Home » اليد الخضراء والأهداف العالمية: تحويل قطاع الأغذية في دول مجلس التعاون الخليجي بلمسة من الإبداع الإستوني

اليد الخضراء والأهداف العالمية: تحويل قطاع الأغذية في دول مجلس التعاون الخليجي بلمسة من الإبداع الإستوني

by Elhadary

في عالم يسافر فيه الأفوكادو والخس أكثر مما كان يفعله معظمنا قبل الوباء، يجدر بنا أن نأخذ في الاعتبار: هل تسافر سلطتنا أكثر من بطاقات المسافر الدائم لدينا؟ إذا قمنا بفحص تعقيدات سلسلة الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء العالم، فسنجد عملية لوجستية معقدة، على الرغم من أنها مثيرة للإعجاب، إلا أنها بالتأكيد ليست مستدامة.

تعتمد الإمارات العربية المتحدة، بلد الابتكار العالمي المحبوب، على الواردات في 90 بالمائة من غذائها. في حين أن هذه إحصائية جديرة بالملاحظة، إلا أنها تشبه إلى حد ما تنظيم مأدبة طعام حيث يحضر كل شخص طبقاً من قارة مختلفة. لا تساهم البقالة هذه في استهلاك الوقود فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى فقدان العناصر الغذائية والطزاجة بشكل أسرع.

تساهم البحرين والمملكة العربية السعودية عن غير قصد في قضية هدر الطعام من خلال التخلص من 132 و105 كجم من الطعام للشخص الواحد كل عام. أما بقية دول مجلس التعاون الخليجي فهي قريبة أيضاً، حيث تخلصت كل منها من 95 كجم. وهذا يعني أن كل شخص يستهلك أكثر من وزن جسمه من الطعام سنوياً. وفي المقابل، تشهد منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا انخفاضاً كبيراً في هدر الطعام لكل شخص، بمتوسط 5 إلى 10 كجم، وهو ما يعادل تقريباً ملء حقيبة صغيرة من البقالة.

هذه ليست مجرد قصة عن عدد قليل من الخضروات التي تعتبر “قبيحة للغاية بحيث لا يمكن بيعها”؛ لكن على مستوى العالم، يعني هذا الهدر خسارة يومية تتراوح بين 400 إلى 500 سعرة حرارية للشخص الواحد في البلدان النامية، ونحو 1500 سعرة حرارية في البلدان المتقدمة. إنه يشبه تحضير وليمة وإسقاطها عن طريق الخطأ على الأرض كل يوم. علاوة على ذلك، فإن تحضير هذه الولائم يساهم في ارتفاع حرارة الكوكب أيضاً. إن ما يقرب من 50 بالمائة من الأغذية المهدرة على مستوى العالم تطلق غازات الدفيئة إلى حد أنها إذا اعتبرت دولة، فإنها ستصنف على أنها ثالث أكبر ملوث.

هناك ثلاثة أسباب رئيسية لقضية هدر الطعام: الإنتاج غير الفعال، والهدر في سلسلة التوريد، وهدر الطعام في المنازل. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يأتي هذا بتكلفة عالية، حيث تختفي 3.5 مليار دولار (أو بالأحرى، في مكبات النفايات) كل عام بسبب هدر الطعام.

والخبر السار هو أن هذه القصة لها أيضاً أبطالها: الزراعة المائية، والزراعة الهوائية، والابتكار في الزراعة العمودية. على سبيل المثال تتخذ دول مجلس التعاون الخليجي خطوات مهمة، حيث خصصت المملكة العربية السعودية 665 مليون دولار للزراعة المحلية المدعومة بالتكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون دولة الإمارات العربية المتحدة مع الولايات المتحدة في “مهمة الابتكار الزراعي للمناخ”، بينما تعمل المدن الكبرى في جميع أنحاء المنطقة على تعزيز ابتكاراتها ومبادراتها في مجال التكنولوجيا الزراعية باستثمارات بملايين الدولارات.

رغم أن المزارع ذات التقنية العالية مثيرة للإعجاب، فإنها لا تعالج سوى جزء من المشكلة. إنها تتفوق في تقريب إنتاج الطعام، وتتطلب كميات أقل من المياه، ولكنها قد لا تكون الحل الأمثل لتقليل هدر الطعام وفقدان العناصر الغذائية في متاجر البقالة، أو في خدمات الضيافة، أو عند المستهلك. هم بشكل عام خطوة أقرب ولكن ليس قريب بما فيه الكفاية. تحرز الإمارات العربية المتحدة تقدماً كبيراً من خلال مواءمة قطاع الضيافة والأغذية والمشروبات المزدهر مع أجندة الأمن الغذائي. ويشكل تقديم خارطة طريق لتقليل من فقد وهدر الطعام بنسبة 50 بالمائة بحلول عام 2030 خطوة كبيرة نحو تحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الاستهلاك المستدام، وتعزيز الاقتصاد الدائري. تم الكشف عن “خارطة طريق مبادرة “نعمة” للحد من فقد وهدر الطعام” خلال الحوار الوطني الرابع حول الأمن الغذائي، الذي نظمته وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع “نعمة”، المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الطعام، في نوفمبر 2023، قبل مؤتمر الأطراف كوب 28 الذي عُقد في دبي في ديسمبر 2023.

