أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أشهر عن تخصيص عام 2025 ليكون “عام المجتمع”، بعد انتهاء عام الاستدامة، وبالتالي أصبح هناك توجه نحو تفعيل سياسات ومبادرات جديدة تُسهم في إحداث تغيير شامل في مجتمع الإمارات .
و يُركز “عام المجتمع” على إحداث تغيير اجتماعي إيجابي، ويتمثل الهدف الرئيسي في بناء المواطن الإماراتي ليصبح فرداً قادراً على مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين، ومتقدماً على بقية دول العالم.
ولأول مرة، تُطلق دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة مجتمعية شاملة للاعتراف بالتنوع الثقافي بين سكانها، الذين لا يقتصرون على الإماراتيين العرب فحسب، بل يشملون أيضاً العمال الوافدين من غير العرب، وتُعدّ هذه المبادرة فريدة من نوعها.
الهدف من المبادرة
أُعلن عن المبادرة في 26 يناير 2025 من قِبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة مواضيع سنوية لتوجيه المشاريع والمبادرات وخيارات السياسات في جميع إماراتها السبع منذ عام 2016، وفي العام الجاري يُمثل التحول إلى “عام المجتمع” في عام 2025 استراتيجية شاملة للنهوض بالدولة، تُقر بأهمية التناغم الاجتماعي بقدر أهمية الاستدامة البيئية.
لماذا يُعد هذا ضروريًا؟ حسنًا، يجب على المرء أن يُلقي نظرة فاحصة على التاريخ الحديث لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث لا تزال صورة الإمارات كمجتمع قبلي راسخة في ذاكرة كبار السن الذين نشأوا في كنفها، أما الجيل الذي تلا ذلك مباشرة، فقد نشأ على يد آبائهم وإخوتهم الأكبر سنًا الذين عايشوا المجتمع القبلي الإماراتي عن كثب.
في السياث ذاته، غيّر استخراج النفط وبناء اقتصاد قوي قائم على التصدير من وضع البلاد بسرعة، حيث شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، شأنها شأن بقية دول الخليج، تغيرًا سريعًا يضاهي سرعة اليابان خلال فترة نهضة ميجي، ويُقال إن 200 عام من التطور قد غطت تلك الفترة، حيث سارت عملية تحول الإمارات العربية المتحدة على نفس النهج.
من مجتمع قبلي إلى اقتصاد عالمي
لقد واجه التحول من مجموعة من قرى الصيد القبلية إلى اقتصاد متعدد الثقافات متطور للغاية تحديات جمة، وهنا تُمثل مبادرة “عام المجتمع” دافعًا قويًا لاحتضان التغيير والاعتراف بالقيمة التي تُقدمها الجاليات المهاجرة، وخاصة الجالية الهندية.
وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى مدينتي دبي وأبو ظبي، اللتين لطالما كانتا موطنًا للمغتربين المهرة ورواد الأعمال من جميع أنحاء العالم، وحدث تغيير اجتماعي كبير، إذ يمكن القول ببساطة أن البلاد لم تعد كما كانت، ويرى البعض أن الشباب غارقون في دوامة النجاح الاقتصادي، مما أدى إلى إفراطهم في المادية ، من وجهة نظر بعض النقاد.
وقال لاعب كرة القدم الإماراتي حسن مراد عام ٢٠١٨: “تبذل الحكومة قصارى جهدها لتعزيز الفرص والإنتاجية بين شباب الدولة، لكننا نحتاج أيضًا إلى تواصل صريح ومنفتح من أولياء الأمور”.
“وأضاف: “نحن دولة صغيرة ذات ثقافة محافظة، لكننا شهدنا تطورًا سريعًا في بلدنا، وأخشى أن يعتقد شبابنا أنهم عصريون لمجرد أنهم يعيشون فيه، ما أراه يحدث اليوم هو أن الشباب ينامون نصف يومهم ظنًا منهم أن كل شيء سهل، و الحقيقة هي أن العمل الجاد للناس هو ما بنى ما يعتبرونه الآن أمرًا مسلمًا به، ومهمة الشباب هي دفع هذا التطور إلى أبعد مدى”.
وأكد على وجهة نظره بسؤال: “إذا انهارت التكنولوجيا، فماذا سيفعلون؟”
في حين أن مبادرة عام المجتمع ٢٠٢٥ لا تهدف إلى تدريب الشباب الإماراتي على العيش في قرى الصيد، إلا أنها تهدف إلى تقريب المسافة بين كبار السن والشباب من خلال ترسيخ فهم معنى أن تكون إماراتيًا، لذا يمكن القول بأن التماسك الاجتماعي هو شعار عام المجتمع بكل معانيه.
