعة أشهر الآن”، مؤكداً أن الغرب أصبح يؤمن بضرورة وجود دولة فلسطينية، وقد ازداد عدد الدول الغربية المؤمنة بذلك مؤخراً فقط.
وحول ما إذا كانت هناك إمكانية للوصول إلى سلام عربي شامل مع إسرائيل في ظل ما يحدث حالياً، أجاب أبو الغيط بتأكيده أن “إسرائيل بتصرفاتها الحالية أصبحت تهدد استمرارية اتفاقيات ومعاهدات السلام التي وقعتها مع الدول العربية، وخصوصاً اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن”، لافتاً إلى أن طريقة “التفكير الإسرائيلي تعني أن هناك مواجهة بينها وبين الدول العربية لـ 1000 سنة قادمة”، مطالباً إسرائيل بالتراجع عن هذه السياسات، والسعي نحو السلام الحقيقي.