بقلم: هدير الحضري – نيس، فرنسا
شهد مؤتمر الأمم المتحدة للمحيط في نيس لحظة تاريخية بتبني 170 دولة إعلاناً سياسياً يعيد التأكيد على الهدف العالمي “30×30″، والرامي إلى حماية 30% من المحيطات واليابسة بحلول عام 2030. وجاء إطلاق “خطة نيس للعمل من أجل المحيط” في قلب هذا الحدث العالمي، والتي تضمنت أكثر من 800 التزام طوعي، ما يعكس توجهاً مزدوجاً يجمع بين الدفع السياسي والتنفيذ العملي.
تهدف الخطة إلى تسريع جهود الحماية من خلال تحسين الحوكمة البحرية، وتوفير التمويل الشامل، وتطبيق إجراءات قائمة على العلم. كما شهد المؤتمر توقيع 19 دولة إضافية على معاهدة أعالي البحار، ليصل عدد الدول المصادقة إلى 50، أي عشر دول فقط تفصل عن بدء دخول المعاهدة حيز التنفيذ.
في تصريح خاص لـ ESG Mena، أكدت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، على الأهمية البالغة لهدف 30×30، واصفة إياه بأنه “أساسي لصحة الإنسان والكوكب”. وقالت: “أنماط الأمطار، وتنظيم المناخ، واستقرار المحيطات تعتمد على محيطات خالية من التلوث والانبعاثات”.
رغم إدراكها لأهمية الصيد البحري لمجتمعات الساحل، أوضحت أندرسن: “الحماية البحرية تؤدي إلى مصايد أكثر صحة واستدامة، وهذا هو جوهر 30×30، إعادة التفكير في كيفية استخدامنا لموارد المحيط”.
وأشارت إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاوناً دولياً غير مسبوق، قائلة: “إذا حمت دولة محيطها بينما لا تفعل الأخرى، فإن المكاسب تتلاشى. التلوث والصيد الجائر لا يعترفان بالحدود”.
كما أبرزت مصر كمثال على التوازن بين الحماية والتنمية، بفضل ثروتها الطبيعية في البحر الأحمر والبحر المتوسط، قائلة إن “الشعاب المرجانية والسياحة البحرية والصيد تمثل أصولاً طبيعية واقتصادية لا بد من حمايتها للأجيال القادمة”.
وخلال الجلسة الافتتاحية، شددت معالي السيدة رزان المبارك، بطلة الأمم المتحدة للمناخ في مؤتمر COP28 ورئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، على أن الوقت ينفد. وقالت: “نحن ما بين الآن أو أبداً. حماية 30% من المحيطات ليست خياراً، بل ضرورة لا غنى عنها لصحة كوكبنا وازدهار مجتمعاتنا ومتانة مناخنا”.
ودعت إلى دخول معاهدة BBNJ (التنوع البيولوجي خارج الولاية الوطنية) حيز التنفيذ في أسرع وقت، وأكدت أن الحماية لا تقتصر على رسم الحدود بل على تحقيق تأثير حقيقي وعادل ومستدام، بقيادة العلم والمجتمعات المحلية والتمويل طويل الأجل.
وأضافت: “يتطلب تحقيق هدف 30×30 نهجاً شاملاً يشمل الحكومات، القطاع الخاص، المجتمع المدني، السكان الأصليين، والمجتمعات الساحلية”، مشددة على ضرورة اتخاذ إجراءات طموحة ومساءلة قابلة للقياس.
واختتمت المبارك كلماتها بالإشارة إلى أن المسار لا ينتهي في نيس، بل يستمر نحو أبوظبي التي ستستضيف مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في أكتوبر المقبل ضمن خارطة طريق “30 وما بعدها”.
تصريحات بيتر تومسون: دعوة للعمل الجماعي لإنقاذ المحيط
علّق بيتر تومسون، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المحيط، على إطلاق خطة “30×30” قائلاً إنها تمثل نقطة تحول في الجهد العالمي لحماية المحيطات. وأضاف: “نحن حالياً نحمي 8.3% فقط من المحيطات، وهذا أقل بكثير من الهدف السابق وهو 10% بحلول عام 2020، فما بالك بالوصول إلى 30% في عام 2030؟”
وأوضح أن هدف 30×30 جاء بناءً على توصيات علمية صارمة تحذر من انهيار تنوع الحياة على الأرض في حال لم تُحمَ النظم البيئية البحرية. وأكد: “المحيطات تلعب دوراً حاسماً في هذا الهدف، ويجب أن تواكب جهود الحماية هذا التحدي”.
