في السنوات الأخيرة، زادت التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يتعلق بتوافر الغذاء وإنتاجه، إذ أثرت عليه عدّة أزمات من أبرزها تغير المناخ وما تسببّب فيه من ظروف مناخية قاسية أثرت على الزراعة، والحرب الروسية الأوكرانية، وجائحة كوفيد-19التي استنزفت موارد البلدان وأدت إلى محدودية الحصول على أعلاف الحيوانات، ونقص الأيادي العامة.
في عام 2022، عندنا اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، تأثرت المنطقة بشكل كبير لأنها تعتمد بشكل أساسي على استيراد الحبوب من الدولتين، إذ إن روسيا وأوكرانيا مسؤولتان معًا عن 14% من إمدادات القمح، و10% من إمدادات الشعير في العالم، و4% من إمدادات الذرة، ويعتمد عليهما نحو 50 بلدًا لتأمين 30% أو أكثر من إمدادات القمح، كما أن الاتحاد الروسي المسؤول الأول عن تصدير الأسمدة النيتروجينية، والثاني عن أسمدة البوتاسيوم، والثالث عن الأسمدة الفوسفاتية، وفقاً لتقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، في 25 مارس 2022، الذي قال أيضاً إن الحرب الأوكرانية الروسية ألقت بظلالها على ثلاث أسواق رئيسية، وهي الأغذية بما فيها علف الحيوان، والوقود خاصةً المستخدم للآلات الزراعية، وأخيرًا الأسمدة على اختلاف أنواعها.
بالتوازي مع ذلك، تسببت الحرب في ارتفاع أسعار السلع فخلال شهر مارس 2022، بلغ مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الأغذية أعلى مستوى له عند 160 نقطة منذ إنشائه في عام 1990، لذا اقترحت “الفاو” إنشاء مرفق عالمي لتمويل الواردات الغذائية؛ من أجل مساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ليستفيد منه قرابة 1.8 مليار شخص في 61 بلدًا معرضًا للمخاطر.
وفي الوقت الذي تعاني فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من نقص شديد في توافر الغذاء، وارتفاع نسبة الجوع الشديد والمتوسط، أشارت العديد من التقارير الرسمية إلى ارتفاع كميات هدر الطعام بنسبة كبيرة، مما يلعب دوراً مهماً في زيادة خلل دائرة الغذاء في المنطقة.
أهمية التقليل من هدر الطعام
وتوجهت الأنظار من جديد إلى أهمية التقليل من هدر الطعام للحفاظ بقدر الإمكان على الموارد القليلة المتبقية، إذ يرتبط هدر الغذاء بعدة مراحل، بداية من سلاسل الإنتاج وحتى التعامل معه من قبل المستهلكين، كما ترتبط بعض المناسبات الدينية في المنطقة مثل شهر رمضان الكريم بزيادة نسبة هدر الطعام.
كيف يتم هدر الغذاء في حلقة متكاملة؟
ويرتبط الهدر في السلسلة الغذائية أثناء الإنتاج بعدة مراحل، أهمها الهدر أثناء الحصاد حيث تتلف بعض المحاصيل ، وأثناء التخزين حيث تتسبب عدم ملائمة مرافق التخزين إلى تدهور الجودة وانتشار الآفات داخل المحاصيل، ثم الهدر أثناء التجهيز والتعبئة حيث يؤدي سوء الطرق المتبعة في التجهيز والتعبئة تؤدي إلى انسكاب أو تلف أو تلوث الطعام، ثم أثناء النقل والتوزيع، وصولاً إلى أسواق التجزئة والجملة، حيث يؤدي كل من سوء البنية التحتية وسوء المناولة إلى تلف المحاصيل والمنتجات في الأسواق، وأخيراً مرحلة الاستهلاك في الفنادق والمطاعم والمنازل، حيث يتم هدر الطعام لأسباب مختلفة منها سوء التخزين ونقص الوعي وسلوك المستهلك.
وتشير تقديرات الفاو إلى أن الفاقد والهدر الغذائي في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا يصل إلى 250 كجم للفرد الواحد بما يمثل أكثر من 60 مليار دولار أمريكي سنوياً، كما أنه يتم فقدان ما يقرب من ثلثي المواد الغذائية أثناء إنتاج ومعالجة وتجهيز وتوزيع المواد الغذائية، ويتم هدر الثلث منها على مستوى المستهلك.
ووجد تقريرحديث للفاو أن كشف تقرير آخر لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن خفض الفاقد من الأغذية والهدر الغذائي يعتبر عاملا أساسيا لتحسين توافر الأغذية والوصول إلى الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا التي تشهد نموا متسارعا.
وأكد على أن المنطقة تعتمد على الاستيراد لتلبية أكثر من 50 في المائة من احتياجاتها الغذائية، ومع ذلك فإنها تخسر ما يصل إلى ثلث الأغذية التي تنتجها وتستوردها، بما في ذلك 14 إلى 19 في المائة من الحبوب و 26 في المائة من جميع الأسماك والأغذية البحرية و13 في المائة من اللحوم و45 في المائة من جميع الخضروات والفاكهة.
ولا تقتصر أزمة نقص الغذاء العالمية على الجوع وعدم الحصول على كميات كافية من الطعام فقط، بل ترتبط بشكل أساسي بنوع الطعام أيضًا، فعلى المستوى العالمي، هناك نحو ثلاثة مليارات شخص لا يمكنهم تحمُّل تكلفة نظام غذائي صحي، وفقًا لدراسة منشورة في دورية “نيتشر فوود” في أكتوبر 2021، ولهذا السبب أيضًا هناك زيادة كبيرة في المستويات العالمية للهزال الشديد للأطفال، وفقًا لليونيسف.
نفايات الأغذية تمثل من 8 إلى 10% من الانبعاثات العالمية
ووجد تقرير مؤشر نفايات الأغذية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021 أن 8-10٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ترتبط بالغذاء الذي لا يتم استهلاكه، لذا يمكن أن يوفر الحد من هدر الأغذية على مستوى البيع بالتجزئة ، وعلى مستوى المنازلن فوائدة متعددة .
زيادة نسبة الجوع بالتوازي
ووجد تقرير آخر للفاو صدر في ديسمبر العام الماضي، أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد أثر على 170.1 مليون شخص، أي 36.6 في المائة من إجمالي سكان المنطقة عام ، 2022وكان معدل انتشار الجوع هو الأعلى في البلدان منخفضة الدخل والبلدان العربية الأقل نمواً، حيث يعاني ثلث السكان تقريباً من الجوع، كما كانت معدلات نقص التغذية في البلدان التي تشهد نزاعات أعلى بنحو أربعة أضعاف مقارنة مع البلدان التي لا تشهد نزاعات.
كما وجد التقرير أن عدد من يعانون من نقص التغذية في المنطقة 59.8 مليون شخص في عام 2022، وهو ما يمثل 12.9 بالمائة من إجمالي عدد السكان، متجاوزاً بكثير المتوسط العالمي البالغ 9.2 في المائة، ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 75.9 بالمائة منذ عام 2000.
كتبت: هدير الحضري، صحفية أولى بـESG Mena Arabic