يشهد قطاع البناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحوّلات مهمة، فالازدهار غير المسبوق في البنية التحتية والتنمية فيها يوفران فرصاً هائلة ويفرضان تحديات كبيرة. ويتوجّب على القطاع أن يتبنّى الابتكارات التي تعمل على الارتقاء بمستوى الكفاءة والسلامة وتسهم في دفع عجلة الاستدامة، لا سيما مع انطلاق مبادرات طموحة مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 و”نحن الإمارات 2031″، والتي من شأنها رسم ملامح المستقبل في المنطقة. وتشكّل الأدوات اللاسلكية الدافع الرئيسي لإحداث تحوّل في القطاع لما توفره من مزايا عملية ودورها في إرساء معايير جديدة في مواقع البناء الحديثة.
ويسجّل قطاع البناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً سريعاً، ويشير مؤشر زخم مشاريع البناء الصادر عن شركة جلوبال داتا إلى استمرار المنطقة بتسجيل مستويات أداء تفوق المعدلات العالمية نتيجة لكونها مدفوعة بالمشاريع الضخمة. إلا أن مواكبة هذا النمو يتطلب ممارسات أكثر ذكاء وسلامة واستدامة، حيث لم يعد اعتماد التقنيات المتقدمة كالأدوات اللاسلكية مجرد رفاهية، بل أصبح ضرورة لا بد منها.
وتشكّل الأدوات اللاسلكية نقلة نوعية في كيفية عمل الخبراء في مجال البناء؛ إذ تزيل القيود التي تفرضها الأسلاك، مما يمكّن شركات التطوير العقاري من العمل بكفاءة في المواقع الكبيرة التي تفرض مصاعب عديدة، والتخلص من التحديات اللوجستية المتمثلة في إدارة مصادر الطاقة. وبعبارة أخرى، توفر تلك الأدوات مرونة كبيرة تتيح للعاملين تحقيق أهدافهم بالوقت المحدد دون تكبّد الخسائر الناجمة عن التأخير، وهذا ما يشكّل عاملاً مهماً في هذا القطاع.
السلامة في الموقع: الحد من مخاطر التعثّر بالأسلاك
تأتي السلامة في رأس قائمة الأولويات في قطاع البناء، لا سيما في بيئات العمل سريع الوتيرة للمشاريع الضخمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويُعد خطر التعثر بالأسلاك والكابلات الأكثر انتشاراً، حيث قالت منظمة العمل الدولية إن حوادث السقوط من بين الأسباب الرئيسية للإصابات والوفيات في مواقع البناء. وهنا يأتي دور الأدوات اللاسلكية، حيث تساعد على التخفيف من هذه المخاطر من خلال التخلص من الحاجة إلى الكابلات، مما يؤدي إلى إنشاء مساحات عمل أكثر أماناً.
كما أن الانتقال إلى الحلول اللاسلكية يقلل من خطر التعرض للصدمات الكهربائية أيضاً، والذي يشكل مصدر قلق كبيراً عند العمل في ظروف بيئية متنوعة وصعبة.
الاستدامة والكفاءة: مزايا هامة للأدوات اللاسلكية
أكدت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التزامها بتقليص البصمة الكربونية وتعزيز ممارسات البناء الصديقة للبيئة. وتدعم التكنولوجيا اللاسلكية تلك الأهداف، حيث تقلل من استهلاك الطاقة والانبعاثات الناجمة عن أنشطة البناء من خلال الاستغناء عن شبكة الطاقة الثابتة أو المولدات التي تعمل بالوقود.
وتُظهر الأبحاث الصادرة عن معهد آي في إل السويدي لأبحاث البيئة أن إنتاج بطاريات الليثيوم أيون ينجم عنه انبعاثات لغازات الدفيئة، إلا أن مستويات تلك الانبعاثات خلال دورة حياتها أقل بكثير مقارنة بالبدائل السلكية، ما يوفر للمدراء في قطاع البناء مشاريع أكثر استدامة مع الحفاظ على مستوى الأداء نفسه.