وأشار تومسون إلى أن خطة العمل الجديدة، التي تم تطويرها بقيادة “أصدقاء العمل من أجل المحيط”، توفر خارطة طريق استراتيجية تستهدف الحكومات بالدرجة الأولى، لكنها تدعو جميع الأطراف الفاعلة، من ممولين ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، للمشاركة في التنفيذ.
وأضاف: “التمويل الحالي لحماية المحيط يبلغ 1.2 مليار دولار فقط سنوياً، في حين أن الفجوة التمويلية تبلغ 14.6 مليار. ورغم هذا، هناك فرص تريليونية من خلال نماذج التمويل المبتكر مثل التأمين الأزرق والتمويل المدمج”.
وشدد على ضرورة قيادة السكان الأصليين والمجتمعات المحلية لجهود الحماية، قائلاً: “عندما يقود السكان المحليون، تستمر النتائج. الحماية يجب أن تكون عادلة وفعّالة”.
وأكد في ختام حديثه أن الخطة لا تسعى إلى إنشاء مبادرة جديدة، بل تسلط الضوء على الفرص القائمة وتسعى لتسريع التنفيذ. ودعا الحكومات إلى إعداد خرائط طريق وطنية لهدف 30×30 لتقديمها في مؤتمر التنوع البيولوجي القادم، قائلاً: “المحيط لا يستطيع الانتظار، والإنسانية كذلك، والأجيال القادمة لن تقبل الأعذار”.
عقبات التنفيذ: الطموح يواجه الواقع
رغم الطابع الطموح لهدف 30×30، يشير تقرير للأمم المتحدة أُطلق خلال المؤتمر إلى أن تنفيذ هذا الهدف على أرض الواقع لا يزال يواجه تحديات كبيرة. وتشمل هذه العقبات النظم الاقتصادية القديمة، ضعف الحوكمة، نقص التمويل، وضعف آليات المساءلة.
كما أن العديد من المناطق البحرية المحمية تفتقر إلى تطبيق فعلي أو تقييم بيئي دقيق، وغالباً ما تُستثنى منها المجتمعات المحلية والسكان الأصليون، مما يقلل من فعالية تلك المناطق ويُضعف الثقة بها.
وتُقدّر الحاجة إلى 15.8 مليار دولار سنوياً لتنفيذ الحماية البحرية، بينما لا يُنفق حالياً سوى 1.2 مليار فقط. وتفتقر الدول النامية والجزرية الصغيرة إلى التمويل المستدام والتقنيات الضرورية لتنفيذ الحماية بفعالية.
ومع ذلك، يرى التقرير أن الحلول ممكنة من خلال التعاون العميق، تنسيق الجهود، وتفعيل اتفاقيات كمعاهدة BBNJ وخطة العمل الجديدة، التي توفر خطوات عملية لتسريع وتيرة الحماية.
فرص واقعية للمضي قدماً
أوضح التقرير أن 8.3% فقط من المحيطات تقع تحت الحماية، و2.7% فقط تعتبر محمية بشكل كامل أو عالٍ. حتى وإن تم تنفيذ جميع المناطق البحرية الكبيرة قيد الدراسة حالياً، فستصل نسبة الحماية إلى 12.3% فقط، وهو ما يشير إلى حجم الجهد المطلوب.
وفي هذا السياق، قالت دانييلا فرنانديز، مؤسسة ومديرة تحالف المحيط المستدام (SOA)، إن خطة العمل تشكل “خطوة حاسمة نحو تنفيذ حقيقي”، خاصة في تعبئة التمويل للمجتمعات الساحلية الضعيفة.
وأضافت: “الخطة ليست مجرد وعود، بل إطار عمل فعلي. والتحدي الآن هو المتابعة والمساءلة: ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني؟”.
وأشارت فرنانديز إلى أن المحيط يحصل على أقل من 1% من التمويل العالمي لمكافحة تغير المناخ، رغم كونه أحد أقوى الحلول الطبيعية، معلنة عن إطلاق منصة “فيلامار” لإدارة الاستثمارات، لتمويل الاقتصاد الأزرق المستدام.
واختتمت بقولها: “لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، نحتاج إلى نحو 170 مليار دولار سنوياً، ونحن لا نزال بعيدين عن هذا الرقم. علينا بناء البنية التحتية المالية المناسبة قبل جذب المستثمرين”.