تصنف مدينة برشلونة، وفق مؤسسات دولية ذات مصداقية، ثاني مدينة ذكية في العالم بعد سنغافورة، بفضل استعمالها للإمكانات الضخمة لتقنيات الإنترنت والتكنولوجيا الدقيقة، وهو الأمر الذي ييسر حياة ساكنيها وزائريها. وقادت تقنيات لينوفو في عام 2014 هذا التحول في برشلونة من خلال تعزيز الاستدامة والخدمات الحضرية، حيث أصبحت برشلونة منذ ذلك الحين واحدة من أكثر المدن كفاءةً في العالم، ما مكنها من توفير المال وتعزيز الاستدامة وتحسين عملية إدارة النفايات والارتقاء بالحياة الحضرية. وأصبحث مثالاً يحتذى للدول في جميع أنحاء العالم.
ويتجاوز نشر التقنيات المتطورة اليوم المدن الموجودة فعلياً، لتصل إلى جميع أنحاء العالم، حيث نشهد العديد من الخطط والأعمال الجارية لبناء المدن والأحياء والعواصم الجديدة المصممة بطريقة مختلفة عن نماذج التخطيط الحضري التقليدية. على سبيل المثال، من المقرر أن تغطي مدينة “ذا لاين” الذكية مساحة تبلغ 26,500 كيلومتر، وهي مدينة ذكية من المقرر بناءها في منطقة تبوك شمال غرب المملكة العربية السعودية. وتقع “ذا لاين” في “نيوم” المشروع الضخم التي تم بناؤه بشكل شامل وتزويده بالتقنيات الذكية ليكون برهاناً على أنّ أي مدينة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، يمكن أن تكون مدينة ذكية.
ويأتي الإلتزام بتحقيق الاستدامة في المدن الذكية في صميم تخطيطها، حيث يتطلع القادة وصناع القرار والشركات والأفراد الآن إلى التواجد في المدن التي تتوافق مع أهداف المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. ومن المهم أن تقوم المدن اليوم أكثر من أي وقت مضى بتسريع وتيرة مبادرات الاستدامة لديها عبر الاستفادة من التقنيات الذكية والمتطورة التي تعمل على توفير حلول النقل الذكية وتحسن كفاءة الطاقة وصولاً إلى تعزيز تبادل المعرفة، ما يجعلها جزءاً أساسياً من عملية تحوّل المدن إلى مساحات مستدامة.
حلول النقل الذكية لبناء مستقبل مزدهر ومستدام
طورت لينوفو حلول النقل الذكية في برشلونة، ما ساهم بتحسين تدفق حركة المرور وتقليل الازدحام والانبعاثات وتعزيز استخدام وسائل النقل العام. وأتاح التدقيق في البيانات في جميع أنحاء المدينة الفرصة لجمع المعلومات المباشرة عن أحوال البنية التحتية للنقل في المدينة ما عزز كفاءتها وساهم بخفض انبعاثات الكربون بشكل عام.
وكانت مدينة برشلونة قد نشرت نظاماً ذكياً للتخلص من النفايات، يُمكّن المقيمين من التخلص من نفاياتهم المنزلية في صناديق ذكية. حيث تستخدم هذه الصناديق تقنية التفريغ لنقل النفايات تحت الأرض للتخزين، وهو نهج يقلل من التلوث الضوضائي ويسمح للمدينة بمراقبة مستويات النفايات بشكل أفضل، ما يسهل بدوره جمع النفايات بكفاءة. ولا تتوقف فوائد هذا النهج هنا، حيث تسهم عملية حرق النفايات بتوليد طاقة تُستخدم بعد ذلك لتشغيل أنظمة التدفئة.
وعلى نفس النهج، سيتم تزويد “ذا لاين” في المملكة العربية السعودية بحلول نقل أكثر ذكاءً ضمن البنية التحتية للمدينة. ويمكن الوصول إلى كل شيء في غضون 5 دقائق سيراً على الأقدام، كما ستوفر شبكة المواصلات العامة الفعالة رحلة شاملة في غضون 20 دقيقة فقط.
