أصبحت الاستدامة ضرورة استراتيجية، لهذا تتجه المؤسسات في الشرق الأوسط بشكل متزايد نحو الحلول المبتكرة للتكنولوجيا مفتوحة المصدر، لتسريع تحقيق أهدافها المرجوة المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وبدءًا من قطاعات الطاقة والرعاية الصحية إلى التمويل وقطاعات الحكومة، تُمكّن التكنولوجيا مفتوحة المصدر المؤسسات بجميع أنحاء المنطقة من تقليل بصمتها المؤثرة سلبًا على البيئة، وتنفيذ عمليات أكثر مرونة، وتلبية المطالب المتزايدة لامتلاك الشفافية والاستعداد للمساءلة.
حلول مبتكرة للتكنولوجيا مفتوحة المصدر لممارسات خضراء أكثر مراعاة للبيئة
ساهمت التكنولوجيا مفتوحة المصدر والتقنيات السحابية الأصلية بدور رئيسي في هذا التحول الرقمي؛ إذ تتيح الفرصة للمؤسسات لإنجاز المزيد بأقل الموارد. تساعد المنصات مفتوحة المصدر الشركات على تصميم وتطوير تطبيقات يمكنها التكيُّف مع مستويات استخدام أعلى دون تعطل أو إبطاء، بجانب فعالية التكلفة، مع تحقيق كفاءة الطاقة والاستدامة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك (SLES) (SUSE Linux Enterprise Server) الذي يساعد الشركات على تحسين كفاءة استخدام الطاقة في مراكز البيانات بنسبة تتراوح بين 20% و40%. ومن خلال الاستفادة من الأداء العالي، وانخفاض نسبة التكاليف العامة، وقدرات الأتمتة المتقدمة التي يتمتع بها (SLES)، تتمكن مراكز البيانات من خفض عبء العمل على وحدة المعالجة المركزية، واستهلاك الطاقة، ومتطلبات التبريد؛ لتؤدي كل هذه العوامل بشكل مباشر إلى تقليل انبعاثات الكربون. ومع التوسع السريع للبنية التحتية الرقمية بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، تبرز عواقب وخيمة على البيئة بسبب انبعاثات الكربون الكبيرة، لذا يتم تسليط الضوء بشكل متزايد على ضرورة تعزيز كفاءة الطاقة، أي ببساطة استخدام قدر أقل من الطاقة لأداء نفس المهمة.
في الوقت نفسه، تبرز مراكز البيانات الخضراء المدعومة بمصادر الطاقة المتجددة، والمبنية على التقنيات السحابية الأصلية، ومجموعة من برمجيات التشغيل مفتوحة المصدر، كركائز أساسية للاقتصاد الرقمي بالمنطقة. ومن خلال نشر أدوات تنسيق الحاويات مثل (Kubernetes)، وتبني حلول الحوسبة الطرفية القائمة على تقنيات (SUSE)، تتمكن الشركات من تقليل زمن الاستجابة، وتقليص مقدار المعلومات لنقلها واستخدامها بشكل أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، مما يسهم أيضًا في تحسين الكفاءة الكربونية، مع تعزيز الاعتمادية في البيئات الموزّعة.
وبالفعل تُنفَّذ هذه الممارسات بمختلف أنحاء منطقة الخليج، فعلى سبيل المثال تُحقق الشركات والمجتمعات المحلية داخل المدينة المستدامة في دبي ومشروع التطوير العقاري مدينة “الشارقة المستدامة”، استفادة عظيمة من التقنيات الخضراء التي تهدف إلى حماية البيئة وتحسين الاستدامة، بدءًا من الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح وصولاً إلى أنظمة الزراعة المستدامة، وذلك بهدف تقليص الانبعاثات والمساهمة في بناء مدن ذكية ومستدامة. من الجدير بالذكر أن الحلول المبتكرة للتكنولوجيا مفتوحة المصدر تلعب دورًا بارزًا في تعزيز هذه الممارسات من خلال توفير عمود فقري رقمي مرن يدعم أنظمة الشبكات الذكية، وإدارة الطاقة، والتحليلات في الوقت الفعلي.
نهج التطوير والتشغيل (DevOps) المستدام، والاستخدام الذكي للموارد
أصبحت الممارسات المستدامة لتطوير البرمجيات تمثل التوجّه السائد؛ إذ تقود أدوات التطوير والتشغيل (DevOps) مفتوحة المصدر المشهد.
توفر شركة (SUSE) محفظة من الحلول مفتوحة المصدر، تُمكّن بها فرق العمل من إنشاء خطوط أنابيب التطوير الأكثر فعالية والتزويد الآلي عبر أتمتة إدارة البنية التحتية الأساسية التي تعمل على تبسيط المهام، مثل إدارة التكوين والنشر والتزويد، وذلك للتخلص من المهام اليدوية المملة والمتكررة وهدر الوقت لتخفيف التكاليف التشغيلية. ومما لا شك فيه أن هذا التحول يُمكّن جيلًا جديدًا من تكنولوجيا المعلومات الأكثر مرونة وسرعة ومراعاة للبيئة، بدءًا من مرحلة التطوير وصولًا إلى النشر.
