خلال اليومين الماضيين، شهدت دول الخليج عواصف قوية مصحوبة بأمطار غزيرة ورياح عاتية، خلفت أضراراً بالغة، وكان من أبرز الدول التي تاثرت الإمارات وعمان والسعودية والبحرين.
وأثارت هذه العواصف المفاجئة وغير المسبوقة تساؤلات قوية حول مدى تأثير تغير المناخ في حدوثها، إذ دائما ما تربط الدراسات بين حدوث ظواهر جوية متطرفة مثل العواصف والأعاصير والفيضانات وبين تغير المناخ، وفي الوقت نفسه، تعيد إلى الأذهان الكارثة التي حدثت في دولة ليبيا في العام الماضي في مدينة درنة، بعدما تسببت الفيضانات في قتل العشرات وتدمير المدينة بالكامل، وأيضاً المذبحة المناخية التي شهدتها باكستان في عام 2022، حيث أغرقت الفيضانات ثلثي البلاد وخلفت وراءها كوارث اقتصادية واجتماعية لا حصر لها.
هذه الظواهر المناخية المتطرفة، تأتي بعد عدة أشهر من تحذير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة، من أن عام 2023 هو العام الأحر على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، متفوقاً على الأعوام الأخرى بهامش كبير، متوقعة أن يكون عام 2024 هو الأعلى حرارة، وقالت المنظمة في هذا العام إن المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية اقترب من 1.5 درجة مئوية فوق معدلات الحرارة قبل الثورة الصناعية، ومع أن هذا الارتفاع كان بشكل مؤقت، إلا أنه يثير الكثير من المخاوف الكبيرة.
وتعليقاً على العاصفة المدمرة التي شهدتها دول عدة في الخليج العربي، قالت مسؤولة الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كنزي عزمي :”هذه العواصف التي نشهدها مخيفة ومرعبة، وما يخيفنا أكثر هو أننا سنشهد المزيد منها وربما أكثر حديّة وتدميراً في المستقبل إذا لم نتحرّك للعمل سريعاً نحو انتقال عادل للطاقة المتجددة.”
وأضافت:”خلّفت العواصف وراءها خسائر جسيمة وعطلّت الكثير من الأعمال حتى بعد انحسارها، و أصبح من المؤكد علمياً علاقة هذه الحوادث المناخية المتطرفة بأزمة المناخ وأن علينا أن نتوقع المزيد منها، أو حتى غيرها من الحوادث المناخية المتطرفة التي قد تأتي على شكل حرّ شديد وجفاف.”
وتابعت: “ما يحدث هو إشارة إلى أن منطقتنا غير مجهزة لمواجهة هذه الأزمة، على الرغم من توفّر الظروف المالية في بعض الدول، ولذلك يجب أن نلعب دورًا رائدًا في التحرك العالمي لمواجهة هذه الأزمة من خلال تعزيز جهود التكيّف لدينا والتحرّر من الوقود الأحفوري والتحوّل التدريجي الى الطاقة المتجددة كما تعهدت دول العالم في قمة المناخ التاريخية COP28”.
عامين فقط لإنقاذ العالم
وجاءت هذه الأحداث بعد عدة أيام فقط من تصريح قوي أدلى به سيمون ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، خلال كلمة ألقاها في “تشاتام هاوس في لندن”، بأنه لم يبقي أمام العالم سوى عامين لاتخاذ إجراءات لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ.
وفي هذا السياق، دعى ستيل الدول إلى تكثيف العمل لتنفيذ خطط المناخ الوطنية، ومضاعفة تمويل المناخ، مضيفاً أنه بجب على دول مجموعة العشرين، التي تمثل 80٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، أن تُظهر التزامًا قويًا بخطط العمل الوطنية المُحدّثة للمناخ.
وفي تقرير آخر صدر في شهر مارس الماضي، عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن “حالة المناخ العالمي في عام 2023″، أشارت الأمم المتحدة إلى أن الظواهر الجوية المتطرفة تقوِّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأن تكلفة التقاعس عن العمل المناخي أعلى من تكلفة العمل المناخي، لذا فالأمل الوحيد هو التحول إلى الطاقة المتجددة.
