شهدت صناعة السيارات الكهربائية تطورات متسارعة حولتها من مجرد إشارة للوعي البيئي والتصميم المبتكر إلى عنصر محوري في بنية الطاقة الحديثة، وقد تجلى هذا التحول بوضوح في دولة الإمارات، التي تواصل دفع عجلة الابتكار، وتتبنّى مساراً طموحاً نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات، مدعوماً باستثمارات استراتيجية في الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة.
وفي ظل تسارع التكنولوجيا، ظهرت ابتكارات واعدة تساهم في إعادة رسم العلاقة بين وسائل النقل وتوليد الطاقة، ومن أبرزها “تقنية الشحن ثنائي الاتجاه”، التي تُمكّن المركبات الكهربائية من التفاعل مع الشبكة الكهربائية بمرونة، سواء من خلال سحب الطاقة أو تغذيتها بها عند الحاجة.
ويتوقع أن تُحدث التقنية الجديدة تحولًا جذريًا في دور المركبات الكهربائية، حيث ستجعل من كل سيارة محطة طاقة متنقلة، قادرة على ضخ الطاقة المخزنة في بطارياتها إلى شبكة الكهرباء، لاسيما خلال أوقات الذروة أو في فترات انخفاض إنتاج الطاقة المتجددة، كما هو الحال في أيام الشتاء أو الأجواء الغائمة أو في فترة ما بعد غروب الشمس. ويُعد نظام “من المركبة إلى الشبكة” من أبرز التطبيقات الحديثة القابلة للتنفيذ، حيث بات بإمكان المركبة تزويد المنازل بالطاقة عبر نظام “من المركبة إلى المنزل”، أو دعم المباني التجارية من خلال حلول “المركبة إلى المبنى”. وبهذا، تنتقل السيارة الكهربائية من كونها مستهلكًا للطاقة إلى شريك فاعل يسهم في دعم استقرار الشبكة الكهربائية ورفع كفاءتها.
وتُعد الطاقة الشمسية أحد المكونات الرئيسة لمزيج الطاقة في دولة الإمارات، إلا أن طبيعتها المتقلبة تمثل تحديًا لمشغلي الشبكات الكهربائية، الذين يتعين عليهم المحافظة على إحداث توازن دقيق بين العرض والطلب. وفي هذا السياق، تبرز المركبات الكهربائية المزودة بتقنية الشحن ثنائي الاتجاه كحل واعد للتعامل مع هذه التقلبات، إذ يمكن شحنها خلال ساعات النهار، حين يكون إنتاج الطاقة الشمسية في ذروته ويكون الطلب منخفضًا نسبيًا، ثم استخدام ما خزّنته من طاقة لضخها مجددًا إلى الشبكة خلال فترات المساء، عند انخفاض الإنتاج وارتفاع الاستهلاك، مما يخفف الاعتماد على محطات الذروة التي تعمل بالوقود الأحفوري.
وتولي دولة الإمارات اهتمامًا متزايدًا بتطوير بنيتها التحتية، وهو ما برز جليًا خلال فعاليات “معرض ومؤتمر المركبات الكهربائية – EVIS أبوظبي 2025″، الذي شهد الإعلان عن “البنية التحتية الوطنية للشحن ثنائي الاتجاه في دولة الإمارات”، في خطوة محورية تعكس التزام الدولة بتبنّي حلول الطاقة الذكية. كما تعبّر هذه المبادرة عن رؤيتها الطموحة في تمكين المركبات الكهربائية من أداء دور فعّال ضمن منظومتها الأوسع للتحول في قطاع الطاقة. ورغم أن الإطلاق الرسمي يمثل محطة بارزة تؤكد المضي قدمًا في دعم التنقل الكهربائي، إلا أن التفاصيل المتعلقة بالإرشادات الفنية أو الأطر التشغيلية الخاصة بهذه البنية التحتية لم تُعلن بعد بشكل مفصّل.
مثل هذه الفرص تعتبر واعدة لمدن مثل دبي وأبوظبي، والتي تسعى إلى توظيف التحول نحو التنقل الكهربائي ضمن مبادراتها الطموحة، وكذلك الأمر عالمياً، حيث تمضي شركات تصنيع السيارات والتكنولوجيا في هذا الاتجاه، إذ أعلنت شركات كبرى مثل “جنرال موتورز” و”تسلا” أن طرازاتها المستقبلية من المركبات الكهربائية ستكون مزودة بـ “تقنية الشحن ثنائي الاتجاه” كميزة قياسية. وهذا يعني أن عدد المركبات المتصلة بالشبكة سيرتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يوفّر أدوات جديدة لمخططي الطاقة، لاسيما في المناطق التي تتبنى أهدافاً طموحة لتخفيض انبعاثات الكربون، مثل دول الخليج.
ولكن، لتحقيق الفائدة القصوى من تقنية الشحن ثنائي الاتجاه، لا يكفي فقط توفر التكنولوجيا، وإنما يتطلب أيضاً إيجاد منظومة متكاملة تشمل تشريعات واضحة، وتكاملًا فعّالًا مع الشبكة، وحوافز موجهة للمستخدمين. وينبغي أن تتضمن السياسات آليات دقيقة لقياس كمية الطاقة التي تضخها المركبات في الشبكة وتعويض أصحابها عنها، إضافة إلى توحيد معايير البنية التحتية لضمان التوافق التشغيلي بين مختلف أنواع السيارات وأجهزة الشحن.
وفي ظل هذا التقدم، برزت مخاوف تتعلق بعمر البطارية، حيث يُعتقد أن عمليات التفريغ المتكررة قد تسرّع من تآكلها. ومع ذلك، تؤكد دراسات حديثة أن التحكم المنضبط في دورات الشحن والتفريغ، خصوصًا عند إدارتها عبر أنظمة ذكية لإدارة الطاقة، يمكن أن يساهم في الحفاظ على صحة البطارية، بل وتعزيزها من خلال الحفاظ على مستويات شحن مثالية.
تعكس طموحات دولة الإمارات في قطاع الطاقة، ممثلة بـ “استراتيجية الطاقة 2050” وهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بيئة مثالية لاحتضان الابتكار والتقنيات المستقبلية. ومع التوجّه لتركيب أكثر من 500 محطة شحن للمركبات الكهربائية بحلول نهاية عام 2025، وتوسّع اعتماد هذه المركبات ضمن الأساطيل العامة والخاصة، تملك الإمارات كل المقومات التي تؤهلها لأن تكون في صدارة الدول التي تتبنى تقنيات تكامل المركبات مع شبكة الكهرباء.
ورغم أن تقنية الشحن ثنائي الاتجاه ليست حلاً شاملاً بمفردها، إلا أنها تمثّل دعامة قوية لجهود الدولة في تعزيز استدامة قطاع الطاقة. فهي تتيح الاستفادة القصوى من المركبات الكهربائية ومن الطاقة الشمسية المتجددة، وتشكل نقطة التقاء بين قطاعي النقل والطاقة. ومع مواصلة دولة الإمارات ريادتها في الابتكار بمجال الطاقة، قد تتحول فكرة المركبات كمصادر طاقة متنقلة من إمكانية تقنية إلى ركيزة أساسية ضمن استراتيجية وطنية شاملة لمستقبل الطاقة المستدام
بقلم: شين مولوني، خبير عالمي في مجال الطاقة والمدير الإداري لشركة روكبورو لإدارة المشاريع.