مع تحول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اقتصاد معرفي مزدهر، تساهم المبادرات الهادفة التي تتبناها الدولة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط بفتح مجموعة واسعة من فرص العمل في مختلف الصناعات المبتكرة. من قطاع التكنولوجيا المالية المزدهر إلى التجارة الإلكترونية والتركيز المتزايد على الاستدامة، تمهد دولة الإمارات العربية المتحدة الطريق لعصر جديد من الإمكانيات المهنية. في صميم هذه الرحلة التحويلية توجد المواهب والكفاءات المناسبة التي ستساعد في تعزيز التزام الدولة بالاستدامة. ومع تزايد الطلب على الممارسات التجارية الصديقة للبيئة في جميع أنحاء العالم، بدأت فرص العمل في قطاعات الطاقة الخضراء والنظيفة في التزايد أيضاً.
يتجلى التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالاستدامة من خلال الاستثمارات الكبيرة في مشاريع الطاقة النظيفة. تأكيداً على تركيز الدولة على الحد من انبعاثات الكربون، أطلقت الإمارات 11 مشروعاً للطاقة صديقة للبيئة في عام 2022 بقيمة إجمالية قدرها 43.3 مليار دولار أمريكي مع خطط لاستثمار ما يصل إلى 54 مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة على مدى السنوات السبع المقبلة. تتواءم هذه الزيادة في مبادرات الطاقة النظيفة مع الأهداف البيئية العالمية وتوفر مجموعة من فرص العمل للكفاءات والمهنيين المتمكّنين من تقنيات الطاقة المتجددة وإدارة المشاريع والممارسات المستدامة.
تركز دولة الإمارات العربية المتحدة على مبادرات متعددة تهدف كلّها لتحقيق الاستدامة، أحدها خفض الانبعاثات بنسبة %40 بحلول عام 2030. لتحفيز سكان الإمارات على تبنّي هذه الممارسات، يتم تشجيعهم على الاستثمار في السيارات الكهربائية، مما يزيد الطلب على الخبرات المتخصصة في تقنيات السيارات الكهربائية، والبنية التحتية للشحن، والتخطيط الحضري المستدام. بالإضافة إلى ذلك، تحدد الأجندة الخضراء لعام 2030 أهدافاً شاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4-5%، وزيادة الصادرات بمبلغ 24-25 مليار درهم. كما حفزت الأهداف الطموحة للإمارات مؤسسات الدولة على تنفيذ المبادرات الخضراء، مما يدفع بدوره إلى زيادة الطلب على القوى العاملة الماهرة والبارعة في التعامل مع ممارسات الأعمال المستدامة المعقّدة ومتطلبات الحفاظ على البيئة.
مشهد الاستدامة الحالي للكفاءات والمواهب المرنة
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة نقطة جذب للمواهب والكفاءات العالمية حيث تعيش أكثر من 200 جنسية في الإمارات بفضل بنيتها التحتية المتميزة، ومشاريعها عالية الجودة، ورواتبها التنافسية. ساهمت مبادرات مختلفة، مثل التأشيرات الذهبية طويلة الأجل، وتأشيرات الرقميين الرُحّل، وتأشيرات العمل الحر، في تعزيز جاذبية الإمارات دولياً. ونظراً لأن أدوار الاستدامة تتطلب مزيجاً فريداً من الخبرات الفنية والتفكير الابتكاري، بما يتواءم مع أهداف العمل المناخي، يمثل جذب المواهب والكفاءات والاحتفاظ بها تحدياً في بعض الأحيان، حيث تحتاج الشركات إلى شراكات أو أدوات استراتيجية للوصول إلى مجموعات المواهب المحلية والإقليمية والعالمية المتخصصة.
أما بالنسبة للقطاع العام، فيتم استقطاب المتخصصين، مثل خبراء سياسات المناخ لأهميتهم في صياغة السياسات القائمة على الأدلة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال التعاون والمبادرات الهادفة مثل مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي وتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050. ينجذب خبراء أسواق الكربون، وأهميّتهم الحاسمة في تطوير آليات تسعير الكربون وتداوله، لدولة الإمارات العربية المتحدة بفضل سوق الكربون الطوعية فيها ودورها كمركز رائد لأسواق الكربون عالية الجودة والشفافية. كما ينجذب مهندسو الطاقة المتجددة، كونهم مفتاح التحول إلى الطاقة النظيفة، إلى المشاريع الرائدة في الإمارات مثل مزرعة الظفرة للطاقة الشمسية. وبالمثل، تشهد الشركات الاستشارية في القطاع الخاص زيادة في الطلب على الكفاءات المتمكّنة من تطوير السياسات وتنفيذها على أرض الواقع. خلال النصف الأول من عام 2023، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادة كبيرة بنسبة 200% في الحاجة إلى الأدوار الاستشارية، وفقاً لنتائج تقرير آوتسايزد النصف سنوي لاتجاهات الطلب لعام 2023. تعكس هذه النتائج الاتجاه العالمي المتمثل في التركيز المتزايد على الالتزام باللوائح الصارمة المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية للشركات.
استراتيجيات التوظيف للمواهب المستقلة
تستفيد الشركات والمؤسسات من منصات المواهب والكفاءات حسب الطلب، مثل منصة آوتسايزد، لتوظيف محترفين مستقلين يتمتعون بمهارات متخصصة في الاستدامة. توفر هذه المنصات مجموعات من المواهب المتخصصة مع إمكانية الوصول السريع إلى المهنيين الذين تم التحقق من كفاءاتهم مُسبقاً، مما يؤدي إلى تسريع إجراءات التعامل معهم وبالتالي بدء العمل. يساهم التعاون عن بعد عبر الحدود بتوسيع نطاق مجموعات المواهب، مما يعزز ممارسات العمل المستدامة وذلك بالحدّ من ضرورة التواجد في موقع العمل والمساهمة في تحسين الأداء والنتائج. ولضمان قدرة الشركات على استقطاب القوى العاملة الماهرة من حول العالم والاحتفاظ بها، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار تقديم حزم شاملة مغرية، مع توفير الدعم الأسري والتوظيف المرن وفرص النمو المهني.
تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق تحول اقتصادي هائل نحو الاستدامة. ولكن لتحقيق الأهداف الخضراء، يعد استقطاب ورعاية الكفاءات والمواهب العالمية المرنة التي تتمتع بخبرات ومهارات الاستدامة المتخصصة والاحتفاظ بها أمراً بالغ الأهمية.
فيكرام مالهوترا، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، آوتسايزد