إمداد المستقبل بالطاقة: إطلاق العنان لإمكانات كفاءة الطاقة
تؤمن الوكالة الدولية للطاقة أن كفاءة الطاقة هي “أداة حاسمة لتخفيف الضغط على إمدادات الطاقة”، حيث تمتلك القدرة على تقليل حوالي 40% من الانبعاثات الكربونية التي تسبب الاحتباس الحراري. لذلك، من الطبيعي أن يكون التحكم بكفاءة الطاقة أولوية قصوى في تكييف البنية التحتية في المدينة لتصبح أكثر استدامة.
والجدير بالذكر أنه قد استخدمت التقنيات الذكية في برشلونة لتثبيت نظام City OS، وهي بنية تحتية للبيانات المفتوحة. وسمحت هذه التقنية لمجلس المدينة بتوزيع الموارد البلدية بشكل أكثر كفاءة، سواء كان ذلك في مجال النقل أو الطاقة أو استخدام المياه.
كما حققت “ذا لاين” خطوة إضافية في التطور التقني، حيث تستطيع المدينة أن تتنبأ بمدى تحوّل الطقس لمشمس ونسبة الرياح المتوقعة، ما يتيح لها استخدام الطاقة بكفاءة أكبر. وسيتم بناء “ذا لاين” بالاستفادة من تقنيات الحوسبة المتطورة التي توفر القدرة على مراقبة الأنشطة في الوقت الفعلي داخل الغرف الفردية في أي مبنى. وتسمح هذه البنية التحتية للمدينة بمطابقة إمدادات الطاقة مع مستوى الطلب والحد من إنتاج أي نفايات خلال سير العمليات.
تعزيز الاستدامة من خلال تبادل المعرفة
أثبت تبادل المعرفة أنه أداة أساسية في تعزيز استدامة المدينة. حيث يتمتع المواطنون في برشلونة على سبيل المثال بالوصول غير المحدود إلى المعلومات المتعلقة بمبادرات الاستدامة في المدينة، بدءاً من كيفية إعادة تدوير النفايات ووصولاً إلى خطط مجلس المدينة لجعل المنطقة أكثر استدامة. ويستطيع المواطنون بفضل هذه المعلومات ممارسة مستوى دقيق من الضغط على البلدية لمحاسبة المخططين والمديرين عند تقصيرهم في تنفيذ المبادرات المستدامة.
وينطبق الشيء نفسه على مشروع “ذا لاين”، حيث سيتمكن المواطنون الذين سينتقلون إلى المدينة من اختيار مشاركة البيانات ليصبحوا جزءاً من نظام يتم فيه تحسين كل شيء فيه عبر استخدام البيانات. وسيتمكنون من خلال مشاركة البيانات هذه من الوصول إلى حلول أكثر استدامة بالإضافة إلى تعزيز معرفتهم ومعلوماتهم حول الاستدامة نفسها.
وعلى الرغم من أن مدينتيّ برشلونة و “ذا لاين” تفصلهما آلاف الأميال جغرافياً، إلا أنهما تشتركان في هدف موحّد وهو تعزيز بنيتهما التحتية لتكون أكثر استدامة وكفاءة ومتعة للسكان. وستساعد التقنيات الأكثر ذكاءً على تسريع وتيرة تحقيق هذا الهدف.
وتجدر الإشارة إلى أنه لطالما كانت مدينة برشلونة مدينة ذكية رائدة لسنوات، ومن المقرر أن تكون “ذا لاين” أيضاً مثالاً استثنائياً جديداً لكيفية بناء المدن من الصفر مع وضع الاستدامة في جوهرها. ومن الملفت أن كلاً من برشلونة و “ذا لاين” ستمهدان الطريق لمدن أخرى كي تحذو حذوهما. وستتمكن المدن من خلال تبني التقنيات الأكثر ذكاءً من تقليل أثرها البيئي وتحسين رضا المواطنين وتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية.