بالتزامن مع تشديد السياسات العالمية للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، تواجه شركات الطاقة ضغوطاً متزايدة للانتقال من وضع أهداف عامة لخفض بصمتها الكربونية إلى استراتيجيات دقيقة تتعامل مع البصمة الكربونية لمنتجاتها بشكل فردي. ويتطلب هذا الأمر إعادة التفكير بشكل كامل في كيفية قياس الانبعاثات والإبلاغ عنها والتخفيف منها.
ويشير تقرير جديد بعنوان “إعادة التفكير في إزالة الكربون من الشركات:التحول من الأهداف المؤسسية إلى استراتيجيات المنتجات“، تم إعداده بالتعاون بين القمة العالمية لطاقة المستقبل وشركة استراتيجي أند الشرق الأوسط، الذراع الاستشارية التابعة لشبكة بي دبليو سي، إلى أن هذه التطورات تشكل فرصة وتحدياً متزامناً لشركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث توفر منتجاتها ذات الكربون المنخفض نسبياً ميزة تنافسية لها في الأسواق العالمية التي تهتم بشكل متزايد بالكربون.
وتجدر الإشارة إلى أن كبرى الشركات العاملة في مجال الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي باتت الآن مُلزمة بالإبلاغ عن إجمالي انبعاثاتها الكربونية، وذلك في إطار التزامها بالجرد الوطني للإبلاغ عن الانبعاثات الكربونية كل عامَين، وهذا بموجب إرشادات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ومع ذلك، فإن سياسات الكربون الوطنية والإقليمية تتطور باستمرار، وغالباً ما تخضع منتجات الطاقة لسياسات يتم سنّها خارج بلد الإنتاج.
تركز السياسات والأطر التنظيمية الجديدة المتعلقة بالكربون بشكل متزايد على البصمة الكربونية للمنتجات. ولهذا يجب على شركات الطاقة إعادة التفكير في استراتيجياتها للحفاظ على تنافسيتها، لا سيما مع وجود لوائح مثل آلية تعديل حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي، والتي تُلزم الشركات بالشفافية الكاملة للإبلاغ عن الانبعاثات الكربونية التي تم إطلاقها عند إنتاج المنتجات ذات الصلة. ويعكس هذا التحول الطلب على الشفافية في الإبلاغ عن الانبعاثات التي ترافق أو تتضمنها المنتجات الفردية في جميع مراحل سلسلة قيمتها، بدءاً من استخراج المواد الخام، ومروراً بالمعالجة والتصنيع والخدمات اللوجستية وحتى التخلص منها في نهاية عمرها الافتراضي.
في هذا الصدد، قال جيمس توماس، الشريك في استراتيجي أند الشرق الأوسط: “تمثل هذه الخطوة لحظة محورية بالنسبة لشركات الطاقة، حيث إن تحديد أهداف عامة للانبعاثات المؤسسية لم يعد كافياً. ومن خلال تبني إزالة الكربون على مستوى المنتجات، تستطيع شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي تحويل الضغوط التنظيمية إلى فرص للنمو، وتعزيز مكانتها كشركات رائدة في مجال التحول العالمي للطاقة”.
هذا ويقدم التقرير إطاراً ثلاثي الأبعاد يمثل المنظور الحالي لأحدث السياسات العالمية التي تؤثر على القطاعات والمنتجات، هذا ويُسهم الإطار في تمكين شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي من مواءمة جهودها في مجال المحاسبة الكربونية وتخفيف الانبعاثات مع المتطلبات التنظيمية وتوقعات السوق. ويساعد هذا النهج الشركات على الاستجابة بشكل عملي للتحولات في السياسات ومطالب أصحاب المصلحة، مما يجعلها في وضع متقدم على منافسيها الذين يلتزمون بالأهداف التقليدية للانبعاثات على مستوى المؤسسة.
