أصبح من المهم استكشاف دور الهيدروجين النظيف والمتعدد الاستخدامات، في مزيج الطاقة النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولماذا يمكن أن تؤدي إمكاناته الحقيقية إلى تغيير قواعد اللعبة للوصول إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفري.
إن عصر ابتكار الطاقة وتنويعها قد وصل إلينا دون أدنى شك، مدفوعاً بمزيج من الأهداف الحكومية وتفويضات الشركات، ومعه يتم ضخ موارد هائلة إما لتخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو تطوير طرق جديدة لتوليد الطاقة النظيفة دون تحميل التكاليف على المستخدم النهائي.
وامتثالاً لاتفاق باريس، التزمت 110 دولة حتى الآن بهدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050؛ ومع ذلك، لا تزال غالبية الدول في المراحل الأولى من تحقيق التوازن بين تلبية الطلب على الطاقة وإظهار نتائج ملموسة في المساعي نحو هدف صافي الانبعاثات الصفري، خاصة مع عدم وجود حل واحد يناسب الجميع لتوليد الطاقة النظيفة أو تخزينها.
باعتبارها منطقة معروفة باقتصادها الهيدروكربوني، واجهت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مساراً صعباً للتنقل بين الحفاظ على الاستهلاك والصادرات مع التحول إلى مصادر أكثر صداقة للبيئة. ومن خلال المشاريع الكبرى مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في الإمارات العربية المتحدة، وهو أكبر مشروع للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم، ومجمع بنبان للطاقة الشمسية في مصر، تمكنت المنطقة من زيادة قدرتها على الطاقة المتجددة بشكل كبير بنسبة 12.8 في المائة على أساس سنوي في عام 2022.
ومع ذلك، في ظل عدة التحديات مثل تخزين الطاقة، وانخفاض الكفاءة وارتفاع التكاليف الأولية للإنشاء، لا يزال أمام الطاقة الشمسية طريق طويل لتقطعه قبل أن تكون قادرة على تلبية الطلب الحالي والمستقبلي بشكل كامل.
ما زال المصدر الأساسي البارز للطاقة المنخفضة الكربون هو الطاقة النووية، وهذا الأمر يظهر الآن في المنطقة مع وجود محطات طاقة جديدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتتوقع مصر تشغيل منشآتها النووية لإنتاج الكهرباء في الضبعة خلال السنوات الخمس المقبلة، كما تتقدم المملكة العربية السعودية في خططها لبناء محطة طاقة نووية واسعة النطاق كجزء من أجندة تنويع مصادر طاقتها.
ويظل النفط والغاز الطبيعي أكثر مصادر الطاقة انتشاراً في جميع أنحاء المنطقة، ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون تطوير الهيدروجين أحد أكثر المحفزات الواعدة في المنطقة نحو مستقبل مستدام باعتباره حامل طاقة متعدد الاستخدامات، ويُستخدم الهيدروجين بالفعل في كل مكان في قطاعي الطاقة والصناعة، وبشكل أساسي لتكرير البترول ومعالجة المعادن وإنتاج الأسمدة والمواد الكيميائية الأخرى.
ومع ذلك، فالهيدروجين أيضاً ناقل طاقة متعدد الاستخدامات ومخزن للطاقة في حد ذاته، ويمكنه في أنقى صوره توليد الحرارة أو الكهرباء عن طريق حرقه في الغلايات أو توربينات الغاز، مما يؤدي إلى مصدر خالٍ من الانبعاثات تقريباً، كما يمكن مزج الهيدروجين مع الغاز الطبيعي مما يوسع نطاق تطبيقات لاستخدامه.
ويمكن استخدام الهيدروجين أيضاً في خلايا الوقود من خلال دمجه مع الأكسجين الموجود في الهواء لإنتاج الكهرباء والحرارة والماء كمنتجات ثانوية، وهي عملية أثبتت فعاليتها في قطاع النقل، حيث أثبتت مركبات خلايا الوقود أنها أكثر استخداماً في هذا القطاع وأنها بديل فعال لمحرك الاحتراق الداخلي للمركبات.
إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الهيدروجين كمخزن للطاقة الموسمية وطويلة الأجل، مما يعني أنه مناسب تماماً للتطبيقات المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى إمكانية تخزين الهيدروجين وتحويله مرة أخرى إلى كهرباء عندما يكون الطلب مرتفعاً من خلال استخدام الكهرباء الزائدة المولدة خلال فترات انخفاض الطلب لإنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي. ونتيجة لذلك، أثبت الهيدروجين أنه حل فعال لموازنة شبكة الكهرباء والطاقة على المدى القصير، حيث يعمل كاستجابة سريعة للتقلبات في العرض والطلب.
