في مجال تغير المناخ والاستدامة، لطالما واجهت منطقة الشرق الأوسط معركة مع واقع غير معلن- الاختيار بين الرخاء الاقتصادي والمسؤولية البيئية. فتقاطع الفرص المتزايدة في مجالات البيع التجزئة والتجارة والبناء والتصنيع والتصدير، مقابل الارتفاع الهائل في انبعاثات الكربون، يتطلب اهتمامنا الكامل في عام 2024. ولا شك في أن التحذير الذي أطلقته الوكالة الدولية للطاقة بأن معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تمتلك أهدافاً رسمية لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صِفر هو جرس إنذار لا يمكن تجاهله بعد الآن.
الكلفة الحقيقية للتصنيع المستدام
لا يكمن التحدي فقط في إدراك الحاجة إلى التغيير، وإنما أيضاً في فهم الكلفة الحقيقية للتصنيع المستدام. تتضمن هذه العملية استثمارات رأسمالية كبيرة، والغوص في مجالات مجهولة، والتأكيد على أهمية التغيير في كل القطاعات. وبالنسبة إلى قطاع البيع بالتجزئة الفاخرة، حيث تنطوي سلسلة التوريد على استيراد المواد مع عمليات تحول معقدة وشحن عالمي، يصبح التأثير البيئي واسع النطاق ويصعب تتبعه بدقة. تشير تقارير شركة ماكينزي آند كو إلى أن 70% من الشركات تدّعي الاستدامة في ممارساتها، حيث تفتخر علامات التجزئة الفاخرة بوجود أقسام فيها لرعاية بيئية. إلا أنه توجد فجوة بين القول والفعل- فالعلامات التجارية يمكن أن تعبّر عن التزامها من خلال تقارير مكثفة، ولكن فهم حسابات الانبعاثات والعمليات اليومية لتقليل الانبعاثات يكون غير كافٍ في أغلب الأحيان. يتضح من دراسة أجرتها شركة ديلويت عام 2023، إلى أن المستهلكين مستعدون لدفع المزيد من المال من أجل الاستدامة. وقد أعرب ثلث المستهلكين عن ثقة أكبر في العلامات التجارية المعترف بأنها أخلاقية أو مستدامة من قبل أطراف خارجية مستقلة. ويؤكد هذا التحول في سلوك المستهلكين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات مباشرة من قبل العلامات التجارية المعروفة.
لغز الكربون
ثمة سؤال أساسي يُطرح عند دراسة جدوى اعتماد المؤسسات الكبيرة لضوابط ومبادرات تمت ملاحظتها في الكيانات الصغيرة والحركات الشعبية. هل يمكن نقل التركيز من الجوانب المالية للاستدامة إلى تثقيف المستهلكين وتمكينهم لاتخاذ إجراءات هادفة؟ يصبح التعاون عبر سلسلة التوريد أمراً بالغ الأهمية، مما يستلزم من تجار التجزئة التعامل بشكل وثيق مع الموردين والمصنعين والمعنيين لإيجاد حلول مستدامة مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة. في هذا السياق، تكون القياسات الموحدة لثاني أكسيد الكربون هي الركيزة، مما يوفر تقييمات موحدة لبصمة الكربون في الصناعات. وهنا، يقف برنامج “ألفا نيرو” Alpha Nero الجديد على أهبة الاستعداد للمساهمة على نطاق واسع. ولتبسيط وقياس هذه العملية المعقدة، استخدمنا معايير عالمية تلبي بروتوكول الغازات الدفيئة لإصدار شهادات المواد، بالإضافة إلى التعاون مع مزودي الطاقة المحليين مثل هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا). وكانت النتيجة حلاً برمجياً قادراً على التعمق في انبعاثات العميل وفصلها حسب المشروع والمواد وحتى العناصر المحددة داخل كل مشروع. يوفر برنامج ألفا نيرو تخصيصاً مفصلاً لعمليات التصنيع، بالإضافة إلى قابلية التوسع، ومعياراً فعلياً مقابل معيار مثالي في جميع المجالات، وسهولة التنفيذ، ومدخلات يدوية محدودة وتصور ملموس لتأثير الانبعاثات. وبالنظر إلى المستقبل، تتضمن المرحلة التالية تسخير قوة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي لتحديد التناقضات في العمليات والتوصية بمواد بديلة. والواقع أن هذه القدرة المتقدمة لا تمكننا من تحسين عملياتنا الداخلية فحسب، وإنما لديها أيضاً القدرة على تصنيف العلامات التجارية بناءً على انبعاثاتها المستدامة، مما يعزز التزامنا بدفع التغيير الإيجابي داخل الصناعة. إن توقعات المستهلكين في سوق اليوم تتطلب الاستدامة باعتبارها مطلباً أساسياً، وليس مسعى اختياريًا. وقد يؤثر تجاهل هذا التحول الحتمي في المحصلة النهائية وسمعة العلامة التجارية. ومع تفضيل المستهلكين للممارسات الواعية بيئياً، يتوحب على الشركات تبني الاستدامة كخيار استراتيجي، وجزء لا يتجزأ من النجاح في مشهد استهلاكي قائم على القيمة. يواجه الشرق الأوسط، بصناعاته السريعة التطور، تحدياً غير مسبوق في استهلاك الموارد. وأصبحت الدعوة إلى الاستدامة أعلى من أي وقت مضى، وتعمل النفايات والانبعاثات الواسعة النطاق في تجارة التجزئة السريعة كحافز للتغيير. تدرك شركة ألفا نيرو، باعتبارها شركة تصنيع إقليمية، أن الاستدامة ليست مجرد خيار – بل هي الطريق الوحيد للمضي قدماً.
الاستدامة التي تعزز الربحية من أجل تبديد المفهوم القائل إن الاستدامة “مكلفة جداً”، يجب على الصناعة التثقيف والابتكار وتبني التغيير. وينبغي على الحكومات والهيئات التنظيمية في دول مجلس التعاون الخليجي أن تلعب دوراً محورياً، من خلال إنشاء أطر شاملة وتقديم حوافز للممارسات الصديقة للبيئة. ويجسّد حل حساب الكربون المحلي الخاص بشركة ألفا نيرو هذا الالتزام، مع التركيز على الحاجة إلى أساليب دقيقة لإدارة المعلومات الشاملة. وتأكيداً على إمكانية إدارة الأعمال باستخدام ممارسات مستدامة، قمنا في “ألفا نيرو”، بين يناير وأكتوبر 2023، بتقليل نفايات المطامر بمقدار النصف وزيادة الإيرادات بنسبة 35%. كما زاد عدد موظفي الشركة بنسبة تزيد عن 100% ليصل إلى 250 موظفاً خلال هذه الفترة. في الختام، يمكن تغيير الحجة القائلة بأن التصنيع المستدام “مكلف للغاية” من خلال التعليم والمسؤولية الاجتماعية والابتكار والتصميم. يتمتع قطاع التصنيع بالقدرة على أن يكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي من خلال مواءمة الممارسات التجارية مع أهداف الاستدامة العالمية. وتكلفة الاستدامة ليست مصروفاً، وإنما هي استثمار في مستقبل تتعايش فيه المسؤولية والابتكار والازدهار بانسجام.
بقلم: سيمون هاكر، الرئيس التنفيذي لشركة ألفا نيرو