وأضافت لين السباعي، المديرة العامة لشركة “آر إكس الشرق الأوسط“، ورئيسة القمة العالمية لطاقة المستقبل: “ثمة فرصة حقيقية أمام شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق الريادة، وذلك من خلال الاستفادة من الاستراتيجيات المبتكرة لإزالة الكربون بما يتماشى مع المتطلبات العالمية. ولن يعمل هذا التحول على حماية قدرتها على الوصول إلى السوق فحسب، بل سيضعها أيضاً في مكانة رائدة في الاقتصاد منخفض الكربون”.
استخدام محاسبة الكربون لتحقيق ميزة تنافسية
يسهم التحول إلى محاسبة الكربون على مستوى المنتج في تحقيق العديد من المزايا الاستراتيجية لشركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل تصميم حلول مخصصة لخفض الانبعاثات بما يتوافق مع معايير السوق، وتحسين الامتثال للسياسات العالمية، ورفع مستوى الشفافية فيما يُعنى بالمنتجات لتعزيز ثقة العملاء وبناء سمعة قوية، كما أنه يوفر المرونة اللازمة للتكيف مع التغيرات في السياسات وديناميات السوق، مما يعزز الاستجابة والقدرة على الصمود على المدى الطويل.
الإجراءات الرئيسية للتحول إلى محاسبة الكربون على مستوى المنتجات
ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن تنفيذ استراتيجية محاسبة الكربون على مستوى المنتجات ينطوي على بعض التحديات، ولم تشرع العديد من شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي بعد في وضع وتطبيق سياسات محاسبة الكربون على مستوى الشركات، ولذا فمن المؤكد أنها لم تتطرق لها بعد على مستوى المنتجات الفردية.
ولا تزال العديد من دول مجلس التعاون الخليجي في طور إعداد أجندتها التنظيمية والتشريعية المتعلقة بالانبعاثات الكربونية. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر تبني منهجيات قوية وإدارة قدر كبير من البيانات لضمان الدقة في تحديد كمية الانبعاثات من المرافق المشتركة، ولا سيما بالعمليات المعقدة.
لتجاوز هذه التحديات واستغلال الفرص المتاحة، يحدد التقرير أربعة أبعاد رئيسية يجب أن تركز عليها شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي. في ضوء هذا، يتعين على الشركات القيام بما يلي:
- وضع أُطر عمل قوية لمحاسبة الكربون على مستوى المنتجات، بما يتوافق مع اللوائح العالمية، وتطبيق تلك الأُطر وتنفيذها.
- الاستثمار في نُظم أتمتة وإدارة البيانات المتقدمة لضمان دقة تقارير الانبعاثات والامتثال الفوري للسياسات.
- تركيز جهود خفض الانبعاثات الكربونية على المنتجات الموجهة للأسواق ذات اللوائح الصارمة، لضمان الامتثال وتحقيق الميزة التنافسية.
- الاستثمار في القدرات اللازمة لمتابعة وتقييم سياسات الكربون العالمية بشكل مستمر، لضمان المرونة والريادة في هذا المجال.
المسار المستقبلي
بينما تواصل دول مجلس التعاون الخليجي ترسيخ مكانتها كقوة رائدة في قطاع الطاقة العالمية، يظهر التحول نحو إزالة الكربون على مستوى المنتجات كفرصة محورية لتقديم نموذج يحتذى به في هذا المجال. باتخاذ هذه الخطوات اليوم، ستكون شركات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي في وضع مثالي لمواكبة التغييرات المستقبلية، وتعزيز استجابتها وقدرتها على الصمود ودعم نموها في عالم يولي اهتماماً متزايداً بالحد من البصمة الكربونية.
تتعاون شركة استراتيجي أند الشرق الأوسط، بصفتها شريك لتوفير المعرفة والمرئيات، مع القمة العالمية لطاقة المستقبل 2025، وهي الفعالية الإقليمية الأبرز لتعزيز الطاقة النظيفة والاستدامة وتستضيفها شركة مصدر في إطار فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة.. للاطلاع على التقرير كاملاً، برجاء الضغط على الرابط التالي.