بغض النظر عن مبادرات الشركات والحكومات، دعونا نسلط الضوء أيضاً على التقليد الذي تم التغاضي عنه منذ فترة طويلة المتمثل في الزراعة المنزلية. إنه مثل البطل المجهول في قصتنا، والذي إذا أوليناه نفس القدر من الاهتمام مثل أبطال قصة الاستدامة الغذائية، فيمكن أن يساعد حقاً في حل مشكلاتنا الغذائية بشكل أفضل. ليس كل شخص لديه إبهام أخضر، وليس من الممكن أن تصبح كل مساحة داخلية مزرعة صغيرة، ولكن يمكن لحلول مثل حديقة “كليك أند جرو” الداخلية الذكية أن تكون بمثابة أداة سهلة الاستخدام للبستنة. تحتاج هذه الأنظمة المدمجة إلى الحد الأدنى من المساحة والجهد، وتستخدم مياهاً أقل بنسبة 95 بالمائة من الزراعة التقليدية، كما أنها مريحة مثل صنع القهوة سريعة التحضير. بالإضافة إلى ذلك، نظراً لأنها عملية، لا يتم إهدار أي طعام، أو فقدان أي عناصر غذائية.

إن الزراعة المنزلية ليست مجرد لعبة زراعية أو التعامل مع نفايات الزراعة. يتعلق الأمر بتغيير علاقتنا بما نأكله وتعزيز الاكتفاء الذاتي. تخيل أنك تقطف الريحان الطازج لصنع المعكرونة أو تحصد الخس لساندويتشك مباشرة من منزلك. إنها ليست فقط طازجة ومغذية أكثر ولكنها أيضاً شيء ممتع للتحدث عنها. كلما اقتربنا من زراعة غذائنا، كلما زاد تقديرنا لنعمة الطبيعة، ومن الناحية المثالية، كلما قمنا بتعديل عاداتنا الغذائية بشكل عام.

يمكننا أن نتصور حقاً مستقبلاً حيث لا يتعين على الطعام السفر بعيداً للوصول إلينا. في هذا المستقبل، لن يكون إنتاج الغذاء مكلفاً أو معقداً كما هو الحال في المزارع العمودية المتقدمة. لن تكون مطابخنا بمثابة مساحات للطهي فحسب، بل أيضاً كأماكن للنمو. هذه الرؤية قابلة للتحقيق بالكامل، وعلى المستوى العالمي، يمكننا أن نتوجه إلى دول مثل إستونيا، مركز الابتكار الرقمي ومسقط رأس “كليك أند جرو”، كما أنها تبرز أيضاً كنموذج للزراعة العضوية.

تحتل إستونيا مكانة ثاني أكبر منتج للأغذية العضوية في أوروبا وهي معروفة عالمياً بامتلاكها ثاني أنظف أطعمة على هذا الكوكب. في إستونيا، من الشائع رؤية العائلات ترعى قطع أراضيها الخاصة، وتزرع الخضروات بنشاط في الصيف، وتستمر في هذه الممارسة في الداخل عندما لا يكون الطقس مناسباً. تعكس طاولات الطعام والمطاعم وحتى المنتجات الغذائية المصدرة من إستونيا نمط الحياة هذا، حيث تكون المنتجات الطازجة والمزروعة محلياً ذات قيمة عالية. تعرض كل قضمة مزيجاً من التعديلات الحديثة على الوصفات التقليدية.

في عصر الزراعة الحديث هذا، يتمتع أي مسكن أو مدرسة أو مطعم أو مستشفى بالقدرة على أن يصبح منتجاً صغيراً للأغذية؛ مساهماً متواضعاً وقوياً في ثورة غذائية تعطي الأولوية للحفاظ على البيئة، وتقليل النفايات، وتعزيز الاكتفاء الذاتي. دعونا نحول مساحاتنا إلى ملاذات للنضارة والتغذية والاستدامة، حديقة داخلية واحدة تلو الأخرى. ففي نهاية المطاف، الرحلة المثالية لطعامنا هي من حافة النافذة نحو طبقنا.

بقلم مارتن ليدلا من شركة “كليك أند جرو”

You may also like