ولكن التحدي الرئيسي المتمثل في دمج الهيدروجين في مزيج الطاقة لا يتمثل في التطبيق بل في توليده، فوفقاً لتقارير لوكالة الطاقة الدولية عام 2019 ومجلس الهيدروجين عام 2021، فإن 98% من إجمالي الهيدروجين التجاري مصنوع من الغاز الطبيعي باستخدام البخار، مما يعني انبعاث 11 طناً من ثاني أكسيد الكربون لكل طن من الهيدروجين
وهنا يأتي الحديث عن الهيدروجين الرمادي الذي يمكن بدوره أن يؤدي إلى أساليب إنتاج أكثر استدامة، والتي تنطوي على نفس العملية الموضحة سابقاً، ولكن مع احتجاز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج، وبمجرد تخزينها، لا يتم إطلاق الانبعاثات في الغلاف الجوي. ولكن الهيدروجين الرمادي لا يمثل حلاً للطاقة المتجددة والنظيفة المرجوة، فالهيدروجين الأزرق، على سبيل المثال، أنظف بنسبة 60 في المائة تقريباً من الهيدروجين الرمادي.
وفي ذروة تطور الطاقة، يبدو أن الهيدروجين الأخضر، الذي يتم إنتاجه بالكامل من مصادر متجددة، هو المفتاح لمستقبل صافي الانبعاثات الصفرية لدينا، ولكننا في مرحلة لا تزال فيها تكلفة الإنتاج وكفاءة التحليل الكهربائي والقدرة التصنيعية وتنوع مصادر الطاقة المتجددة وحجم البنية التحتية على بعد سنوات قليلة من حيث التطور والتطوير.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنه بمجرد أن يصبح قابلاً للتطبيق، فإن إمكانات الهيدروجين الأخضر كوقود خالٍ من ثاني أكسيد الكربون تكاد تكون بلا حدود. ومن تكرير النفط إلى إنتاج الأمونيا والميثانول، وتحويل الوقود الصناعي، وإنتاج الصلب والمواد الكيميائية، يمكن للهيدروجين الأخضر أن يحدث ثورة في قطاع النقل، وخاصة في المركبات التجارية، والسكك الحديدية، والشحن، والطيران.
في “AtkinsRélais”، نلعب الآن دوراً نشطاً في تطوير الهيدروجين الأخضر، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تعني الأهداف الطموحة للعديد من البلدان العمل في أقرب فرصة، وعدم انتظار الوعد بتكنولوجيا أرخص في المستقبل، ونقوم بالفعل بإجراء دراسات جدوى وتصميمات مفاهيمية لمصانع الهيدروجين الأخضر والأمونيا على نطاق واسع في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تحويل الهيدروجين الأخضر لأعمال الأسمنت الصناعية الكبرى، بتمويل من البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير.
في حين أن الصناعة العالمية ليست مستعدة بشكل كامل للانتقال إلى الهيدروجين الأخضر بشكل فعال من حيث التكلفة الآن، فمن خلال مزيج من الخبرة الهندسية الموجهة نحو الحلول، وصنع السياسات المعقولة والعملية وتعاون أصحاب المصلحة العالميين، سنصل إلى هناك عاجلاً أو آجلاً.
باعتباره وقوداً كان مرادفاً في السابق لفجر عصر الفضاء، فإن دور الهيدروجين كمزود وميسر للطاقة النظيفة لمجتمعاتنا العالمية سيصبح بالغ الأهمية مع اقترابنا من أهدافنا الجماعية لخفض الانبعاثات. ومع التقديرات الحالية التي تشير إلى أن اقتصاد الهيدروجين قد يصل إلى نصف تريليون دولار بحلول عام 2030، فمن المؤكد أن نجاح دور الهيدروجين في مستقبل كفاءة استخدام الطاقة لن تمليه إلا الطريقة التي نختارها لاستخدامه.
ديفيد حبوبي، مدير قسم الطاقة النووية والطاقة معدومة الانبعاثات، الشرق الأوسط وأفريقيا، وكريستوفر ساغار، مهندس أول الطاقة النووية، الشرق الأوسط وأفريقيا، بشركة “AtkinsRélais”، وهي منظمة رائدة عالمياً في مجال التصميم والهندسة وإدارة المشاريع المستدامة.