تستضيف العاصمة السعودية الرياض اليوم، فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD COP16)، حيث يجتمع قادة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة العالميين لتسريع التقدم في إدارة الأراضي المستدامة.
ويُعد مؤتمر الأطراف السادس عشر لحظة حاسمة للحكومات والجهات غير الحكومية لإبطاء وعكس تدهور الأراضي، وتتعلق عله الآمال لوقف فقدان الأراضي الخصبة على مستوى العالم، بعدما انعقد مؤتمر الأطراف الخامس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD COP15) في أبيدجان، كوت ديفوار، في الفترة من 9 إلى 20 مايو 2022، وهناك تم اعتماد 38 قرارًا تسلط الضوء على دور استدامة الأراضي في مواجهة تحديات متعددة من خلال تعهد عالمي موحد لتعزيز القدرة على الصمود أمام الجفاف وزيادة الاستثمار في استعادة الأراضي والحفاظ عليها من أجل تحقيق الازدهار للجميع.
ويعود إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، إلى عام 1994، حيث تعد المعاهدة العالمية الوحيدة الملزمة قانونياً – ووقعتها 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، لتربط بين الحفاظ على البيئة والإدارة المستدامة للأراضي من أجل التنمية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة للأراضي بهدف تجنب تقليل وعكس تدهور الأراضي، وضمان استمرار توفر الموارد الطبيعية القائمة على الأرض الضرورية لبقاء الإنسان.
انتخاب المملكة العربية السعودية لرئاسة كوب 16
وخلال العام الحالي، تم انتخاب المملكة العربية السعودية رسمياً رئيساً لمؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في حفل الافتتاح، وذلك خلال الجلسة العامة الافتتاحية لمؤتمر الأطراف “كوب 16” الرياض.
وبهذا الإعلان، تبدأ فترة ولايتها لمدة عامين لدفع العمل الدولي بشأن إعادة تأهيل الأراضي واستصلاحها واستعادة خصوبتها وحيويتها ومقاومة التصحر والجفاف.
وخلال الافتتاح الرسمي للمؤتمر، حث رئيس مؤتمر الأطراف “كوب 16” الرياض، وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي معالي المهندس عبدالرحمن عبدالمحسن الفضلي المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات مهمة لتحقيق هدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر المتمثل في إعادة تأهيل 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول العام 2030.
وقال معاليه في الجلسة: “نحن بصدد مرحلة حاسمة للأرض التي نعيش عليها ولشعوبنا كافة، حيث تعد استعادة خصوبة الأراضي وتعزيز قدراتنا على مواجهة الجفاف مسألتين ضروريتين للحيلولة دون وقوع العديد من الأزمات التي تعصف بالمجتمعات حالياً في جميع أنحاء العالم”.
“منطقة خضراء” وثلاثة مبادرات رئيسية
ويضم المؤتمر هذا العام لأول مرة منطقة خضراء لحشد العمل متعدد الأطراف، والمساعدة في توفير التمويل اللازم لمبادرات إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة. وتشكل جهود تعزيز القدرات على مواجهة تحديات الجفاف العالمية محوراً رئيسياً للدورة الحالية، حيث تم الإعلان عن ثلاث مبادرات دولية رئيسية في اليوم الأول فقط.
وتدور المبادرة الأولى حول شراكة الرياض العالمية لمكافحة الجفاف التي ستحشد العمل الدولي بشأن الارتقاء بمستوى الاستعداد لمواجهة الجفاف، من أجل تحويل الاستجابة العالمية من إدارة الأزمات الطارئة وتقديم الإغاثة بعد وقوع الأزمات إلى اتباع نهج يقوم على الوقاية الاستباقية والاستعداد المسبق قبل حدوث الكوارث، وفي الوقت نفسه، تم إطلاق المرصد الدولي لمواجهة الجفاف وأطلس الجفاف العالمي، وهما مبادرتان تهدفان إلى زيادة أعمال الرصد والتتبع، واتخاذ التدابير الوقائية، ونشر التوعية بين مختلف الشرائح والفئات المهتمة والمعنية حول الجفاف في جميع أنحاء العالم.
وكانت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر قد أصدرت عشية انطلاق المحادثات متعددة الأطراف في الرياض، تقريراً جديداً يسلط الضوء على حالة الطوارئ العالمية المتزايدة الناجمة عن تدهور الأراضي. وأشارت النتائج الرئيسية إلى الأضرار الناجمة عن الممارسات الزراعية غير المستدامة التي تسهم بما نسبته 80% من إزالة الغابات، وتستحوذ على 70% من استخدام المياه العذبة، في حين يأتي 23% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الزراعة والغابات واستخدام الأراضي. ووفقاً لأحدث تقرير لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تم تصنيف 46% من مساحات الأراضي العالمية ضمن الشريحة الجافة.
مبادرة لمكافحة الجفاف في “كوب 16”
ومن المقرر أن تعمل شراكة الرياض العالمية من أجل القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف، على تحفيز التحول في كيفية التعامل مع تحديات الجفاف في جميع أنحاء العالم.
وبالاعتماد على التأثير الجماعي للمؤسسات العالمية الكبرى، ستتحول آليات مواجهة الجفاف بطريقة جذرية، وبدلاً من الاستجابة الطارئة بعد وقوع الأزمات، سيتم التعامل معها وفق نهج استباقي، وذلك من خلال تعزيز أنظمة الإنذار المبكر والتمويل وتقييم جوانب الضعف، والتخفيف من مخاطر الجفاف.
