وسط الجهود الرامية لمواجهة أزمات التغير المناخي المتسارعة، لم تعد مسألة دمج الصناعة والتقنيات في عملية إزالة الكربون خيارًا فحسب، بل باتت حاجة ملحة تترسخ يومًا تلو الآخر خصوصًا بعد التحذيرات التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي تؤكد ضرورة التحرك فورًا للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى معدل 1.5 درجة مئوية. وهذه التحذيرات، لا تعتبر مجرد دعوة للعمل، وإنما طلبًا لإحداث تحول نموذجي في كيفية تعامل المؤسسات مع موضوع إزالة الكربون، والتركيز على الرؤى والتحاليل القائمة على البيانات لاتخاذ قرارات مجدية وسريعة.
وتملك الصناعة التحويلية إمكانات محورية في هذا الإطار، نظرًا إلى أن دمج التكنولوجيا من شأنه أن يسرع وتيرة إزالة الكربون. ولكن، هذا التحول يأتي مصحوبًا بمجموعة من التحديات، تتمثل بارتفاع تكاليف رأس المال، وإن كانت تكلفة الصيانة أقل على المدى الطويل. ولا يعد هذا التحول مجرد مسألة امتثال، بل تحركًا استراتيجيًا نحو العمليات المستدامة التي يمكن أن توفر ميزة تنافسية في السوق.
عصر جديد لإدارة بيانات الكربون
الخطوة الأولى نحو هذا التحول تتمثل باعتماد الأدوات الرقمية لإدارة بيانات الكربون. ويشير تقرير إنجي 2023 حول صافي الانبعاثات الصفري إلى أن عددًا كبيرًا من المؤسسات يستعد لاعتماد حلول رقمية لإدارة بيانات الكربون بحلول العام 2025. وتقدم هذه الأدوات، التي تشمل برامج لاحتساب الكربون وإعداد التقارير ومنصات لإدارة الطاقة، نهجًا خاصًا بالبيانات للوفاء بالتزامات صافي الصفر. ولكن اختيار هذه الأدوات وتنفيذها يتطلب دراسة متأنية لتجنب المخاطر مثل ارتفاع التكاليف، وغياب المرونة، وعدم دقة البيانات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتقال من مرحلة مراقبة بيانات الكربون السنوية إلى إدارة البيانات في الوقت الفعلي يتطلب التحول من الحلول الرقمية المجزأة إلى نهج أكثر شمولية. وتحتاج المؤسسات إلى تجاوز الاستراتيجيات الفردية واعتماد خارطة طريق شاملة تدمج بين الخبرة الفنية وتحليل البيانات والمعرفة الموضوعية. ولا يساهم هذا النهج بتسهيل اتخاذ قرارات مجدية فحسب، بل يساعد أيضًا في التغلب على التحديات المشتركة المرتبطة بأدوات إزالة الكربون الرقمية.
الحاجة الملحة للعمل ودور تعويض الكربون
تتزايد الحاجة إلى التحرك بسبب الحالة المتقلبة لسوق الكربون، التي تتحول من سوق المعاملات إلى سوق الاستثمار. وفي هذا التحول، تظهر الاستراتيجيات المبنية على البيانات كأدوات محورية يمكنها توجيه المؤسسات ودفعها لاتخاذ قرارات مجدية. وقد تساعد عملية تحليل البيانات في تحديد وتطوير مشاريع لتعويض الكربون، وبالتالي تأمين أرصدة الكربون عالية الجودة. لا يؤدي هذا النهج الاستباقي إلى تخفيف المخاطر المرتبطة بجودة أرصدة الكربون وتوريدها فحسب، بل يتماشى أيضًا مع أهداف الاستدامة للشركة، مما يوفر قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ما سبق، ستتشجع المؤسسات على تجاوز الحد الأدنى المطلوب، وتطوير مشاريع عالية الجودة للحد من الكربون والانبعاثات السلبية للتقنيات. ومن خلال التحاليل القائمة على البيانات، يمكنهم إدارة المخاطر والتحقق من فعالية مشاريع تعويض انبعاثات الكربون، مما يضمن التوافق مع استراتيجيات إزالة الكربون. ويعزز هذا النهج الإجراءات المؤثرة على المدى القصير، وبالتالي تحسين تأثير وكفاءة مبادراتها لتعويض الكربون في الرحلة الآيلة إلى اقتصاد خال من الانبعاثات الكربونية.
معالجة انبعاثات النطاق 3 من خلال نهج قائم على البيانات
من أبرز التحديات التي تعيق إزالة الكربون هو التقدم البطيء الحاصل في مسار تقليص انبعاثات النطاق 3، وهي انبعاثات غير مباشرة تنتج عن أنشطة في سلسلة القيمة الخاصة بالشركة. وتترسخ الحاجة لمعالجة هذه الانبعاثات مع زيادة توقعات أصحاب المصلحة وإدراكهم بأن إزالة الكربون هو أكثر من مجرد سياسة علاقات عامة. وقد بدأت شركات مثل سينجينتا وموانئ دبي العالمية باعتماد أساليب قائمة على البيانات لمعالجة انبعاثات النطاق 3، مع التركيز على مشاركة الموردين والابتكار.
ويمكن للشركات من خلال الاستفادة من الحلول الرقمية والتعامل مع الموردين، تحديد مصادر الانبعاثات ودفع عملية اتخاذ القرارات المجدية. وعلى الرغم من أن هذا النهج يمثل تحديًا بسبب عدم دقة البيانات والمقاومة الداخلية، إلا أنه يوفر طريقًا واضحًا لتقليص انبعاثات النطاق 3، ويحث الشركات على اعتماد أساليب ملموسة تتضمن جمع البيانات وإطلاق برامج إزالة الكربون مع الموردين، مما يعزز المشاركة والتعاون على المدى الطويل.
الخلاصة
في الخلاصة، لا بد من الإشارة إلى أن دمج التصنيع والتكنولوجيا في الجهود الرامية لإزالة الكربون خطوة حاسمة لإرساء مستقبل مستدام. ومن خلال اعتماد الرؤى والتحاليل القائمة على البيانات والتركيز على الإدارة الشاملة لبيانات الكربون، يمكن للمؤسسات التغلب على التحديات المرتبطة بأدوات إزالة الكربون الرقمية. علاوة على ذلك، فإن الحاجة الملحة إلى التحرك تتطلب اتباع نهج استباقي لتعويض الكربون وتضافر الجهود لمعالجة انبعاثات النطاق 3 من خلال الإجراءات القائمة على البيانات.
وفي حين نقف عند هذا المنعطف الحرج، تبدو الحاجة ملحة لأن تتصرف المؤسسات بسرعة وبشكل استراتيجي، لتعزيز الابتكار والتعاون وتسريع وتيرة التقدم نحو اقتصاد خال من الكربون. وقد حان الوقت للعمل والتركيز بشكل واضح على القيمة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل.
كتب: سرفراز احمد، كبير مسؤولي المعلومات والبيانات في إنجي