التنويع الاقتصادي والتخطيط العمراني
في ضوء الهدف الطموح لدولة الإمارات العربية المتحدة المتمثل في تنويع الاقتصاد، سيضم المستقبل فنيين وخبراء ومدراء وعمالًا مهرة من جميع أنحاء العالم يعملون في قطاعات متنوعة، و سيصبحون مقيمين دائمين، بل حتى بشكل دائم.
ولدولة الإمارات العربية المتحدة بعض الخبرة في استقبال مثل هؤلاء الوافدين، وخاصة المهندسين ورواد الأعمال القادمين من أماكن مثل الهند وباكستان وبنغلاديش وتركيا وروسيا وغيرها، ومع ذلك، قد يتجاوز حجم الاستيعاب في المستقبل هذا بكثير، وما كان في السابق وجهةً رائجةً للعمال الأجانب المؤقتين، أصبح الآن بيئةً مواتيةً للراغبين في جعل البلاد موطنهم الدائم، ويمكن للمراكز السكانية في البلاد أن تستفيد بشكل كبير من الجهود المكثفة في مجال التجديد الحضري.
دور التجديد الحضري
يتمحور التجديد الحضري في جوهره حول وضع المجتمعات المحلية في صميم جميع قرارات التخطيط الحضري، ويتمثل هدفه الرئيسي في بناء مدينةٍ صالحةٍ للعيش ومريحةٍ بما يكفي لضمان بقاء مواطنيها كمقيمين دائمين، كما يُرسي أسسًا متينةً لتطور الثقافات المدنية الحضري، وفي هذا السياق، من المؤكد أن المدن القائمة تستفيد من التجديد الحضري من خلال مبادرات إعادة التطوير والتصميم المركزة.
وتتاح هذه الأسس الجديدة في إدارة وتخطيط المدن من خلال الاستفادة من وجهات النظر العلمية المتقدمة في تصميم المدن وهندستها المعمارية، إلى جانب الاستخدام الذكي للبيانات، رغم عدم الإعلان عن مثل هذه المبادرات خلال عام المجتمع، يظل من المهم أن تصميم المدينة وبنيتها التحتية يلعبان دورًا لا يقل أهمية عن المواقف والمنظورات الثقافية في بناء المجتمع.
يقول حسين سجواني، رئيس مجلس إدارة داماك العقارية: “ما يميز دبي هو الحيوية التي تتميز بها مجتمعاتها بتنوع ثقافاتها وخلفياتها، لذلك، يجب على المطورين إدراك أن تلبية الطلب المتزايد على السكن لا يقتصر على إنشاء وحدات سكنية فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير الأحياء والمجتمعات. علاوة على ذلك، يتعلق الأمر ببناء بيئة مناسبة للمستقبل، مع مراعاة الاعتبارات البيئية والاجتماعية في صميم جميع المشاريع وخطط التجديد.”
التوجهات المستقبلية لعام الاستدامة
في الوقت الراهن، ما يمكن معرفته بثقة هو أن مبادرات عام الاستدامة المقبلة ستركز على تعزيز ثقافة التطوع وترسيخ الهوية السياسية الإماراتية المتميزة التي تُبرزها الدولة على الساحة العالمية، حيث أصبح لدى الإمارات الآن تركيبة ديموغرافية فريدة من نوعها في تنوعها.
وفي الواقع، لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة منشغلة ببناء الوطن. ومع ذلك، فإن أي دولة تشهد مثل هذا التغيير الشامل في فترة وجيزة ستُحسن صنعًا بإنعاش مجتمعاتها، ولن تظهر آثارها الحقيقية إلا في وقت لاحق من العام، وإذا صدقنا إحصاءات عام الاستدامة السابق، فيبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك نموذجًا راسخًا لإحداث التغيير الاجتماعي.
وفي هذا السياق، تختلف دولة الإمارات العربية المتحدة، شأنها شأن دول الخليج الأخرى، عن غيرها من الاقتصادات المتقدمة، إذ اضطرت إلى التحول بسرعة من مستوى تكنولوجي واجتماعي سابق إلى أن تصبح رائدة عالمية في قطاعاتها، لذا يجب التأكيد على أن دولةً كالإمارات العربية المتحدة، التي اضطرت إلى التحول بسرعة، عليها أن تتعامل بصدق مع آثار هذا التغيير في نسيجها الاجتماعي.
ومن المرجح أن يُحدث التحول القادم في مجال الطاقة تغييرًا جذريًا في العديد من المجتمعات حول العالم، مما يتطلب تفكيرًا غير تقليدي ومبادرات جريئة تشمل شرائح واسعة من سكانها، ويُعد الحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال هذه التغييرات أمرًا بالغ الأهمية.
بقلم: عمر أحمد