تنوعت الاتجاهات الكلية في القطاع العام والشركات بدولة الإمارات من تنمية المواهب الوطنية إلى أجندة العمل المناخي الملحة، إلى التحديات الاقتصادية إلى الجغرافيا السياسية المعقدة، إلى التقنيات سريعة التطور، لتركز بشكل أكبر على الدور الذي يمكن أن يقلل المخاطر ويعزز القيمة: وهو منصب المدير التنفيذي للمشتريات. في السابق كان المدير التنفيذي للمشتريات يعتبر من أدوار المكتب الخلفي غير المؤثرة، إلا أن الوصف الحديث لهذه الوظيفة الحيوية من شأنه أن يحسم نجاح المؤسسة أو إخفاقها في ظل الاضطرابات التي تشهدها الأسواق حاليًا.
ومع تعدد الجوانب التي تحتاج لرؤية وحكمة القادة الحكوميين، نعرض فيما يلي الأولويات الخمسة الأساسية التي ينبغي على المدير التنفيذي للمشتريات أخذها بالاعتبار خلال العام المقبل:
- الاستثمار في المواهب البشرية
يشهد مجال المشتريات تغيراً سريعاً، ويجب استثمار المواهب الوطنية في التنمية الاقتصادية المستقبلية لدولة الإمارات. وهذا يعني أن على المدير التنفيذي للمشتريات قيادة فريقه عبر التواصل الواضح والتعاطف، مع التركيز على أن يصبح الموظفون الحاليون قادة المستقبل. أما على الصعيد العملي، فسيقوم بإعداد فريق المشتريات وتهيئته للتكيف والتطور مع تغيرات المشتريات لتلبية احتياجات العمل على أفضل وجه. ويتضمن ذلك اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة حول ما ينبغي القيام به داخل المؤسسة وما هي القدرات التي من الأفضل الحصول عليها من الخارج.
كما يتولى المدير التنفيذي للمشتريات مهمة إجراء المراجعة الدورية للقدرات والإمكانات، بهدف إتاحة الفرص والنمو للمواهب الإماراتية. ويجب عليه شرح المهام والكفاءات المطلوبة من كل منصب على وجه التحديد وكيفية تفاعله مع بقية الأدوار والوظائف. ومن المهم أن تكون واضحًا بشأن احتياجات المهارات المستقبلية، مع وضع خطة تضمن الاحتفاظ بأفضل الموظفين الإماراتيين من خلال خطط التطوير منظمة والتدريب عالي الجودة.
- قيادة العمل المناخي
مع بقاء مخرجات مؤتمر الأطراف COP28 في أذهان القادة الحكوميين، ستظل القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة على رأس جدول أعمال مجالس الإدارة، مع تزايد الإدراك بأهمية المشتريات وكونها تلعب دورًا رئيسيًا في قيادة التأثير على مستوى المؤسسة في هذا المجال، حيث تشكل انبعاثات سلسلة التوريد عادةً ما بين 40 إلى 80% من إجمالي انبعاثات الكربون للمؤسسة.
ولتحقيق الأهداف الطموحة المنصوص عليها في استراتيجية دولة الإمارات للحياد المناخي للعام 2050، سيتعين على المدير التنفيذي للمشتريات التوجه نحو القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة، ووضع أهداف واضحة لتعزيز التركيز والأداء. ومن خلال العمل جنبًا إلى جنب مع قادة الحوكمة البيئية والاجتماعية، وبالتنسيق مع أهداف التنمية المستدامة للدولة، يجب على المدير التنفيذي للمشتريات أن يحدد بوضوح الفرص والأهداف القابلة للقياس، إذ يعد القياس والتتبع أمرًا أساسيًا لعرض التحسينات وقياس التقدم وفقًا لمعايير واضحة.
ومن الأهمية بمكان أن تكون الشركات منفتحة وصادقة وواقعية، وأن تسعى إلى القيام بأنشطتها عبر قاعدة أدلة واضحة، ومن الأفضل أن يتم التصديق عليها من قبل هيئة معترف بها مثل CDP وSBTi وMSCI وSustainalytics.
3. تحسين التكلفة
سيظل تحسين الإنفاق أولوية رئيسية في عام 2024، حيث تحتاج الهيئات الحكومية إلى خفض الإنفاق حيثما أمكنها ذلك، وبذل المزيد من الجهد بموارد أقل للتغلب على الضغوط الاقتصادية الحالية. وفي حين يحتاج المدير التنفيذي للمشتريات إلى التوفيق بين المسؤوليات الأوسع نطاقًا والأكثر دقة، فإن عليه التركيز على أساس وظيفة المشتريات: فكل فلس يتم توفيره يضيف إلى قيمة المؤسسة.
ولتحقيق ذلك، يجب على المدير التنفيذي للمشتريات الحرص على إرساء ثقافة إدارة المشتريات، وإقامة الشراكات المناسبة، وتتبع المشاريع، وقياس مؤشرات الأداء الرئيسية بشكل متسق. كما يمكن أن تسهم عمليات التحقق المنتظمة للأداء باستخدام معايير خارجية في دعم تلك الجهود.
