في الوقت الذي تمضي فيه دول مجلس التعاون الخليجي قدمًا نحو توحيد أطر تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، واتخاذ خطوات جريئة في مجال التمويل المستدام، يتجه اهتمام العالم إلى الكيفية التي تنسجم بها المنطقة مع المعايير الدولية وتؤثر فيها. في هذا الحوار الحصري، تتحدث ناديا همفريز، رئيسة حلول بيانات التمويل المستدام في بلومبرغ، عن مشهد الإفصاح العالمي المتغير، وعن نهج الخليج العملي في تقارير ESG، وصعود التمويل الأزرق، والدور المتنامي للمنطقة كلاعب مبتكر وموثوق في منظومة التمويل المستدام.
1. تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على مواءمة أطر المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية مع منظومة الإبلاغ الموحدة لمجلس التعاون، وذلك على الرغم من التحديات العالمية الكبرى مثل الحزم التشريعية الشاملة والتدابير الأمريكية. كيف تقيّمين الإطار العالمي الحالي للإفصاح عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية مقارنة بدول مجلس التعاون؟ وكيف يمكن الاستفادة من تجارب المناطق الأخرى بشكل إيجابي وبنَّاء؟
ما زال المشهد العالمي فيما يتعلق بالإفصاح عن الاستدامة في حالة تغير مستمر؛ فبينما التزمت أكثر من ثلاثين ولاية قضائية بمعايير المجلس الدولي لمعايير الاستدامة، تقوم أسواق كبرى، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بإعادة تقييم نهجها. ومع ذلك، من الواضح من خلال التفاعلات التي نجريها مع مديري الأصول والمؤسسات الائتمانية، أن ثمة قلقاً من التأثيرات المالية الناجمة عن المخاطر المناخية. وما زالت البيانات غير المالية تشكل أساس قرارات الاستثمار، حيث تتم مراعاة اعتبارات الاستدامة، ولاسيما ما يتعلق بالتعرض للمناخ، بشكل منتظم في استبيانات العناية الواجبة.
وفي هذا السياق، تبدو مبادرة الإبلاغ الموحدة عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في دول مجلس التعاون مبادرة عملية، إذ تسعى إلى دعم تنمية أسواق رأس المال المحلية، وتؤدي في الوقت نفسه إلى تلبية توقعات مزودي رأس المال العالميين. وتحظى الهيئات التنظيمية في دول مجلس التعاون الخليجي بفرصة لتضمين المبادئ العالمية، على غرار تلك التي وضعها المجلس الدولي لمعايير الاستدامة، على نحو يعكس الأولويات الإقليمية.
كما يمكنها الاستفادة من تجارب بعض الولايات القضائية التي واجهت صعوبات نتيجة فرط الإفصاح أو ضعف قابلية مقارنة البيانات، وذلك عبر ترسيخ نموذج يستند إلى الأهمية النسبية والتناسب، وقابلية استخدام البيانات. وإذا ما تم تنفيذ هذه الرؤية بالشكل الأمثل، فقد يسهم ذلك في تعزيز مكانة المنطقة، لا كمشارك في منظومة التمويل المستدام العالمية فحسب، بل كنموذج رائد للإفصاح القابل للتوسع ذي الصلة بالمستثمرين.
2- تعهدت البنوك الإماراتية بتوفير تمويل أخضر بقيمة تريليون درهم في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP28، وقد تم ضخ 55% من هذا المبلغ حتى الآن، ما يشير إلى تباطؤ محتمل. في المقابل، يبرز الاستثمار الأزرق كقطاع جديد واعد. ما أثر هذا على أطر الإفصاح عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية على المستويين الإقليمي والعالمي؟
يعكس الانتشار السريع لرأس المال الأخضر في دولة الإمارات قدرة المنطقة على حشد التمويل المستدام على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل نحو 2% من حجم الإصدارات الخضراء عالمياً وفقاً لبيانات بلومبرغ، إلا أنّ عام 2025 شهد حتى الآن نمواً سنوياً بنسبة 25%.
ومن بين الإصدارات المتعلقة بالاستدامة في الربع الأول من عام 2025، جاء 75% منها من المملكة العربية السعودية، بما في ذلك إصدارها الأخير لسندات خضراء مقومة باليورو بقيمة 1.5 مليار يورو، والتي تصدرت قائمة المصدرين الجدد للسندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة. وهذا يعكس الفهم العميق في المنطقة لآليات أسواق رأس المال الدولية، وسعيها إلى الاستفادة من أطر الديون لجذب المستثمرين العالميين.
وبالمثل، نجحت دولة الإمارات في مراكمة خبرات مهمة في التعامل مع الحرارة الشديدة وكفاءة استخدام المياه، وهي خبرات يمكن تصديرها في ظل مواجهة العالم لأزمات ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه. كما تعمل المنطقة على ترسيخ مكانتها كمركز مرن ومتكيف للتمويل المستدام. ومن خلال توسيع نطاق الابتكارات التي أثبتت جدواها، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تتولى زمام المبادرة في جهود تشكيل المرحلة المقبلة من الاستثمارات المرتبطة بالاستدامة.
أما التمويل الأزرق الذي يركز على الاستدامة المرتبطة بالمحيطات، فهو ما زال في مراحله الأولى من منظور البيانات والإفصاح. ومن المتوقع أن يتطور هذا القطاع تدريجياً نتيجة تحوّل اهتمام القطاع المالي ليتجاوز تحليلات الكربون والمخاطر الانتقالية أو المادية، إلى تحليل الأهمية المالية للعوامل المرتبطة بالطبيعة والمياه. مؤخراً، أطلقنا في بلومبرغ خدمة تحليلات الطبيعة والتنوع البيولوجي، ونواصل مراقبة تطورات السوق لضمان تطور عروضنا لتلبية احتياجات عملائنا.
3. تكثف الجهات التنظيمية في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون جهودها في مجال الحوكمة من خلال اتخاذ تدابير جريئة. كيف يسهم التعاون الدولي في تسريع نضج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في منطقة الخليج؟
من خلال التعاون مع المجلس الدولي لمعايير الاستدامة، والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية، ومن خلال الشراكات الثنائية مثل إطار التعاون بين دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون (2024–2028)، لا تكتفي الجهات التنظيمية في منطقة الخليج باعتماد أفضل الممارسات الدولية، بل تساهم كذلك في صياغة الأطر العالمية نفسها.
ومن شأن هذا التعاون أن يساهم في تسريع بناء القدرات المؤسسية، وتعزيز البنية التحتية للبيانات، ودعم التوسع في التقارير المتعلقة بالاستدامة في مختلف أنحاء المنطقة. وتضطلع بلومبرغ بدور محوري في هذا السياق، حيث تساعد على الربط بين الأطر العالمية والتنفيذ المحلي، وذلك من خلال تقديم بيانات موثوقة في مجال التمويل المستدام، تلبي معايير الجهات التنظيمية ومعايير تصنيف المستثمرين على حد سواء.
وإضافة إلى ذلك، كانت المشاركة الدولية سبباً في تعزيز مصداقية المنطقة. وإذا استمر هذا الزخم، فمن الممكن أن يجعل المنطقة مركزاً للابتكار المناخي، بدلاً من اتباع الاتجاهات العالمية.