إن الحديث المتواصل عن افتقار العالم إلى الكوادر والمواهب يزيد الضغوط لاستقطاب الموظفين ذوي الكفاءة العالية والاحتفاظ بهم. لا شك أن توظيف الأشخاص المناسبين ذوي الكفاءة أصبح أمراً عسيراً. ومع أن هذا ليس أمراً جديداً، لكن هذه المشكلة تظل عائقاً أساسياً في طريق تحقيق النجاح. يواجه العديد من الشركات صعوبات في تنمية مهارات أطقم العمل لديها بفاعلية؛ مما يعني أن عليها أن تركز على إيجاد السبل التي يمكن أن تعزز بها رأس مالها البشري في البيئة الحالية. تتمثل إحدى هذه الفرص البينة التي تم التغافل عنها إلى حد كبير، في كيف يمكن للشركات أن تدعم الموظفات العائدات إلى العمل بعد فترة توقف عن العمل أو الحصول على إجازة.
لنلقِ نظرة على الحقائق:
- يذكر البنك الدولي أن العالم يخسر من ثرواته 160 تريليون دولار أمريكي (أي تقريباً ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي)؛ نظراً لعدم المساواة بين الجنسين في الكسب المالي طوال حياة الفرد.
-
- 1,8 مليون امرأة تركن العمل في خضم الجائحة – فضلاً عن النسبة الحالية من السيدات اللاتي توقفن عن مزاولة العمل.
-
- كشف بنك جوليوس باير أن الشركات التي تضم أكثر من 30% من النساء في فرق العمل التنفيذية لديها من المرجح أن تتفوق على الشركات التي تمثل النساء فيها نسبة تتراوح بين 10% و30%.
-
- يرى 83% من جيل الألفية أن توفر بيئة عمل متنوعة وشاملة يسهم بدور مهم عند تقييم الشركات وعروض التوظيف.
ثمة عدد من الأسباب التي قد تفضي بالمرأة إلى الانقطاع عن العمل، مثل: الأمومة، أو السفر إلى الخارج، أو الانفصال، أو المرض، أو العناية بأحد الأقارب، أو حالة وفاة. لا تغيِّر هذه الأمور شيئاً في قدرتها على العمل أو ميلها إليه، بيد أن الشعور المؤلم لا يزال قائماً. قد يفترض أصحاب العمل أن السيدات اللاتي يرغبن في أخذ فترة راحة أقل التزاماً، أو درايةً بأحدث الاتجاهات والتقنيات، أو إنتاجيةً أو قدرةً على الاعتماد عليهن. وهذه الافتراضات عارية تماماً من الصحة. فكما رأينا تحدث فترات التوقف عن العمل في جميع أنواع الظروف، وغالباً ما تعود النساء إلى العمل ولديهن مهارات ورؤى جديدة. وفي حقيقة الأمر، بينت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يحصلون على فترات توقف عن العمل قد يكونون أكثر تحفزاً وإنتاجية عند عودتهم إلى العمل مقارنة بالأشخاص الذين لم يحصلوا على فترات توقف عن العمل.
كما أنه لا يتم استغلال قدرات النساء إلى حد كبير في عالم الأعمال، ويتحول قصر الرؤية هذا إلى خسارة مادية يعاني منها كل قطاع تقريباً في جميع أرجاء العالم. كما يؤثر هذا تأثيراً جوهرياً على الصحة، والسلامة العقلية، وإنتاجية الشركات. قد يؤدي عدم قدرة الأشخاص على استغلال قدراتهم وإمكانياتهم إلى حدوث مشكلات اجتماعية، مثل: الفقر وعدم المساواة. ونحن بحاجة إلى التأكد من أن هؤلاء النساء يدركن قيمتهن، ويجب علينا أن نحث المؤسسات على خلق بيئات عمل متنوعة يستفيد منها الموظفون والأعمال على حدٍ سواء.
ما الذي يمكن أن تفعله الشركات؟
الخطوة الأولى هي تنفيذ برنامج العودة إلى العمل، وهو تدريب مدفوع مخصص لإعادة دمج النساء العائدات إلى العمل وصقل مهاراتهن في بيئة العمل. غالباً ما تستقطب برامج العودة إلى العمل النساء اللاتي يكافحن من أجل الوصول إلى شغل منصب المدير، أو عضو مجلس الإدارة، أو نائب الرئيس، أو الإدارة التنفيذية. يمكن أن تستفيد منطقة الشرق الأوسط من الأمثلة التي تضعها المؤسسات العالمية مثل: أكسنتشر، وأمازون، وديل، ومايكروسوفت، التي تعرض جميعاً برامج شهيرة تخص العودة إلى العمل. شرعت بعض المؤسسات المرموقة في السير على النهج ذاته محلياً، بيد أن العديد لا يزال بإمكانه الاستفادة من هذه الأمثلة.
