شهد قطاع الاستثمار في منطقة الخليج العربي نقلةً نوعية خلال السنوات الأخيرة، بالتوازي مع ارتفاع مستوى الوعي لدى المستثمرين حول أهمية اعتماد مبادئ التنوع والمساواة والشمولية في استراتيجياتهم للاستثمار والتوظيف.
وإلى جانب كونها ضرورات أخلاقية ملحّة، تكتسب هذه المبادئ أهميتها من قدرتها الكبيرة على تحفيز الاستثمار المستدام الذي يعزز النمو الاقتصادي ويحد من المخاطر ويسهم في توفير القيمة على المدى الطويل.
وتهدف الأجندة الوطنية الخضراء لدولة الإمارات إلى تعزيز التنمية المستدامة على مستوى الدولة، وإرساء أسس اقتصادٍ صديقٍ للبيئة من خلال إطلاق سلسلة من المبادرات الاستراتيجية الكفيلة بتحسين التنمية الاجتماعية وجودة الحياة.
كما ترتبط مبادئ التنوع والمساواة والشمولية مع مفهوم رأس المال الاجتماعي بعلاقة تكاملية تتخطى حدود البيئة المؤسسية. ويشير مفهوم رأس المال الاجتماعي إلى الشبكات والعلاقات والقيم المشتركة في المجتمع الواحد، والتي تعزز التعاون والدعم المتبادل بين الأفراد. وفي سياق ممارسات التنوع والمساواة والشمولية، يبرز رأس المال الاجتماعي بوصفه محفزاً لهذه الممارسات ونتيجةً لها في الوقت نفسه.
وتدرك دولة الإمارات أهمية الاحتفاء بالتنوع في تقديم وجهات نظر مختلفة وأساليب تفكير جديدة وخبرات وكفاءات مميزة تعزز رأس المال الاجتماعي للمجتمع أو المؤسسة. كما يسهم اعتماد مبادئ التنوع في دعم الأفراد لمواجهة التحيز والأحكام السلبية المُسبقة والتغلب على الظروف الاجتماعية التي قد تعيق نموهم. وتكمن أهمية اعتماد مبادئ المساواة في تعزيز تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للموارد وترسيخ الثقة وثقافة التعاون بين الأفراد. وتتخطى الفوائد الملموسة لمبادئ الشمولية لتلك الجوانب إلى تعزيز مشاركة الجميع في عملية اتخاذ القرار والأنشطة الاجتماعية، وبالتالي توطيد الأواصر الاجتماعية التي تشكل رأس المال الاجتماعي.
نقاط التلاقي بين رأس المال الاجتماعي ومبادئ التنوع والمساواة والشمولية
بحث أبرز خبراء الاستثمار على مستوى المنطقة، في مؤتمر الشرق الأوسط للاستثمار الذي أقيم في الرياض مؤخراً، الدور المحوري لرأس المال الاجتماعي القائم على الطموح والفرص في تعزيز التعاون والابتكار والذكاء الجَمعي. كما يسلط رأس المال الاجتماعي الضوء على أهمية اعتماد ممارسات شمولية فعّالة وبناء بيئة تعزز الترابط بين الأفراد وتشعرهم بأنهم محط احترام وتقدير. وتؤكد هذه العلاقة التبادلية الدور المحوري الذي يلعبه ترسيخ قيم الأمل والتسامح في بناء نسيج متجانس ضمن المؤسسات والمجتمعات، مما يضمن تحقيق الازدهار المشترك والنمو المستدام.
ويتلاقى رأس المال الاجتماعي والاستثمار المستدام على عدة أصعدة، مما يؤكد أهمية اعتماد منهجية شاملة ومتكاملة تتخطى الحدود التقليدية لمقاييس الأداء المالي عند الاستثمار. ويبرز ذلك بشكل خاص في الاستثمار المستدام الذي يسعى إلى تحقيق نتائج إيجابية في جوانب المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة، إلى جانب مواءمة الاستثمارات مع الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية والبيئية في دولة الإمارات. كما يحمل ترسيخ مبادئ التنوع والمساواة والشمولية فوائد أخرى تشمل تعزيز النزاهة وتكافؤ الفرص والوصول العادل إلى الموارد.