- الاستعداد لمستقبل من المخاطر المجهولة
في عالم تتزايد فيه المخاطر، يجب أن يكون المدير التنفيذي للمشتريات العصري مهيئًا للتعامل مع الحاضر والمستقبل، بحيث يمكن لسلاسل التوريد الخاصة بالمؤسسة أن تكون جاهزة لأية اضطرابات محتملة: سواء كان ذلك بسبب كارثة طبيعية أو جائحة عالمية، فلابد أن تكون قادرة على التكيف بمرونة لمساعدة المؤسسة على البقاء والازدهار. ينطبق ذلك بشكل خاص على المشاريع الضخمة والمشاريع الرأسمالية، إذ إن حجمها الضخم، ولوجستياتها واستثماراتها المعقدة، تعني أهمية فائقة للقدرة على التسليم في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية – وكل ذلك يعتمد على إمكانية صمود سلسلة التوريد في وجه المخاطر. ولذلك فإن تقليل المخاطر في سلسلة التوريد له أهمية قصوى في هذا السياق.
يبدأ المدير التنفيذي للمشتريات بفهم المشكلات التي واجهتها المؤسسة على مدار الـ 18 شهرًا الماضية وتقييم مدى تأثيرها على العمليات والميزانيات. وللاستعداد المستقبلي والتخطيط للمخاطر، يجب على المدير التنفيذي للمشتريات أيضًا رسم خريطة لسلسلة التوريد الحالية وتحديد نقاط الفشل المحتملة، ومن ثم تنفيذ خطة محددة زمنيًا للتخفيف من المخاطر، والتأكد من إعداد الفريق المناسب والأدوات المناسبة للتنفيذ المستمر وإعداد التقارير وفقًا للخطة.
كما أن بناء شراكات حقيقية مع الموردين سيدعم هذا الجهد أيضًا. فالموردون ليسو مجرد بائعين؛ بل هم شركاء لتقدمك، ولهذا فإن اختيارهم بعناية أمر ضروري لضمان المرونة المستقبلية لسلسلة التوريد. يجب أن تتميز علاقات الموردين في مؤسستك بالتعاون القائم على الحقائق والذي يعزز القيمة والتحسين والنمو والابتكار على المدى الطويل.
- تحقيق القيمة من الاستثمار في التكنولوجيا
كان الاستثمار في التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في طليعة النقاشات التي دارت عام 2023، ويبدو أنها ستبقى كذلك في العام المقبل. يتطلب البقاء في الصدارة في عالمنا الرقمي الجديد تسخير إمكانات التكنولوجيا المناسبة والحرص على أن يتحول استخدامها إلى جهد فعال يحقق المزايا المرجوة – وهو ما يعتمد على الإتقان في إدارة التغيير.
ولتسهيل ذلك، يجب على المدير التنفيذي للمشتريات تحديد المتطلبات الدقيقة والحالة المالية للاستثمار. يجب تحقيق التوازن بين الرؤية الخاصة بالمكان الذي تريد المؤسسة أن تصل إليه والميزانية المتاحة لها، لضمان وجود عائد مناسب على الاستثمار. وسيتطلب ذلك أيضًا رسم خرائط للأهداف القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل إلى جانب خطط التنفيذ والفوائد ذات الصلة. ولهذا لا بد من التعاون الوثيق مع مدير تقنية المعلومات لفهم البنية التقنية للمؤسسة والخيارات المتاحة، وتتبع الحالة والفوائد والاستخدام بشكل مستمر.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون المدير التنفيذي للمشتريات مسؤولاً عن تزويد فريقه بأدوات مناسبة لإعداد بيانات ورؤى عالية الجودة يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرار. يجب أن يبدأ المدير التنفيذي للمشتريات بتوضيح الأسئلة التي تحتاج إلى البيانات للإجابة عليها، وحينها يصبح من المهم تقييم جودة واكتمال البيانات الموجودة، والتأكد من فهم الفريق لكيفية استخدامها بفعالية.
أهمية الرؤية لدى المدير التنفيذي للمشتريات
ما ورد أعلاه ليس سوى بعض من أهم أولويات المدير التنفيذي للمشتريات في دولة الإمارات لهذا العام، حيث يمتد دور ومسؤوليات المدير التنفيذي للمشتريات إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
يتعين على المدير التنفيذي للمشتريات صياغة رؤية جريئة، وتأمين صلاحيات تنفيذية حقيقية، وحشد الفريق من أجل تحقيق هدف موحد يرتقي بالمؤسسة بشكل غير تقليدي. ويتضمن ذلك توضيح استراتيجية المشتريات، فضلاً عن تحديد المخاطر والفرص، لإشراك كافة المعنيين عبر التواصل الفعال والقياس والأداء المتميز.
بقلم: ديفيد موني، نائب الرئيس ومدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة إفيشيو