تجاوزت المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) اليوم حد التبرعات والأعمال الخيرية لتصبح ضرورة استراتيجية تؤثر على قرارات المستهلكين وتجذب الكفاءات المتميزة وتؤثر في سمعة الشركة، لكن لا يزال تحقيق تأثير اجتماعي ملموس من خلال هذه المبادرات يمثل تحديًا لكثير من المؤسسات.
وهنا يأتي دور تحليل البيانات، ليس كبديل للاهتمام الحقيقي بالمجتمع، ولكن كأداة فعالة تساعد في التخطيط والتنفيذ وقياس نجاح المبادرات الاجتماعية للشركات، فدعونا نلقي نظرة على الثورة التي أحدثها تحليل البيانات في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات.
في الماضي، كانت جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات غالبًا ما ترتكز على القضايا التي تهم مؤسسي الشركة أو موظفيها؛ ولكن بالرجوع إلى تحليلات البيانات، يمكن بناء نهج أكثر موضوعية، إذ تستطيع الشركات الآن تحليل البيانات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتحديد أهم القضايا في مناطق عملياتها، وتوجيه مبادرات المسؤولية الاجتماعية الخاصة بها لتلبية الاحتياجات الفعلية للمجتمع.
ويتيح تحليل البيانات للشركات تجاوز مرحلة التخمين فيما يتعلق بأولويات الأطراف المعنية من خلال تحليل توجهات وسائل التواصل الاجتماعي واستطلاعات آراء العملاء والمحادثات عبر الإنترنت؛ فتستطيع الشركات بذلك تحديد القضايا التي تحظى بالاهتمام الأكبر لدى المعنيين مما يعزز من المشاركة والثقة.
وتوفر البيانات للشركات فرصة مقارنة جهودها في مجال المسؤولية الاجتماعية مع قادة الشركات الرائدة، ومن خلال تحليل مقاييس التأثير الاجتماعي للمبادرات الناجحة في هذا المجال، تستطيع الشركات التعلم والتكيف وتحسين استراتيجياتها لتحقيق أقصى فعالية ممكنة.
لم تعد برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات تعتمد على نهج موحد يناسب الجميع، إذ تتيح تحليلات البيانات للشركات اليوم تخصيص مبادراتها لتتناسب مع الفئات السكانية أو المجتمعات المحددة، ويُسهم هذا النهج المستهدف في تطوير حلول أكثر دقة وقابلة للقياس بشكل أفضل.
من أروع الأمثلة التي يمكن ضربها في هذا السياق، سلسلة محلات ماركس وسبنسر، حيث تعتمد هذه الشركة العملاقة في مجال التجزئة على تحليلات البيانات للحصول على مواد مستدامة وتقليل النفايات في سلسلة التوريد الخاصة به.
وتستطيع محلات ماركس وسبنسر، من خلال تحليل بيانات الموردين، تحديد مجالات التحسين والعمل مع شركائها لتطبيق ممارسات أكثر استدامة، مثل تقليل مخلفات التغليف.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز البيانات مستوى شفافية الشركة، حيث يمكن للشركات بناء الثقة وإظهار التزامها بالمساءلة أمام المعنيين من خلال نشر البيانات حول تأثير مبادراتها في مجال المسؤولية الاجتماعية بشكل علني، وهذا النوع من الشفافية يعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة ويشجع على التعاون لتحقيق مصلحة اجتماعية أكبر.
رغم أن تحليلات البيانات تفتح آفاقًا واسعة لتعزيز مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، تظل الاعتبارات الأخلاقية بالغة الأهمية، ومن بينها ما يلي:
حماية خصوصية البيانات: الحفاظ على خصوصية البيانات أمر أساسي. يجب على الشركات التأكد من أن البيانات التي تُجمع وتُستخدم في مبادرات المسؤولية الاجتماعية يتم التعامل معها بأخلاقية وبموافقة المعنيين.
التركيز على النتائج الفعلية وليس الأرقام: يجب أن تكون البيانات أداة لتحقيق هدف أكبر، وليس الهدف بحد ذاته. الغاية الأساسية هي إحداث تأثير اجتماعي مستدام، وليس مجرد إنتاج إحصائيات جذابة.
نهج يتمحور حول الإنسان: بينما يمكن للبيانات تعزيز استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية للشركات، لا ينبغي أن تحل محل الفهم البشري والتعاطف. يجب أن تحافظ الشركات على اهتمامها بالأفراد الذين تستهدفهم مبادراتها.
ويمكن أن يكون تحليل البيانات أداة فعالة في السعي نحو مستقبل أكثر استدامة وعدلاً، و من خلال الاستفادة من قوة البيانات، يمكن للشركات تجاوز الشعارات الرنانة في مجال المسؤولية الاجتماعية وإنشاء برامج ذات تأثير حقيقي، كما أن تحليلات البيانات تمكننا من تحويل النوايا الحسنة إلى تغيير اجتماعي ملموس.
معًا، يمكننا بناء مستقبل تصبح فيه مسؤولية الشركات أكثر من مجرد التزام، بل قوة محركة للتحول الإيجابي في المجتمع.
بقلم: جاد اليوت ديب، الرئيس التنفيذي لشركة بانجيا