وعند الجمع بين هذه المبادئ ومفهوم رأس المال الاجتماعي، تنشأ علاقة تكافلية تعود بالنفع على قطاع الاستثمار خصوصاً والمجتمع الإماراتي بصورة عامة.
دور الممارسات المسؤولة اجتماعياً في توفير القيمة
تفيد الدراسات بأن الشركات التي تمنح الأولوية لمبادئ التنوع والمساواة والشمولية تكون مسؤولة اجتماعياً بنسبة أكبر من غيرها، مما يعزز علاقاتها مع موظفيها وعملائها والمجتمعات التي تعمل فيها.
ويدرك المستثمرون تدريجياً أن الشركات التي تمتلك درجة عالية من التنوع في فرق إدارتها، ولديها ثقافات قائمة على قيم الشمولية والتسامح، وتتمتع بقدرة أكبر على الابتكار ومواجهة التحديات والتكيف مع تقلبات السوق. ونتيجةً لذلك، يثمر النظر في هذه الاعتبارات عند وضع استراتيجية استثمارية عن دعم الممارسات المسؤولة اجتماعياً وتحقيق أثر اجتماعي إيجابي ملموس.
الفرص في السوق
تكتسب المؤشرات وصناديق الاستثمار التي تعتمد ممارسات التنوع والمساواة والشمولية زخماً متزايداً، وهو ما يعكس طلب المستثمرين المتنامي عليها وارتفاع مستوى الوعي بالفوائد المالية لهذه الممارسات. ويسهم تبني هذه المبادئ في زيادة فرص إدراج الشركات في المؤشرات من هذا النوع، وبالتالي توسيع قاعدة المستثمرين لديها وتعزيز قيمتها في السوق.
وتُعد مبادئ التنوع والمساواة والشمولية بالنسبة للكثيرين محفزاً أساسياً للابتكار وخلق الفرص والاستفادة منها. ويتجاوز مفهوم الاستثمار المستدام مسألة الحد من الأضرار ليشمل الدعم الفعال لرؤية قادة الدول والسعي للمساهمة الفعالة في تنمية المجتمع وحماية البيئة.
ويمكن للشركات التي تضع هذه المبادئ في طليعة أولوياتها الاستفادة من توجهات السوق الناشئة ومواكبة احتياجات العملاء وتفضيلاتهم المتغيرة. ويدرك المستثمرون على مستوى العالم العلاقة المهمة بين الابتكار والاستدامة، حيث يتجهون بشكل متزايد إلى الاستثمار في الشركات التي تستند قوتها الاستراتيجية إلى إحداث أثر اجتماعي ملموس.
وتحظى الشركات التي تركز على الفرص الناتجة عن تبني مبادئ التنوع والمساواة والشمولية بمستويات عالية من الثقة، التي تمثل قيمة أساسية في عالم الأعمال، في علاقاتها مع الموظفين والعملاء المحتملين. كما تتلقى الشركات التي تلتزم بهذه المبادئ معاملة تفضيلية من صناع السياسات في دولة الإمارات، مما يرسخ سمعتها ويعزز قيمة علاماتها بوصفها شركات مسؤولة.
ويدرك المستثمرون الدور المهم لممارسات الأعمال المستدامة والمبادرات الاجتماعية المؤثرة في تعزيز سمعة الشركة، لذا تعمد الشركات إلى منح أهمية أكبر لهذه الممارسات والمبادرات في استراتيجيتها، بما يلبي تفضيلات المستثمرين الباحثين عن شركات تركز على الشفافية والمساءلة والممارسات الأخلاقية.
ويحمل الجمع بين المبادرات الاجتماعية الفعالة ومبادئ التنوع والمساواة والشمولية مزايا عديدة لجميع الأطراف، حيث يمكن للمستثمرين الذي يعتمدون منهجية الرأسمالية المسؤولة تحقيق مكاسب مالية والمساهمة كذلك في تحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية وبيئية إيجابية على مستوى الدولة.
ومع التطور المستمر لمشهد الاستثمار في المنطقة، تزداد أهمية هذه المبادئ بوصفها جزءاً أساسياً للاستثمار المستدام في تغيير طبيعة تقييم الفرص الاستثمارية وتحفيز التغيير الإيجابي في دولة الإمارات وخارجها.
بقلم: بول مودي، المدير العام للشراكات العالمية وحلول العملاء، معهد CFA.