تواصل أجندة التحوُّل الرقمي لدولة الإمارات العربية المتحدة وضع معايير عالمية، ويُعد التزام حكومة أبوظبي بالدمج الكامل لحلول الذكاء الاصطناعي في خدماتها الرقمية بحلول عام 2027، خطوة استباقية لقيادة واعية ورؤية ثاقبة نحو مجتمع أكثر ذكاءً وكفاءةً وجاهزيةً لغد أفضل. من المؤكد أن هذه الاستراتيجية لا تضع أبوظبي في طليعة المدن الذكية المستعينة بحلول الذكاء الاصطناعي عالميًا فحسب، بل تساعد أيضًا في تحديد كيف يمكن للتعاون مع القطاع العام أن يثمر عن تغيير أكثر فاعلية، مع ضمان أن حلول الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تُحسّن الخدمات بدلاً من أن تحل محل الخبرة البشرية.
إن أحد أعظم التحديات في دمج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، هو ضمان تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا، مع التركيز على المجالات التي يُمكن أن تُكمل المعرفة والقدرات البشرية بدلاً من أن تحل محلها بشكل تام. فالذكاء الاصطناعي ليس حلاً سحريًا، وإنما يجب دمجه بشكل استراتيجي لتعزيز الخبرة البشرية، بدلاً من العمل كبديل لها. ولجني ثمار هذه العملية، يجب على القائمين توفير بيانات عالية الجودة ومنظمة بإتقان.
تساهم أدوات الذكاء الاصطناعي على تعزيز جودة وسرعة عملية اتخاذ القرارات، مما يسمح للإدارات الحكومية بتوقع احتياجات المواطنين بشكل أكثر دقة مع توفير الخدمات اللازمة بشكل استباقي. على سبيل المثال، يُمكن استخدام التحليلات التنبؤية في مجال الرعاية الصحية، لتحديد أنماط بيانات المرضى، وتخصيص الموارد بكفاءة عالية. وفي مجال التخطيط الحضري، يُمكن أن تساعد الرؤى المُستندة إلى الذكاء الاصطناعي في إدارة الازدحام المروري وتحسين شبكات النقل العام، مما يؤدي إلى وجود مدن أكثر ذكاءً لتوفير نمط معيشة أرقى وأكثر سلاسة. وهكذا تُبرز هذه القدرات مدى أهمية التعاون بين القطاعات في تبني حلول الذكاء الاصطناعي ليُثمر النتائج المرجوة.
ينبغي على القطاع الخاص توجيه المنظمات الحكومية حول كيفية تحسين إدارة البيانات، وتبني مبدأ التحوُّل بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي على أُسس متينة، إضافة إلى جلب الخبرات العالمية، وتطوير حالات الاستخدام في العالم الحقيقي، والمساعدة في إنشاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي بهدف الارتقاء بتجارب العملاء، والعمل على تبسيط العمليات، وتبنى ممارسات مستدامة. إن العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، سيُمكن الحكومات من تقديم خدمات أكثر كفاءة وشمولاً تمتثل لأعلى المعايير العالمية، مما يضمن استفادة جميع المواطنين على قدم المساواة من هذا التحوُّل الرقمي البَنّاء. ويمكن للمنصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي سد فجوة إمكانية الوصول، من خلال تقديم خدمات متعددة اللغات تعمل بخاصية الصوت، وأخرى قابلة للتكيُّف مصممة خصيصًا لتلبية مختلف الاحتياجات الفردية.
لا تقتصر استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للذكاء الاصطناعي على التكنولوجيا فحسب، بل تولي اهتمامًا بالعنصر البشري كذلك. تعكس خطة الحكومة لخلق5,000 وظيفة جديدة ودعم جهود التوطين، مدى أهمية تأهيل الأيدي العاملة للعمل جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من استبدالها به. ومن أجل التغلب على مناهضة الذكاء الاصطناعي من قِبل الكثيرين، يجب تبني نهج واضح يتمحور حول العنصر البشري ويُركز على التدريب والشفافية وبناء الثقة.
يدرك كل من نجح في تطبيق الذكاء الاصطناعي، سواء الحكومات، أو المنظمات غير الحكومية، أو الشركات الخاصة، أن إدارة التغيير لا تقل أهمية عن التكنولوجيا نفسها. ومن خلال تبادل أفضل الممارسات، وتقديم برامج الإلمام بالذكاء الاصطناعي، وإظهار دوره في تحسين سير العمل، يُمكن للقطاع الخاص مساعدة المنظمات على دمج الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الإنتاجية، مع ضمان شعور الموظفين بالتمكين.
تتمتع سيركو بسجل حافل من العمل مع الحكومات بجميع أنحاء العالم، لتطوير حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي، من أجل تحسين الكفاءة مع الحفاظ على إعطاء الأولوية للعنصر البشري. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تعاوننا مع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS)، ومراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية (CMS) لتحديث عملية استحقاق التأمين الصحي بموجب قانون الرعاية الميسرة (ACA).
لقد استخدمنا الأتمتة الذكية لتسهيل عملية التحقق من المستندات، مما أدى إلى تقليل الوقت مع ضمان الدقة وتوفير تجربة أفضل لملايين المستخدمين. ساعدت حلول الذكاء الاصطناعي مثل تقنيات أتمتة العمليات الروبوتية (RPA)، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، والتحليلات القائمة على تعلم الآلة، في تحديد التناقضات والحصول على الموافقات أوتوماتيكيًا وتسريع الاستجابة. نجحت هذه المبادرة في تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف، كما نجحت في تحسين تجربة المستخدمين، مما يوضح إمكانية توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية من خلال تطويعه بالذكاء الاستراتيجي.
أصبح بإمكان الملايين من المواطنين الأميركيين استحقاق التأمين الصحي المُدعم والاحتفاظ به، مما يضمن حصول الأُسَر على الرعاية التي تحتاج إليها. أدت هذه المستحدثات إلى انخفاض التكاليف بنسبة 45%، على الرغم من زيادة التسجيل بنسبة 40%، مما وفر للحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة ملايين الدولارات، وأدى إلى تحسين الجودة وتسريع الاستجابة، إلى جانب توفير المزيد من المرونة في حالة وقوع أحداث مُقلقة مستقبلًا، كانتشار الأوبئة والجوائح.
يوضح هذا المثال حجم الإمكانات الهائلة للتعاون المُثمر بين القطاعين العام والخاص، لتهيئة المجتمع لمستقبل أكثر تطورًا، لذا يُمكن للقطاع الخاص دعم حكومة أبوظبي، من خلال اتباع نهج يتبنى الذكاء الاصطناعي مع التركيز على العنصر البشري، بغرض تقديم خدمات عامة أكثر ذكاءً وكفاءة، من شأنها أن تخلق مستقبلًا أفضل وأكثر اتصالاً للجميع.
بقلم: دانيال ماكغريغور، كبير مسؤولي النمو لدى سيركو