Home » تقرير أممي: ثلث مخزونات الأسماك في العالم تُستغل بشكل مفرط

تقرير أممي: ثلث مخزونات الأسماك في العالم تُستغل بشكل مفرط

by Elhadary

في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات المنعقد في مدينة نيس الفرنسية، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تحذيرًا من أن أكثر من 35% من مخزونات الأسماك البحرية في العالم تُصاد بطريقة غير مستدامة. وقد شكّل هذا الرقم محور النقاشات في اليوم الثالث من المؤتمر، مسلطًا الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه النظم البيئية البحرية.

أوضح الدكتور مانويل بارانجي، مساعد المدير العام للفاو، أن الأنشطة البشرية مثل الصيد الجائر وتغير المناخ وسوء إدارة الموارد تواصل إنهاك المحيطات. ومع ذلك، أشار إلى أن الأمل لا يزال قائمًا: فالإدارة الفعالة تُحدث فرقًا ملموسًا.

وقال بارانجي: “إذا شبهنا الأمر بالبنك، فنحن نسحب أكثر مما تولده الفوائد. نحن نستنزف رأس المال”.

يحمل التقرير عنوان “استعراض حالة الموارد السمكية البحرية في العالم لعام 2025”، وهو أشمل تقارير الفاو حتى الآن، مستندًا إلى بيانات من 2,570 مخزونًا من الأسماك. ويقدم التقرير صورة معقدة: رغم أن أكثر من ثلث المخزونات تُستغل بشكل مفرط، فإن 77% من الأسماك المستهلكة عالميًا ما تزال تأتي من مصادر تدار بطريقة مستدامة.

وأكد بارانجي: “الإدارة الفعالة تؤتي ثمارها. نحن نعلم كيف نعيد بناء المخزونات”.

اختلالات إقليمية كبيرة

أظهر التقرير تباينًا صارخًا بين المناطق. ففي سواحل المحيط الهادئ بأميركا الشمالية، يتم صيد أكثر من 90% من المخزونات بطريقة مستدامة، وترتفع النسبة إلى أكثر من 85% في أستراليا ونيوزيلندا. أما في القارة القطبية الجنوبية، الخاضعة لتنظيمات دولية صارمة، فتُعد جميع المخزونات مستدامة.

لكن الصورة تختلف تمامًا في مناطق أخرى. ففي شمال غرب إفريقيا، من المغرب إلى خليج غينيا، يتم صيد أكثر من نصف المخزونات بشكل مفرط، مع غياب مؤشرات واضحة على التعافي. وتُعد أوضاع البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود أكثر سوءًا، حيث تُصنّف 65% من المخزونات على أنها غير مستدامة. ورغم ذلك، فإن انخفاض عدد قوارب الصيد في البحر المتوسط بنسبة تقارب الثلث خلال العقد الماضي يعطي إشارات إيجابية على بدء تأثير السياسات الإصلاحية.

ويشير بارانجي إلى أن النجاح في إدارة المصايد يتطلب استثمارات كبيرة لا تتوفر في كل المناطق. وقال: “الإدارة العلمية مكلفة. بعض الدول لا تمتلك البنية التحتية أو المؤسسات أو أنظمة المراقبة اللازمة. نحن بحاجة إلى دعم هذه المناطق، لا لومها، بل تمكينها من استعادة مخزونها”.

قصة تعافٍ: التونة كمثال

ومن أبرز قصص النجاح التي وثقها التقرير هي تعافي التونة. فبعد أن كانت على وشك الانهيار، أصبحت اليوم 87% من مخزونات التونة الرئيسية تُدار بشكل مستدام، و99% من السوق العالمي للتونة يأتي من هذه المخزونات. ويرجع ذلك، بحسب بارانجي، إلى الإدارة الصارمة والمراقبة الفعالة والامتثال الجاد.

توقعت الفاو أن تلعب نتائج التقرير دورًا محوريًا في رسم سياسات الحماية البحرية حول العالم. وقد تعاونت المنظمة مع 25 هيئة إقليمية لإدارة المصايد من أجل تعزيز الشفافية والإصلاح، وتعتقد أن هذا النموذج قابل للتكرار إذا توفر الالتزام السياسي.

مصايد مستدامة من أجل سبل العيش

بالتزامن مع المؤتمر، أنهت الدول مفاوضاتها على الإعلان السياسي الذي سيُعتمد في ختام المؤتمر ضمن “خطة نيس للعمل من أجل المحيطات”، والتي تتماشى مع “إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي” الهادف لحماية 30% من المحيطات والأراضي بحلول عام 2030.

وشهدت جلسات المؤتمر نقاشات واسعة حول أهمية دعم الصيادين الصغار وتعزيز الاقتصاد الأزرق الشامل، خصوصًا في المناطق التي تعتمد فيها مجتمعات بأكملها على الصيد كمصدر أساسي للغذاء والدخل.

وقال بارانجي: “هناك 600 مليون شخص حول العالم يعتمدون على الصيد وتربية الأحياء المائية في معيشتهم. في بعض الدول، تُعتبر الكائنات البحرية المصدر الرئيسي للبروتين. نحن لسنا منفصلين عن المحيط، بل نحن جزء منه”.

ومع اقتراب المؤتمر من نهايته، يبقى تحذير الفاو واضحًا: ثلث المخزونات السمكية العالمية تحت ضغط مفرط. لكن التقرير يقدم أيضًا رسالة نادرة في قضايا المناخ والتنوع البيولوجي – دليلًا على أن التعافي ممكن.

كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في افتتاح المؤتمر:
“ما فُقد خلال جيل، يمكن أن يعود خلال جيل.”

You may also like