يجب على فريق الإدارة العُليا فهم القيمة والتأثير اللذين تمثلاه النساء العائدات إلى العمل قبل القيام بأي شيء. وقد يكون من المجدي الاستعانة بخبير مختص في هذا المجال لمناقشة الخيارات والفرص مع كبار القادة، والإجابة عن أي تساؤلات أو استفسارات لديهم. يجب أن يشعروا بالرضا والراحة في اتباع هذا النهج.
تتضمن بعض الخطوات التي يمكن للشركات اتخاذها بوصفها جزءاً من سياسة عودة النساء إلى العمل ما يلي:
-
- ترتيبات العمل المرنة: يقع على عاتق العديد من المشاركات في برامج العودة إلى العمل مسؤوليات تقديم العناية للأسرة أو غيرها من الالتزامات الشخصية؛ لذا يمكن للشركات أن تعرض ترتيبات عمل مرنة، مثل: العمل بدوام جزئي، والعمل عن بُعد، وأسابيع العمل المكثفة لتناسب هذه الاحتياجات.
-
- المساعدة في رعاية الأطفال: يمكن أن يساعد دعم رعاية الأطفال في خفض العبء المالي لرعاية الأطفال، وأن يسهل على المشاركات التركيز في عملهن.
-
- برامج الصحة: يمكن لدورات اللياقة، وورش العمل حول إدارة الضغوطات، والوصول إلى الرعاية الصحية في الموقع أن تحث جميع النساء العائدات إلى العمل على المحافظة على الحالة الصحية والإنتاجية.
-
- فرص التطوير المهني: تضمن فرص التطوير المهني مثل: التعويض عن المصروفات الدراسية، وحضور المؤتمرات، وبرامج تطوير مهارات القيادة أن تكتسب الموظفات المهارات التي يحتجن إليها للنجاح في المؤسسة ومواصلة تطوير مسيرتهن المهنية.
نصائح للنساء العائدات إلى العمل
عندما تتأهب النساء للعودة إلى العمل، فالأمر لا يتعلق بالتعويل على الشركة فحسب، فالاطلاع على المحيط المهني الدائم التطور واستعادة مسيرتك المهنية قد يكون هو شغلك الشاغل. ومع ذلك، يمكن للتخطيط الجيد والسلوك الإيجابي مساعدة الأفراد في تجاوز هذه المرحلة الانتقالية على نحو أكثر سلاسة ونجاحاً من خلال التقييم الذاتي، والبحث، والتواصل، وتطوير الإستراتيجية.
عندما تقيِّمين عودتك إلى عملك ذاتياً، يجب عليكِ تحديد الأهداف والطموحات التي تسعين لها. ما الذي تريدين تحقيقه على المستوى المهني؟ ما نوع بيئة العمل التي تبحثين عنها؟ من المهم أن تقيمي مهاراتك، وأن تفهمي نقاط القوة والضعف لديك. بمجرد تحديد هذه الجوانب، يجب عليكِ تحديد التزاماتك وفق الجداول الزمنية المحددة وعدد الساعات التي يمكنكِ تخصيصها للعمل أسبوعياً.
الخطوة التالية هي تحديد المسارات المهنية المحتملة، وتصفح منشورات التوظيف، والاطلاع على اتجاهات المجال للتعرُّف على الفرص الحالية. بعد ذلك، تواصلي مع رفقاء العمل القدامى والجدد، وحاولي التواصل مع زملائك السابقين، ومشرفيكِ ومسؤولي التواصل بالمجال للاطلاع على آخر المستجدات ومعرفة الفرص المحتملة. كما يمكنكِ استخدام المصادر المتاحة عبر الإنترنت. ويمكنكِ استغلال الدورات المتاحة عبر الإنترنت والبرامج التدريبية ومجتمعات التطوير المهني لإعادة تنشيط مهاراتك ومعرفتك. يجب عليك أن تصقليِ مهارات كلما سنحت الفرصة بذلك، فدائماً ما يعود بالنفع عليك.
وأخيراً، يمكنك وضع إستراتيجية بإنشاء سيرة ذاتية وخطاب تعريفي أو تحديثه. كما يجب عليكِ أيضاً إبراز مهارتكِ وخبراتك وإنجازاتكِ وتخصيصها بما يتلاءم مع المناصب المستهدفة، والتدرب على مهارات إجراء المقابلات الشخصية. قد يجد البعض أنه من المفيد طلب الحصول على المساعدة المهنية والتواصل مع أحد المختصين في التطوير المهني.
وأؤمن بشدة بأن دعم برامج عودة النساء إلى العمل مفيد للجميع من كافة النواحي. ويمكن لبرامج عودة النساء إلى العمل أن تمكّن الشركات من استقطاب أفضل الكوادر والمواهب والمحافظة عليها وبناء بيئة عمل أكثر تنوعاً وشمولية وتحسين مستوى إنتاجيتها وزيادة أرباحها. كما يمكنها مساعدة الأفراد على تحديث مهاراتهم وتعلم مهارات جديدة والتواصل مع متخصصين آخرين.
كتبت: نيكي مابوراس هايدر، موجهة التطوير المهني ومؤسسة NMH