إن عمليات النقل بالحاويات والمحاكاة الافتراضية، التي توفرها حلول (SUSE) لأنظمة (Linux) و(Rancher) على مستوى المؤسسات (SUSE’s enterprise-grade Linux and Rancher solutions)، ترفع من قدرة المؤسسات على تحمل الأعباء، وتشغيل التطبيقات على نطاق واسع، مع التوفير في استخدام الموارد المادية، مما يعزز الاستدامة وكفاءة التكلفة.
تمكين الكفاءات المحلية والابتكار الأكثر شمولية
لا يقتصر تحقيق الاستدامة في المشاريع البيئية فحسب، بل تشمل أيضًا بناء اقتصادات أشمل وأكثر جاهزية للمستقبل. تعزز التكنولوجيا مفتوحة المصدر تبادل المعرفة، والتعاون، وتنمية المهارات، مما له بالغ الأثر في تحقيق أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات طويلة المدى بالمنطقة.
تستثمر الحكومات والجامعات والشركات بجميع أنحاء الشرق الأوسط في برامج التعليم والتأهيل مفتوحة المصدر. تدعم شركة (SUSE) هذه الجهود من خلال المسارات التدريبية والتأهيلية التي تُمكن المواهب الشابة من بناء خبرات في أنظمة (Linux)، و(Kubernetes)، والتقنيات السحابية الأصلية، مما يسهم في سد فجوة نقص المهارات على المستوى الإقليمي ومنح فرص جديدة للابتكار الرقمي.
وذلك يتوافق مع الاستراتيجيات الوطنية الأخرى الأكثر شمولًا، ففي المملكة العربية السعودية تسعى “مبادرة السعودية الخضراء” لتحقيق أهداف طموحة تتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة أعمال التشجير واستصلاح الأراضي وحماية المناطق البرية والبحرية.
وفي الوقت نفسه، يتم تنفيذ “استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050” من خلال تبني الدولة مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة كمنهجية لمكافحة التغيرات المناخية، ومن أبرز هذه المشروعات، مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، ومحطة براكة للطاقة النووية. ومما لا شك فيه أن هذا النوع من المبادرات يتطلب بنية تحتية رقمية، وابتكارات ترتكز على الشفافية، والكفاءة، والقدرة على التكيُّف.
الحوكمة والشفافية والتوافق العالمي
نرى الآن كيف تستفيد الحوكمة بشكل كبير من الحلول المُبتكرة للتكنولوجيا مفتوحة المصدر، بعد أن أصبحت تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) أداة حاسمة لقياس وتعزيز الأداء. أثبتت الحلول المُبتكرة للتكنولوجيا مفتوحة المصدر أهميتها القصوى في بناء عمليات رقمية آمنة ومتوافقة وشفافة. تساعد تقنيات (SUSE) مفتوحة المصدر المؤسسات في التدقيق على الأنظمة ومراقبتها وتكييفها في الوقت الفعلي، مما يضمن التوافق مع اللوائح المحلية والدولية الصارمة.
يدعم هذا الالتزام الجهود المتنامية المبذولة على الصعيد الإقليمي لبناء أنظمة مالية متوافقة مع الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة “قطارات الاتحاد” في دولة الإمارات العربية المتحدة إطار عمل للتمويل المستدام لدعم إصدار السندات الخضراء، وتمويل البنية التحتية منخفضة الكربون المتوافقة مع المعايير الدولية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
بناء مستقبل أكثر مراعاة للبيئة وأكثر وعيًا
تعمل التكنولوجيا مفتوحة المصدر على تسريع تحوّل الشرق الأوسط نحو مستقبل مستدام، بدءًا من إزالة الكربون من البنية التحتية الرقمية، إلى رعاية النظم الإيكولوجية للمواهب مفتوحة المصدر، وتعزيز الحوكمة. تُثبت التكنولوجيا مفتوحة المصدر أن الأداء والاستدامة يمكن أن يسيرا معًا، مما يتيح للمؤسسات تقليل استهلاك الطاقة، وخفض التكاليف، وبناء عمليات مرنة ومتوافقة مع المعايير.
في عالم تعمل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على إعادة تشكيل مستقبل الأعمال، تبرز التكنولوجيا مفتوحة المصدركعامل تمكين استراتيجي، يمنح المبتكرين في المنطقة فرصة حقيقية لتولي القيادة بمسؤولية، مع تحقيق النمو المستدام، وخلق قيمة طويلة الأمد للمجتمع والكوكب.
بقلم “إسماعيل إبراهيم”، مدير المبيعات والمدير العام، بشركة (SUSE) بمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا