Home » المياه المعالجة مفتاح الازدهار المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 

المياه المعالجة مفتاح الازدهار المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 

by Elhadary

باعتبارها المنطقة الأكثر معاناة من الإجهاد المائي في العالم، تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديًا مستمرًا – فموردها الأكثر قيمة، المياه العذبة، يتناقص مع ازدهار الاقتصادات والتغيرات المناخية.

نتيجة للنمو السكاني والأنشطة الاقتصادية، تتعرض مصادر المياه التقليدية مثل الأنهار والمياه الجوفية لضغوط متزايدة، مما يزيد من تفاقم المشكلة بسبب التلوث الناتج عن المخلفات البشرية والصرف الزراعي والصناعي. وهذا يؤدي إلى حلقة مفرغة، حيث تعيق ندرة المياه النمو الاقتصادي، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم أزمة المياه من خلال التلوث.

بصفتي ممثل المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أدرك تمامًا هذه التحديات حيث إنها تمثل جزءًا من تركيزنا اليومي في المعهد. ومع ذلك، هناك حلول مبتكرة تبرز، تقدم مسارًا نحو مستقبل أكثر استدامة وسلامًا. أحد هذه الحلول يتمثل في الاستفادة من المياه المعالجة، وهو مورد يزداد حجمه مع ازدهار الاقتصاد، على عكس المياه العذبة التقليدية.

المياه المعالجة، التي تُعرف أيضًا بالمياه المستصلحة، هي ناتج معالجة مياه الصرف الصحي (أو الزراعي) من خلال عمليات تنقية صارمة لإزالة الملوثات، مما يجعلها صالحة لاستخدامات مختلفة، مثل الري وإعادة تغذية المياه الجوفية.

تنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من 21.5 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي سنويًا في إطار البلديات، ولكن لا يُعاد استخدام سوى نسبة صغيرة منها حاليًا. ومع ذلك، فإن نسبة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي تتزايد بشكل مطرد عامًا بعد عام، مما يفتح أمامنا فرصة فريدة: بدلاً من النظر إلى المياه المعالجة كمخلفات، يرى المعهد الدولي لإدارة المياه إمكاناتها كمصدر متنامٍ للمياه العذبة للبلدان التي استنفدت مواردها المائية التقليدية.

إمكانات المياه المعالجة تتجاوز الأمن المائي – نحو التعاون الإقليمي

توفر المياه المعالجة أكثر من مجرد الأمن المائي. فمن خلال تقديم مصدر جديد ومستقل عبر إعادة الاستخدام، يمكننا تقليل الضغط على الموارد المائية العذبة المشتركة، وتعزيز التعاون.

في الواقع، يروج المعهد الدولي لإدارة المياه بشكل نشط للتعاون الإقليمي في إدارة المياه المعالجة. تخيل مستقبلًا تتعاون فيه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مشاريع إعادة استخدام المياه. يمكن أن يؤدي تبادل المعرفة والخبرات إلى خطط إقليمية تضمن الوصول العادل إلى المياه. كما أن البحث والتطوير المشترك يمكن أن يساهما في تحسين تقنيات المعالجة، مما يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة، وهو ما يعود بالنفع على جميع الدول المشاركة. يمكن أن يبني هذا النوع من التعاون الثقة ويعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه الأمن المائي.

الاستثمار في معالجة المياه – خيار استراتيجي طويل الأمد

تتطلب معالجة المياه استثمارات أولية، لكنها ضئيلة مقارنة بالتكاليف طويلة الأجل لندرة المياه. نحن نتعاون حاليًا مع العديد من الحكومات وأصحاب المصلحة الآخرين في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتصميم نماذج أعمال مبتكرة حول دائرية المياه لتعزيز استصلاح مياه الصرف الصحي، ونشارك في تطوير مناهج تحليل التكلفة والفائدة لدعم الاستثمار نحو تسريع إعادة الاستخدام في الزراعة.

لا يقتصر التزام المعهد الدولي لإدارة المياه على البحث والتطوير فحسب، بل يمتد إلى العمل مع صناع القرار، ومرافق المياه، والقطاع الخاص للتغلب على الحواجز الاجتماعية والتنظيمية. كما يعمل المعهد على تعزيز قبول المجتمع لمشاريع إعادة استخدام المياه من خلال إشراك المجتمعات المحلية والتعامل بشفافية مع مخاوفها، سواء المتعلقة بالصحة أو العادات الثقافية. فمن خلال توعية المجتمعات بإجراءات المعالجة الصارمة والفوائد التي تترتب على إعادة الاستخدام، يمكننا التغلب على المفاهيم الخاطئة وبناء أساس قوي لإدارة المياه بشكل تعاوني.

المياه المعالجة ليست مجرد حل تقني؛ بل هي نهج استراتيجي لإدارة المياه يمكن أن يفتح آفاقًا نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

من خلال استغلال هذا المورد الذي غالبًا ما يُهمل، يمكننا تقليل الضغط على الموارد المائية العذبة، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وحماية البيئة. ومن خلال الجهود التعاونية التي تعالج الجوانب التقنية والمالية والاجتماعية، يمكننا تحويل المياه المعالجة إلى مورد ثمين، يضمن مستقبلاً أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.

بقم: دكتور يوسف بروزين، الممثل الإقليمي للمعهد الدولي لإدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

You may also like