تتعرض سبل عيش أكثر من نصف مليار شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتهديد بسبب الآثار المترتبة على التغير المناخي، حيث تشير التوقعات الحالية إلى زيادة درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2050، وهو أكثر بكثير من الحدود الآمنة التي تكفل الحياة بشكل طبيعي.
وسلط تقرير جديد للمنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان: “سد فجوة العمل المناخي: تسريع إزالة الكربون وتحول الطاقة يسلط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، الضوء على تحديات الاستدامة الرئيسية في المنطقة، وقدم مخطط لإجراءات جريئة لإزالة الكربون يمكن أن توفر فرصاً اقتصادية جديدة.
وتشير النتائج التي توصل إليها التقرير إلى الكيفية التي يستطيع بها القادة المحليون التصدي لتوقعات زيادة درجات الحرارة وفي الوقت نفسه تعزيز قدر أكبر من التنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل العالية الجودة، مما يعمل على تحفيز الزخم الإقليمي للعمل المناخي الشامل.
يؤكد التقرير كذلك على أن الاستضافة المتعاقبة لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين في مصر (COP27) ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في الإمارات العربية المتحدة (COP28)، ووضع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كرائدة عالميًا في مجال التقنيات المستدامة لسنوات قادمة.
ويقول بورج بريندي، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت واحدة من أسرع المناطق نمواً على مدى العقد الماضي، وما زال أمامها الطريق لتضع نفسها في طليعة جهود الاستدامة مع الحفاظ على مسارها الاقتصادي التصاعدي، مضيفاً أنه مع استمرار تحول الأسواق العالمية وارتفاع الطلب على الطاقة، تحتاج المنطقة إلى إجراءات جريئة ومنسقة من صانعي السياسات والشركات لقيادة تحول عادل في مجال الطاقة وتحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ والتنمية.
ووفقاً للتقرير، فإن درجات الحرارة في المنطقة ترتفع بمعدل ضعف المتوسط العالمي، مما يطرح مجموعة من التحديات في العقود المقبلة يمكن أن تهدد سبل عيش 575 مليون شخص يعيشون هناك، 70٪ منهم من ذوي الدخل المنخفض، حيث تمثل الصدمات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وفترات الجفاف الطويلة، آثارً خطيرة على الزراعة والقدرة على العيش، فضلا عن تأثير مركب على القضايا النظامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وخلص التقرير إلى أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتخلف عن مناطق مماثلة من حيث التقدم الذي أحرزته في مجال الاستدامة، في حين تعهدت الحكومات المحلية خلال الـ 24 شهرًا الماضية بخفض 60% من الانبعاثات في المنطقة إلى مستوى صافي الانبعاثات الصفرية، فإن الشركات بشكل عام لم تحذ حذوها وتسد الفجوة مع الأسواق العالمية المماثلة، حيث حددت نسبة 12% من الشركات هدف صافي الانبعاثات الصفرية و6 % وضعوا خارطة طريق للوصول إلى هذا الهدف.
تم إعداد التقرير بالتعاون مع شركة Bain & Company، بمساهمات من أكثر من 40 من صناع السياسات والجهات الفاعلة في مجال المناخ وقادة الأعمال والبنوك وخبراء الصناعة من القطاعين العام والخاص الذين يشكلون قادة المنتدى من أجل استدامة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يؤكد توم دي وايلي، الشريك الإداري لشركة Bain & Company في الشرق الأوسط، إن الانتقال بنجاح إلى مستقبل مستدام سيعتمد على اتخاذ تدابير جريئة من صناع السياسات والشركات، وزيادة الوعي والشراكات بين أصحاب المصلحة المتعددين، مشيراً إلى أن إجراءات الاستدامة في الشرق الأوسط تتطلب استثمارًا كبيرًا في الوقت والموارد، ولكنها تمثل أيضًا فرصة اقتصادية كبيرة يمكن أن تضع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في قلب التحول العالمي في مجال الطاقة وتفتح الأبواب أمام التنويع الاقتصادي وفرص العمل عالية الجودة والإبداع والقيادة العالمية في مجال التكنولوجيات منخفضة البصمة الكربونية.
كما أشار التقرير إلى أن وفرة الموارد الطبيعية مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتوافر الأراضي بشكل كبير، يمكن أن يساهم في أن تصبح المنطقة رائدة عالمية في توسيع نطاق مسارات الطاقة الجديدة، مثل مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، إلى جانب توافر رأس المال والحوكمة الحاسمة في أكبر الاقتصادات.
يمكن لهذه الخصائص، وفقاً لتوم دي وايلي، أن تسهل انتقال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اقتصاد خال من الكربون مع مساعدتها في الوقت نفسه على تلبية الطلب الدولي المتزايد على الطاقة النظيفة.
وقدم التقرير كذلك خارطة طريق مصممة خصيصاً لصانعي السياسات والشركات الإقليمية لتعزيز إجراءات الاستدامة وتسهيل التنويع الاقتصادي من خلال جهود تحول الطاقة، مع الأخذ في الاعتبار خصائص واحتياجات كل من دول الخليج وخارجها على حد سواء، حيث أكد أنه يجب على دول الخليج التركيز على الحلول القائمة على التكنولوجيا التي تقلل الانبعاثات في القطاعات ذات التحدي، وكذلك تحسين الاستهلاك، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وتنفيذ تقنيات احتجاز الكربون على نطاق واسع، مع إعطاء الأولوية للطاقة بأسعار معقولة في الدول غير الخليجية، وخاصة في المناطق ذات الدخل المنخفض، من خلال زيادة استخدام الطاقة المتجددة، والإلغاء التدريجي لإعانات الوقود الأحفوري ودعم مشاريع الائتمان الكربوني.