Home » تمكين حلول المياه المستمدة من المجتمعات المحلية

تمكين حلول المياه المستمدة من المجتمعات المحلية

by Elhadary

في شتّى بقاع العالم، يبذل أفرادٌ جهوداً استثنائية كل يوم في سبيل التصدي لتحديات المياه باستخدام ما لديهم من أدوات متاحة ضمن مجتمعاتهم المحلية التي يعرفونها حق المعرفة. وفي عالمٍ يعاني من أزمة مياه متزايدة، لا تعتبر هذه الجهود مصدر إلهام وحسب، بل هي ضرورة لا غنى عنها. 

ومن واقع تجربتي كخبيرٍ أمضى عقوداً من الزمن في دراسة تقنيات المياه المستدامة، تيقّنت أن الابتكار غالباً ما يولَد من رحم الحاجة. وقد دفعني العيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي عانت لوقت طويل من ندرة المياه، إلى تكريس جزءٍ كبيرٍ من مسيرتي المهنية لاستكشاف سبل تحقيق الاستفادة المثلى من كل قطرة مياه بشكلٍ آمنٍ ومستدام. وبالرغم من التقدّم المحرز في هذا المجال، لا تزال أزمة المياه العالمية في تفاقمٍ مستمر.

بحلول عام 2030، من المتوقع أن يواجه العالم فجوة بنسبة 40% بين الطلب المتزايد على المياه العذبة والإمدادات المتاحة، وقد يعاني نحو 1.6 مليار شخص من عدم القدرة على الوصول إلى مياه الشرب الآمنة. وفي خضم هذه التحديات، فإن نسبة 80% من مياه الصرف الصحي يتم تصريفها دون معالجة، مما يسهم في تلوث النظم البيئية الحيوية ويعرّض الصحة العامة للخطر.

في المختبرات البحثية، قد تكون لدينا إمكانية الوصول إلى مواد متطورة وأنظمة معقدة لإيجاد حلول فعالة. إلا أن مقومات الابتكار على أرض الواقع تختلف جذرياً، حيث تعتمد الحلول على البساطة، والقدرة على التكيف، والمعرفة المجتمعية المحلية. وإنني على قناعة راسخة بأن هذه الحلول المجتمعية لا تقل أهمية عن الابتكارات عالية التقنية التي نتوصل إليها من خلال الأبحاث الأكاديمية.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة للسياسات المحلية والبنى التحتية واسعة النطاق، إلا أنه لا بد من التركيز بشكل متوازٍ على الاستثمار في الابتكارات المجتمعية التي ينبثق عنها حلولٌ تنشأ من المجتمعات المحلية نفسها. فهذه المبادرات لا تنتظر الظروف المثالية، بل تنشأ استجابةً للاحتياجات العاجلة، ونتيجة معايشة التحديات اليومية، والفهم العميق للاحتياجات المحلية.

وهنا يبرز دور المنصات العالمية مثل “جائزة زايد للاستدامة” في دعم هذه الجهود. وبصفتي عضواً في لجنة التحكيم، فقد أتيحت لي فرصة تقييم حلول استثنائية ابتكرتها مؤسسات تعمل في بعض أكثر المجتمعات تأثراً بشح المياه حول العالم.

ومن الأمثلة على ذلك مؤسسة “ووتروم” من سنغافورة والتي فازت سابقاً بالجائزة عن ابتكارها لمرشحات مياه محمولة تعمل على توفير المياه النظيفة في المناطق المعرضة للكوارث. ومؤسسة “ليدرز” من بنغلاديش التي طورت موارد مياه مجتمعية لمساعدة السكان المعرضين لتداعيات تغير المناخ على التكيف مع أزمة الفيضانات. ومؤسسة “بيتر ويذ ووتر” من فرنسا التي تساعد الأسر المحرومة في المناطق الحضرية على الحصول على مياه نظيفة داخل منازلهم لتحسين الصحة العامة والظروف المعيشية. ومؤسسة “سكاي جوس فاونديشن” التي تعتبر من بين أحدث الفائزين بالجائزة، وهي تقدم أنظمة ترشيح مياه منخفضة التكلفة تعمل بالجاذبية الأرضية لتوفير مياه شرب آمنة وموثوقة لملايين الأشخاص في المجتمعات المحرومة ضمن 70 دولة، وتمكين المجتمعات المحلية من إدارة إمداداتها المائية  بشكل مستدام.

إن ما يجمع بين هذه الحلول هو  فعاليتها العملية، وتأثيرها الإيجابي الملموس، وأهميتها من ناحية معالجة الاحتياجات الملحة. كما أنها غير مرهونة بتوفر الظروف المثالية أو الموارد المالية الكافية، بل تنطلق من الإمكانيات المتاحة، ومن ثم تتوسع بدعم من المجتمع العالمي. وقد نجح الفائزون بالجائزة مجتمعين في زيادة إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة لما يزيد عن 11.4 مليون شخص، مما أسهم في تحسين الظروف المعيشية اليومية، وتعزيز الصحة العامة على المدى الطويل، وتوفير فرص تنموية مستدامة، وزيادة مرونة المجتمعات وقدرتها على التكيف مع التحديات.

وقد رسخت دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسها مكانة ريادية في تبنّي الابتكار في مجال المياه من خلال اعتماد تقنيات متطورة في تحلية المياه وإعادة استخدام المياه المعالجة، لتقدم نموذجاً في تسخير التكنولوجيا لمعالجة التحديات المائية على نطاق واسع. إلا أن الابتكار الحقيقي لا ينبغي أن يقتصر على المختبرات البحثية أو شركات المرافق الكبرى فقط. إذ يتطلب إحداث نقلة نوعية في مجال الأمن المائي العالمي بناء منظومات دعم متكاملة للمبتكرين تشمل جميع المستويات، بما في ذلك توفير التمويل، والمنصات اللازمة لإبراز حلولهم، وتسهيل بناء الشراكات، والاحتفاء بإنجازاتهم وإسهاماتهم. 

في الحقيقة، لا تمثل المياه تحدياً على الجانب العلمي فحسب، بل تشكل تحدياً إنسانياً أيضاً. ولاستدامة هذا المورد الحيوي، فإننا نحتاج إلى تعزيز التعاون عبر القطاعات وبين الدول. وعلى الرغم من توافر حلول مبتكرة واعدة بالفعل، فإن التحدي الحالي يتمثل في توسيع نطاق تأثيرها.

في هذا الإطار، أدعو جميع المؤسسات والمدارس الثانوية التي تعمل على معالجة تحديات المياه أو الاستدامة إلى التقديم إلى جائزة زايد للاستدامة ضمن أي من فئاتها الست التي تشمل الصحة والغذاء والطاقة والمياه والعمل المناخي والمدارس الثانوية العالمية، والاستفادة من هذه الفرصة الفريدة للانضمام إلى مجتمع عالمي من المبتكرين الذين يعملون على بناء مستقبل أكثر أماناً وإنصافاً للجميع.

بقلم الدكتور حسان عرفات، مدير أول مركز البحوث والابتكار في الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد، وأستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة خليفة

You may also like