Home » أسبوع أبو ظبي للاستدامة: بناء مستقبل مشرق في منطقة الخليج العربي باستخدام حلول البناء المستدامة

أسبوع أبو ظبي للاستدامة: بناء مستقبل مشرق في منطقة الخليج العربي باستخدام حلول البناء المستدامة

by Elhadary

 مع بداية عام 2025 تشهد دولة الإمارات مرحلة تحولية مهمة في مجال الاستدامة. وفي 2023 فقد وفر مؤتمر الأطراف COP28 منصة عالمية مميزة لمساعدة المنطقة على استعراض إمكانياتها الرائدة في العمل المناخي، مما يؤكد التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بما يتماشى مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050. ويواصل أسبوع أبو ظبي للاستدامة السير على هذا النهج، ويشكل داعماً رئيسياً لمعالجة القضايا العالمية الملحّة المتعلقة بالاستدامة، كما يشجع على الابتكار في مختلف القطاعات بهدف اعتماد ممارسات بيئية تحويلية. ويُعد قطاع البناء من أكثر القطاعات استهلاكاً للموارد، ومهيأة لتحقيق تقدم كبير في مجال الاستدامة.

وأشار مؤخراً تقرير لشركة برايس ووترهاوس كوبرز إلى توقعات باستثمار دول مجلس التعاون الخليجي 2 تريليون دولار أمريكي في مشاريع البناء بحلول عام 2035. ويوفر ذلك فرصة فريدة لدولة الإمارات والمنطقة للريادة على المستوى العالمي في اعتماد ممارسات البناء المستدامة، ووضع معايير جديدة للمسؤولية البيئية.

وتبرز ضرورة هذه المبادرات بصورة واضحة، حيث كان قطاع البناء في عام 2023 مسؤولاً عن استهلاك 30% من مخزون الطاقة العالمية وتوليد 26% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. وقامت المنطقة برفع سقف تطلعاتها لتحقيق الحياد الكربوني؛ فعلى سبيل المثال، تشكل مدينة مصدر في أبو ظبي مثالاً نموذجياً للاستدامة، حيث تلعب دوراً رائداً في بناء مجتمع حضري مستدام من خلال إنشاء NZ1 في عام 2023، وهو أول بناء تجاري في المنطقة يقوم بتوليد الطاقة النظيفة. كما تعتزم المدينة الإعلان عن أول مسجد في المنطقة يقوم بتوليد الطاقة النظيفة في وقتٍ لاحق من عام 2025. ويتخذ مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية إجراءات إضافية ضمن هذا السياق، حيث عمد إلى استخدام التقنيات المتطورة مثل الهيدروجين الأخضر والزراعة العمودية ضمن مخططاته، كما يركز على استخدام المواد الصديقة للبيئة خلال أعمال البناء.

دور الابتكار في تعزيز الاستدامة

برز مفهوم الاستدامة بصفته علامة فارقة في رسم ملامح قطاع البناء في المنطقة. ووفقاً لدراسة أجرتها فيرساتيل الدولية في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، وهي الشركة الاستشارية المتكاملة لإدارة المشاريع المتعلقة بتصميم الحجر والأولى من نوعها في المنطقة، فإن 55% المتخصصين في قطاع البناء يؤكدون على أهمية الاستدامة بوصفها العامل الأهم في رسم ملامح القطاع.

كما أكدت الدراسة على أهمية دمج مبادئ الاستدامة منذ بداية التخطيط للمشروع، حيث يعرّف 83% من المطورين العقاريين مفهوم الاستدامة بأنه التوجه الأول لرسم ملامح مستقبل البناء في المنطقة، مما يسجل نسبة أعلى بكثير من المهندسين والمعماريين والمقاولين واستشاريين إدارة المشاريع. وتشير الدراسة إلى التحول الكبير الذي تشهده عملية البناء المتكاملة، مما يسلط الضوء على النقلة النوعية المتمثلة في دمج الاستدامة في المراحل الأولى من المشروع. ويركز المطورون بشكلٍ متزايد عند بناء الأساسات على استخدام التصاميم والمخططات والمواد الصديقة للبيئة، مما يؤثر بشكلٍ كبير على دورة حياة المشروع. وبحسب مجلس الأبنية الخضراء، تُصنف دولة الإمارات من بين الدول العشر الحاصلة على شهادات الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED) على مستوى العالم، مما يؤكد أهمية تجهيز الأبنية الخضراء بالشكل المناسب منذ انطلاق المشروع.