وأظهر التقرير أن الأرقام القياسية قد تحطمت مجدداً، وفي بعض الحالات جرى تجاوزها بدرجة كبيرة، وذلك فيما يخص مستويات غازات الاحتباس الحراري، ودرجات حرارة السطح، وحرارة المحيطات وتحمضها، وارتفاع مستوى سطح البحر، والغطاء الجليدي البحري في المنطقة القطبية الجنوبية، وتقلص مساحات الأنهار الجليدية، وهو ما علق عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، بأن “إن جميع المؤشرات الرئيسية تدق نواقيس الخطر، فبعض المعدلات لم تحقق أرقاماً قياسية فحسب، بل فاقتها بكثير، والتغيرات تحدث بوتيرة متسارعة”.
درجات حرارة مخيفة في منطقة الساحل
في الوقت نفسه، أصدرت مبادرة “إسناد الطقس العالمي”، اليوم، دراسة جديدة تكشف فيها كيف تسبب تغير المناخ في موجة حر شديدة وغير مسبوقة، في منطقة الساحل التي ضربت السكان الضعفاء في شهر أبريل الماضي.
في هذا التوقيت، شهدت منطقة عبر منطقة الساحل وغرب أفريقيا حرارة شديدة، حيث وصلت درجات الحرارة القصوى في منطقة الساحل إلى أكثر من 45 درجة مئوية، وسجلت كايس في مالي 48.5 درجة مئوية في 3 أبريل.
وتم الإبلاغ عن درجات حرارة شديدة الارتفاع في جميع أنحاء منطقة الساحل، بما في ذلك السنغال وغينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد، وفي العديد من هذه البلدان، انقطعت الكهرباء أثناء موجة الحر، مما جعل من الصعب بشكل خاص على السكان التكيف مع درجات الحرارة القصوى.
44 جثة في مقبرة واحدة في باماكو
وقالت الدراسة التي أجرتها المبادرة: “يمكن القول إن موجات الحر هي النوع الأكثر فتكاً من الظواهر الجوية المتطرفة، وبينما لا يتم الإبلاغ عن عدد القتلى في كثير من الأحيان ولا يُعرف إلا بعد أشهر من وقوع الحدث، فقد تم الإبلاغ عن زيادة في حالات دخول المستشفى والوفيات من مستشفى غابرييل توري في باماكو، مالي في الفترة من 1 إلى 4 أبريل، وسجل المستشفى 102 حالة وفاة خلال فترة الأربعة أيام، وهو أكثر بكثير من المتوقع، وعلى مدار شهر أبريل بالكامل سجل المستشفى 130 حالة وفاة .
وتشير تقارير المستشفى إلى أن الحرارة لعبت على الأرجح دورًا في العديد من الوفيات. علاوة على ذلك، تم دفن ما يصل إلى 44 جثة في مقبرة واحدة في باماكو يوم الجمعة 5 أبريل .
وطالبت الدراسة بتعزيز البنية التحتية الحيوية مثل الكهرباء والمياه وأنظمة الرعاية الصحية للتكيف مع تزايد وتيرة وشدة الحرارة الشديدة، مما يتطلب زيادة الاستثمار لضمان الوصول الموثوق وتقديم الخدمات.
تكثيف العمل المناخي
وبالتوازي مع هذه الأحداث القاسية، يحاول العالم لاهثا القيام بالعديد من الإجراءات لتكثيف العمل المناخي، فاختُتمت اليوم الدورة السادسة عشرة من القمة العالمية لطاقة المستقبل التي تستضيفها شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، حيث استقطب مركز أبوظبي الوطني للمعارض أبرز خبراء الاستدامة والطاقة والنقل والتخطيط الحضري، حيث تمّ الإعلان عن مشروع جديد رائد في مجال الطاقة النظيفة والعمل المناخي بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن التحول الأخضر، والذي كشف عن إنشاء منصة مشتركة لتبادل أفضل الممارسات والخبرات بين الجهات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز اعتماد السياسات والتقنيات التي تدعم التحول الأخضر في منطقة الخليج، وتحفيز بيئة الأعمال التعاونية بين شركات التكنولوجيا الخضراء في الاتحاد الأوروبي ونظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي.
كتبت- هدير الحضري، صحفية أولى بـESG Mena Arabic