لطالما ارتبطت صناعة الموضة بعالم الأناقة والابتكار والتجديد السريع. لكن خلف هذا البريق، يكمن نظام قائم على الإنتاج المفرط، والاتجاهات العابرة، وتكاليف بيئية باهظة. ومع ازدياد وعي المستهلكين في جميع أنحاء العالم، وهنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، بتأثيراتهم البيئية، تجد الصناعة نفسها مضطرة لمواجهة حقيقة لم يعد بالإمكان تجاهلها: النموذج التقليدي الخطي القائم على “الشراء، والاستهلاك، والتخلص” أصبح قديماً، غير مستدام، ولا يتماشى مع واقع اليوم.
ووفقاً لتقرير صادر عن McKinsey & Company، فإن 67% من المستهلكين العالميين يأخذون بعين الاعتبار عنصر الاستدامة عند اتخاذ قرارات الشراء.
في قلب هذا التغيير يقف مفهوم الموضة الدائرية، وهو حركة قائمة على إعادة البيع، والتأجير، وإعادة التدوير الإبداعي. لم يعد الأمر مجرد توجه عابر، بل إعادة تصور شاملة لعالم الموضة.
التكلفة الحقيقية للموضة السريعة
على مستوى العالم، تسهم صناعة الموضة بنسبة 10% من انبعاثات الكربون، أي أكثر من الانبعاثات الناتجة عن الرحلات الجوية والشحن البحري مجتمعين. وتُعد الموضة السريعة، التي تعتمد على الإنتاج السريع والمكثف لملابس رخيصة وعابرة، من أبرز العوامل المسببة لهذا التدهور. إذ يتم التخلص من 85% من إجمالي المنسوجات المنتجة سنوياً، ما يؤدي إلى امتلاء مكبات النفايات وتفاقم الأضرار البيئية. وفي دولة الإمارات، يتم استهلاك ما يقارب 500 مليون قطعة من المنسوجات سنوياً، يتم التخلص من أكثر من 210,000 طن منها. وهذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل دلائل على حاجة الصناعة إلى إعادة ابتكار نفسها بشكل عاجل.
ثقافة الاستهلاك السريع اليوم تكلفنا أكثر من مجرد مساحات مكبات النفايات؛ فهي تستنزف الموارد، وتستغل القوى العاملة، وتغذي شغفاً غير مستدام بالتجديد المستمر. ومع تزايد وضوح هذه العواقب، تبرز أمامنا فرصة حقيقية لتغيير المسار.
من الملكية إلى التجربة: صعود المستهلك الواعي
في الإمارات، حيث تمتزج التقاليد بالابتكار، أصبح الشغف بالموضة والتوجه نحو الريادة يلتقيان برغبة متزايدة في الاستهلاك الواعي. تزدهر منصات الموضة الدائرية التي تقدم خدمات تأجير العلامات الفاخرة، والمنتجات المستعملة المُنتقاة بعناية، والقطع المعاد تدويرها، لأنها تلبي ما يريده المستهلكون اليوم: أناقة لها معنى وقيمة.
وتشير تقارير ThredUp إلى أن سوق السلع المستعملة العالمية سيصل إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو أسرع بثلاثة أضعاف مقارنة بتجارة التجزئة التقليدية.
الاقتصاد الدائري كضرورة تجارية
لم تعد الاستدامة بالنسبة لصناعة الموضة مجرد مسؤولية اجتماعية، بل أصبحت ميزة تنافسية حقيقية.
تشجع النماذج الدائرية على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء، حيث يؤدي كل تفاعل إلى آخر. بدلاً من عمليات الشراء لمرة واحدة، تعمل العلامات التجارية على إنشاء مجتمعات من العملاء المخلصين والمتشابهين في التفكير. وفي سوق التجزئة التنافسي بدولة الإمارات، تُعد هذه النوعية من الولاء كنزاً ثميناً.
تخسر صناعة الموضة سنوياً حوالي 500 مليار دولار بسبب الملابس غير المستغلة بشكل كافٍ وقلة إعادة التدوير. لا تعمل النماذج الدائرية فقط على تقليل هذه الخسائر، بل تخلق أيضاً فرصاً اقتصادية كبيرة. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق تأجير الملابس وحده إلى 7.5 مليار دولار بحلول عام 2026، مدفوعاً بمستهلكين ينظرون إلى الموضة ليس كمنتج فقط، بل كخدمة وتجربة.
هوية جديدة للأناقة في الإمارات
تتمتع دولة الإمارات بمكانة فريدة تؤهلها لقيادة مسار الاستدامة في مجال الموضة بالمنطقة. مع قطاع تجزئة مزدهر، وسمعة راسخة في عالم الفخامة، وقاعدة مستهلكين أكثر وعياً، تمتلك الإمارات الأدوات والمنصة اللازمة لوضع معايير جديدة.
الموضة الدائرية ليست تنازلاً عن الجودة أو الجمال، بل هي مساحة خصبة للإبداع والابتكار والتطور. إنها دعوة للمصممين لإعادة التفكير في المواد، وتحدٍ لتجار التجزئة لإعادة تصور مفهوم القيمة، وفرصة للمستهلكين للمساهمة في حركة أوسع من مجرد مواكبة موسمية.
مستقبل الموضة دائري
تتطور الموضة، ويجب علينا أن نتطور معها. ومع تسليط الضوء العالمي على أهمية الاستدامة، تثبت الموضة الدائرية أن المسؤولية البيئية والربحية التجارية يمكن أن تسيرا جنباً إلى جنب.
بالنسبة للعلامات التجارية، الرسالة واضحة: التكيف أو فقدان الصلة. وبالنسبة للمستهلكين، الدعوة بسيطة: ارتدِ قيمك، وليس فقط أسلوبك.
في الإمارات وحول العالم، المستقبل للموضة الدائرية، وهو قيد التحقق بالفعل، خياراً واعياً تلو الآخر.
بقلم: روزي غان، مؤسسة Endless