وقال د. أسامة فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة، ومستشار رئاسة مؤتمر الأطراف “كوب 16” الرياض: “ستعمل المبادرة على تيسير العمل المشترك القائم على التعاون والتنسيق حول العالم، كما ستكون بمثابة “نقطة مركزية شاملة” لتعزيز القدرات والاستعدادات لمواجهة تحديات الجفاف. وستلعب أيضاً دوراً مهماً للغاية في دعم الجهود الرامية للتحول من الاستجابة الطارئة التي تقتصر على تقديم العون والإغاثة بعد وقوع أزمات الجفاف، إلى الاستعداد المسبق لها. ونسعى في الوقت ذاته إلى توفير الموارد العالمية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش في جميع أنحاء العالم”.
ودعا كافة الدول والشركات والمؤسسات المعنية والعلماء والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية والمجتمعات، للانضمام إلى هذه الشراكة المهمة، واتخاذها مكوناً رئيسياً من حركة عالمية لبناء مستقبل قادر على مواجهة الجفاف. وبما أنها تعدّ ضرورة بيئية واقتصادية، يتعين علينا الانطلاق من نهج استباقي لمواجهة الجفاف، والابتعاد عن الممارسات السابقة التي كانت تقوم على تقديم الإغاثة في حالات الطوارئ بعد وقوع الكارثة.
وتحت إشراف الأعضاء المساهمين، ستتولى هذه الشراكة إدارة مكتب دائم لربط الدول والمجتمعات المعرضة للخطر بالموارد الحالية المتاحة، إلى جانب التعاون والتنسيق مع المبادرات الجاري تنفيذها في هذا المجال على مستوى العالم، من أجل مضاعفة التأثير الإيجابي.
وستعطي شراكة الرياض الأولوية أيضاً لإطلاق آليات تمويل جديدة لمواجهة الجفاف، إلى جانب زيادة فرص الحصول على الائتمان وتمويل الأسهم ومنتجات التأمين والمنح المالية، و ستغطي المملكة العربية السعودية نفقات مكتب الشراكة لمدة 10 سنوات على الأقل.
وقال إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر: “مع أنه لا توجد دولة محصنة ضد الجفاف، يعيش 85% من الأشخاص المتضررين منه في دول منخفضة ومتوسطة الدخل. وفي ظل عالمنا الراهن مترابط الأركان في الكثير من المجالات والأنشطة، تقع على عاتقنا مسؤولية جماعية، كما تربطنا مصلحة مشتركة تستدعي مشاركة الجميع في كل مكان، للتعامل مع آثار الجفاف الكارثية التي لا تستثني أي دولة. إنني على ثقة تامة من أن شراكة الرياض العالمية من أجل القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف ستلعب دوراً مهماً في حشد التمويل والإرادة السياسية لمستقبل أكثر استدامة”.
تجدر الإشارة إلى أن موجات الجفاف تؤثر على كافة أركان الأرض تقريباً، وطالت تأثيراتها 1.84 مليار شخص في العام 2022، وأعلنت أكثر من 55 دولة حالات الطوارئ بسبب الجفاف بين عامي 2020 و2023، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وفي الوقت نفسه، يبدو أن تأثيرها يزداد سوءاً. ففي أفريقيا، تأثر 38% من مساحات الأراضي على مستوى القارة بالجفاف بين عامي 2016 و2019 وفق التقارير الرسمية، وشهدت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي دماراً مماثلاً، حيث تأثر 37.9% من مساحة الأراضي خلال نفس الفترة، بناءً على تقارير صدرت عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. ويعتبر الجفاف السبب الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي والمائي، كما أدى إلى نزوح الملايين، فضلاً عن تكبّد الدول المتضررة خسائر اقتصادية فادحة.
إطلاق مرصد مدعوم بالذكاء الاصطناعي لمكافحة الجفاف
وفي الوقت نفسه، انطلق عن الشركاء في المؤتمر المرصد الدولي لمكافحة الجفاف، وهو يمثل أول منصة عالمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي مخصصة للإدارة الاستباقية لنوبات الجفاف .
ويعد إطلاق المرصد فرصة لتعزيز استجابة مختلف دول العالم لتحديات الجفاف، خاصة وأنه يمثل أول منصة عالمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي مخصصة للإدارة الاستباقية للجفاف.
وتشير التوقعات الصادرة عن مراكز بحثية عالمية مرموقة إلى أن 75% من سكان العالم سيتأثرون بموجات الجفاف الشديدة بحلول العام 2050، ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة.
وخلال حفل افتتاح المرصد، وجّهت رئاسة المؤتمر نداءً لممثلي الدول والوفود التي حضرت افتتاح أكبر مؤتمر أممي تستضيفه المملكة على أرضها، للمشاركة الفاعلة في توفير البيانات والخبرات لإثراء آليات عمل هذا المشروع القائم على أحدث ما توصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل تعزيز قدرات الدول والحكومات لمواجهة الجفاف.
وتم التأكيد أن مثل هذه المشاريع تساعد على تلبية الاحتياجات المتنوعة للمناطق المعرضة للجفاف حول العالم. ويمكن الاستفادة من هذا المرصد الذي يساعد الأطراف المعنية في وضع أساس للممارسات المثالية لحماية المجتمعات والاقتصادات والأنظمة البيئية والعمل على تعزيزها باستمرار للوصول إلى الاستدامة المطلوبة.