وتتميز الأدوات اللاسلكية أيضاً بالكفاءة؛ حيث توفر القدرة على العمل دون الاعتماد على مصادر الطاقة الثابتة وتختصر الوقت وتعزز الإنتاجية، لا سيما في مواقع العمل الشاسعة. كما يمكن للعمال التحرك بحرية، والتكيف مع ظروف الموقع، وإكمال المهام بشكل أسرع، مما يختصر الجداول الزمنية الإجمالية للمشروع وتكاليف العمالة.
تحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة
تحظى أطر العمل في مجال المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة باهتمام متزايد لدى شركات البناء، وتوفر التكنولوجيا اللاسلكية حلاً عملياً لتحقيق أهدافها المرتبطة بهذا المجال.
وتحقق الأدوات اللاسلكية المعايير البيئية بدعمها لجهود تقليل انبعاثات الكربون من خلال الاعتماد بشكل أقل على المولدات التي تعمل بالوقود والطاقة الكهربائية من الشبكات. كما أنها تقلل من النفايات الناجمة عن التخلص من الكابلات التالفة والتي يتم استبدالها بشكل متكرر.
وتستوفي الأدوات اللاسلكية أيضاً متطلبات المسؤولية الاجتماعية من خلال تعزيز السلامة في موقع العمل، حيث تسهم في توفير بيئة أكثر صحة وأماناً للعمال.
وتسهم هذه التقنية في تعزيز الحوكمة، حيث يعكس اعتماد الشركات للتقنيات اللاسلكية التزامها بالممارسات القائمة على استشراف المستقبل، ما يتماشى مع المعايير واللوائح الدولية الخاصة بالاستدامة وسلامة العمال.
إن اعتماد الأدوات اللاسلكية يعكس تبنّي الشركات لنهج استباقي في مجال الاستدامة والسلامة والكفاءة التشغيلية، حيث يحظى المستخدمون بدور رائد في ممارسات الأعمال المسؤولة، ويعزز مكانة الشركة، ويوفر ميزة تنافسية للمشاريع التي تعطي الأولوية للامتثال لمعايير المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة.
الأدوات اللاسلكية وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة
يتماشى تحول قطاع البناء نحو الحلول اللاسلكية بشكل وثيق مع العديد من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، حيث تنسجم مع الهدف 9 منها الذي يدعو إلى إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار.
وتتماشى تلك الحلول أيضاً مع الهدف 8 الذي يدعو إلى توفير فرص العمل اللائق للجميع وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال الارتقاء بمستوى السلامة والكفاءة، وبالتالي خلق ظروف عمل أفضل للعاملين في مجال البناء. كما تنسجم مع الهدف 12 الذي يدعو لضمان أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، وذلك من خلال الحد من النفايات الناجمة عن الأسلاك التالفة وتقليل استهلاك الطاقة.
وتأخذ الأدوات اللاسلكية في الاعتبار أيضاً الهدف 13 المتعلق بالعمل المناخي من خلال الحد من الانبعاثات، والهدف 3 المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه من خلال تعزيز السلامة في الموقع التي تضمنها تلك الأدوات من خلال المساهمة في توفير الحماية للعمال من التعرض للإصابة أو الوفاة.
الأدوات اللاسلكية تحدد مسار المستقبل
من المتوقع أن يشهد الازدهار في قطاع البناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحولاً على المدى الطويل. ولكي يحافظ القطاع على هذا النمو، يجبالتركيز على الابتكار واعتماد ممارسات تعطي الأولوية للسلامة والكفاءة والاستدامة. وتأتي الأدوات اللاسلكية في صميم هذا التحول، حيث تقدم حلاً يلبي متطلبات البناء العصري، كما تسهم بتحقيق الرؤية الأوسع الرامية إلى الوصول إلى مستقبل أكثر استدامة وأمناً.
بقلم فيفيان لوتينشلاجر، المدير التجاري في شركة ستانلي بلاك آند ديكر