تجاوز التحديات من خلال التخطيط الإستراتيجي

يشهد القطاع بعض التحديات مع تنامي الابتكار في المنطقة؛ فمثلاً تؤكد المشاريع المرتقبة في مدينة مصدر، والتي تتراوح قيمتها الاستثمارية ما بين 3 إلى 4 مليارات درهم إماراتي ، على أهمية تبني منهجية استراتيجية في توريد المواد واعتماد التصميم المناسب والاستفادة من الخبرة الإنشائية منذ انطلاق المشروع لضمان تنفيذه بنجاح. ويتوجب على المشاريع بهذا الحجم تحقيق توازن بين الأهداف البيئية والقيود المالية، حيث يُعد اختيار المواد المستخدمة في البناء عاملاً أساسياً لنجاح المشروع.

ويتمثل الدور الهام لشركة فيرساتيل الدولية في عدة نقاط أساسية، تشمل توفير الحوكمة المتكاملة للمشروع وتوريد المواد المناسبة منذ مرحلة التصميم وضمان تحقيق الاستدامة وكفاءة التكاليف منذ اللحظة الأولى لانطلاق المشروع. وأثمرت هذه المنهجية عن نتائج ملموسة، حيث شهدت تكاليف تطوير المشاريع الكبرى انخفاضاً بنسبة 28% مع المحافظة على المعايير البيئية الصارمة.

كما يحافظ مشروع بوابة الدرعية في المملكة السعودية على هذا التوازن المميز، إذ يعزز عملية إدارة تصميم الحجر وتقليل النفايات من خلال التخطيط المبكر. كما ساهمت فيرساتيل الدولية في دعم نجاح المشروع الذي يُعد واحداً من أهم المشاريع الثقافية التي يتم تطويرها حالياً في المنطقة.

ويساعد اتباع هذه المنهجية على الحد من ضرورة إعادة العمل، التي تندرج ضمن أبرز التحديات في القطاع، حيث تحتاج بعض مراحل المشروع للإعادة نتيجة بعض الأخطاء أو لإجراء تعديلات. وتُعد معالجة هذه المشكلات بعد حدوثها عملية مكلفة، حيث تُشير الدراسات إلى أن 30% تقريباً من ميزانية البناء حول العالم يتم تخصيصها من أجل إعادة العمل. كما تؤثر عملية إعادة العمل سلباً على إجراءات الاستدامة، فتؤدي غالباً إلى هدر المواد والطاقة. ويمكن تقليل هذه المخاطر بشكلٍ كبير من خلال التخطيط الدقيق والتنفيذ الاستراتيجي، مما يضمن تسليم المشروع بشكلٍ أسرع والحد من البصمة البيئية.

الفرص المتاحة أمام دول الخليج العربي

تعتزم دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في قطاع البناء بمبالغ تُقدّر بتريليونات الدولارات، مما يعزز فرص الابتكار في مجال الاستدامة. وتتطلع المنطقة إلى إرساء معايير جديدة في قطاع البناء على مستوى العالم، بدءاً من الريادة في مجال التكنولوجيا الخضراء ووصولاً إلى إنشاء بنية تحتية عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة.

ويقف قطاع البناء على أعتاب مرحلة مفصلية، حيث تتميز المنطقة بفرصة ذهبية للنهوض بالتصور العالمي للبناء المستدام مع بدء فعاليات أسبوع أبو ظبي للاستدامة. كما تنفرد المنطقة بقدرتها على إرساء معايير جديدة في القطاع من خلال دعم الابتكار وتعزيز فرص التعاون والتركيز على المسؤولية البيئية.

بقلم: ماركو فهد، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة فيرساتيل الدولية لإدارة المشاريع والاستشارات الرائدة في مجال تصميم الحجر في المنطقة.

You may also like